صباح الخير
قمة العشرين المنعقدة مؤخراً في لندن، والقرارات الصادرة عنها وكذا برامج الدول والحكومات وخاصة في الدول الصناعية الكبرى، والأرقام والتقارير والتوقعات التي تطلع على الشاشة بالمفاجآت المتتالية.. كل ذلك وسواه مما هو مرتبط وناتج عن الأزمة المالية العالمية يؤشر بقوة أننا أمام عالم جديد يتشكل، هناك أوضاع تتغير وبنى اقتصادية تتهاوى والاقتصاد شئنا أم أبينا هو أهم العوامل المحركة للتاريخ.حتى أكثر المتعصبين للنظام الرأسمالي الوحشي الذي ساد في العقود الأخيرة لا يمكن أن ينكر عمق الأزمة الاقتصادية وضراوتها وأبعادها في التأثير البالغ على النظام العالمي بكل بناه الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وكل ما يمكن أن يتوقعه المشفقون على النظام الحالي هو أن يخرج العالم بأقل التكاليف ضرراً، وكل هذه القرارات الداخلية والخارجية للقوى الاقتصادية الكبرى هي محاولات دؤوبة لتفادي حدوث الأسوأ، وحتى لا يصل العالم إلى مرحلة الصدام بين القوى والمصالح العظمى التي شعرت بأرض اقتصادياتها تتزلزل تحت أرجلها.وبسبب الترابط في النشاط الاقتصادي العالمي والأسواق المفتوحة والشركات والبنوك العابرة للقارات فقد انعكست الأزمة الحالية على اقتصاديات كل الدول بدون استثناء، وإذا كانت آثارها الأولى بدت واضحة مفجعة على الدول الكبرى وخاصة في قطاعات المال والعقار، فإن آثار الأزمة وأضرارها ستستقر في المنخفضات الاقتصادية لدى الدول الفقيرة والنامية، التي تفتقر إلى الإمكانيات المطلوبة لتفادي ضربات الزلزال الرهيب، كما تفتقر إلى الثقل السياسي لمواجهة الإجراءات والنشاطات التي ستقوم بها الدول القوية لتأمين مصالحها وتحصين أوضاعها، ناهيك عن الأضرار المباشرة التي أخذت تمس كثيراً من المجتمعات النامية والفقيرة، ومنها بلادنا وغيرها من الأقطار العربية، وخاصة البلدان التي لا يشكل النفط ركيزة أساسية في اقتصادها، مع أن النفط والوضع المالي للدول النفطية تأثر أيضاً، لكن ما أريد قوله هو أن بلداً كبلدنا عرضة لتأثيرات سلبية خلال الفترة القادمة، فهناك ما يتعلق بالمغتربين، ونحن نرى أن دولاً عدة أخذت تتخلص من أعداد كبيرة من العمالة الوافدة إليها. كما أن الأزمة المالية تلقي بظلالها على مشاريع الاستثمار التي يأمل فيها الوطن، وهي ظلال وآثار سلبية واضحة.ولا شك أن كثيراً من برامج التنمية ستتأثر بظروف الأزمة المالية العالمية، ولا سيما تلك التي تعتمد على الدعم والهبات والقروض الميسرة وسواها.. كما سيتأثر النشاط السياحي وحركة الطيران وسواها من النشاطات المتعلقة بحركة الموانئ والمطارات وحركة الصادرات.كل هذه الظروف والمستجدات القائمة والمتوقعة والتي تصيبنا كما تصيب غيرنا من بلدان العالم الثالث خصوصاً تتطلب من الدولة وضع إستراتيجية وطنية للإنقاذ الاقتصادي والعمل على تطوير الإمكانات المتوفرة.الأساس الأول للإستراتيجية الوطنية أو الرؤية الوطنية لمواجهة التداعيات الخطيرة للأزمة العالمية هو التركيز على العامل الذاتي، أو بمعنى آخر بحث وتفعيل الإمكانات الوطنية على المستوى الاقتصادي ومنها:ـ تثوير الوضع في المجال الزراعي، بالتركيز على زراعة الحبوب، وزيادة رقعة الأرض المزروعة، وإقامة السدود والحواجز المائية، وتشجيع الاستثمار في المجال الزراعي، وتشجيع الصناعات الغذائية وتطوير نشاط الحفظ والتبريد والتسويق الداخلي والخارجي للمنتجات الزراعية.ـ الالتفات بحرص وجدية لدور موضع اليمن كدولة بحرية وهنا تكمن إمكانية كبرى لخلق نشاط اقتصادي كبير وفعال، في الاستثمار السمكي المنظم والمتطور، وفي مجال النقل البحري ونشاط الموانئ الرئيسية والفرعية وتطوير النشاط السياحي في الجزر وعلى الشواطئ.ـ الاهتمام بدعم ورعاية وإعادة الروح للأنشطة الحرفية اليمنية، بما يعيد لليمن روح العمل والإبداع وتطوير الأنشطة الأسرية والقروية.والأهم أن مثل هذه الرؤية التي تبدو بديهية وربما لم تخل منها أي خطة حكومية، الأهم أن تتحول إلى برنامج عمل وطني.إننا نرى أن الدول والحكومات تتحرك لتفادي تداعيات الأزمة وعلينا في هذا البلد أن نثبت أننا في مستوى مهمات الحفاظ على الوطن وعلى مستقبل الشعب وحماية المجتمع، هناك عمل وطني كبير ينتظرنا في مهمة كبرى لتحصين المستقبل بتجييش الخطط والقدرات والإمكانات ووقف عمليات الهدر والفساد والسمو فوق العقبات والانتماءات الضيقة.