القاهرة / 14 أكتوبر / سعد القرش: ويقول سرور في كتاب عمره نحو 50 عاما ان محفوظ قدوة «لكل المخلصين لفنهم.. ليوقنوا كما أيقن هذا الرجل أن قوى العالم أجمع لا يمكنها أن تقتل فنانا أصيلا.. وأن نقاد العالم أجمع لا يستطيعون أن يخلقوا من الأقزام عمالقة ولا من العمالقة أقزاما وأن النصر في النهاية للإخلاص والإصرار والثقة بالنفس واحترام الكلمة.»وأصدرت (دار الشروق) بالقاهرة كتاب (رحلة في ثلاثية نجيب محفوظ) ويقع في 297 صفحة متوسطة القطع.وعلى الغلاف الاخير سجل الناشر أن هذا الكتاب « نادر» اذ نشرت فصوله في مجلة (الثقافة الوطنية) اللبنانية عام 1959 ثم كتب مؤلفه فصولا أخرى منه حتى عام 1963 وجمع الناقد اللبناني محمد دكروب هذه المقالات وحققها ونشرها في كتاب عام 1989 وأنه يتاح الان على نطاق واسع باعتباره «رحلة ممتعة للقارئ بين عظيمين من عظماء أدبنا العربي» في اشارة الى محفوظ وسرور (1932-1978) الشاعر والمخرج وكاتب المسرح المرموق.ويقول سرور في الصفحة الأولى من الكتاب ان محفوظ قدوة في كل شيء.. في السلوك والإخلاص للكتابة والإيمان بأن القيمة الفنية وحدها هي ما يبقى من الادب.ويضيف أن النقد الأدبي ظلم محفوظ «حين أحجم طويلا عن الحكم عليه كما ظلمه حين حكم عليه». وعلق دكروب منبها الى أن هذا الكلام كتب عام 1959 قبل أن يصبح محفوظ ملء السمع والبصر.لكن الثابت أن أكثر من 15 عاما من التجاهل لروايات محفوظ وقصصه لم تزده الا إصرارا على مواصلة مشروعه وهو تأسيس الرواية العربية في وقت كان عباس العقاد يسخر فيه من فن القصة ويشدد على أن بيتا واحدا من الشعر يزن ما لا يحصى من القصص.ويبدأ سرور كتابه بمدخل الى رواية (بين القصرين) رافضا منهج معظم النقاد في تلخيص الأعمال الروائية لاعتقاده بأن « التلخيص عملية عدوانية تنصب على العمل الفني فتجرده من اللحم والدم وتحيله الى هيكل عظمي لا نبض فيه ولا دفء ولا حياة» لكنه يتتبع الطريقة الفنية التي عمد اليها محفوظ في البناء الروائي.ويقول انه يفضل الكاتب الذي لا يمنح قراءه كل شيء ويميل الى الأعمال التي يسعى كاتبها الى أن يشاركه قراؤه في «عملية الإبداع حين يترك لهم حرية الكشف. فمثل هذا الكاتب يكون كبير الثقة بقرائه» وان محفوظ من هذا النوع.ويضيف أن العمل الفني لا يكتمل بمجرد فراغ المؤلف من كتابته «وانما يبلغ تمامه بمجرد فراغ القارئ من اكتشافه. ومن هنا كان جهد القارئ لازما لإتمام جهد المؤلف» حتى تكتمل صورة العمل الأدبي بتفاعل طرفي المعادلة.ويصف سرور البناء الفني لرواية (بين القصرين) بأنه «غاية في البساطة وغاية في التعقيد أيضا» ولهذا تستطيع (بين القصرين) أن تهز القارئ لأنها عالم رحب شامل عميق ضمن مسار روائي «مقسم الى مجموعة من اللوحات» مجموعها 71 لوحة تمثل كل منها لحظة زمنية نابضة بالحياة.ويضيف أن محفوظ بارع في الغوص الى أعماق الشخصية « والإعجاز في التجسيد الداخلي» لها في حساسية تجعله في مستوى الفرنسي بلزاك والروسي نيكولاي جوجول والبريطاني تشارلز ديكنز.ومن مهارات محفوظ في نظره أنه يركز في السرد الروائي - بتصوير موضوعي- على النمط الإنساني لا على العقدة كما يعتمد على التحليل النفسي والنقد الاجتماعي بلا صراخ ولا ميلودراما ويصبح التاريخ في سطور الرواية «حيا مشهودا» في الأحداث والطرز السائدة في العمارة والأساس المنزلي والملابس والموسيقى والغناء والتقاليد والعلاقات الاجتماعية والسياق الاقتصادي.ويقول سرور ان محفوظ «يكتب بحيادية ظاهرة إزاء شخوصه جميعا» ويرسم لكل نموذج إنساني تناقضه الداخلي العميق وأبعاده النفسية والموضوعية المستقلة عن النماذج الأخرى «وعن شخصية المؤلف. ولا نعثر لدى نجيب محفوظ على الشخصية الوحيدة الجانب» حيث ان منطق الفن هو الصراع والتركيب بعيدا عن التسطيح والثبات.ويرى أن هناك قطبين لأزمة المرأة خلال زمن الرواية التي تبدأ أحداثها عام 1917 أحدهما ايجابي يمثله السيد أحمد عبد الجواد والثاني سلبي تمثله زوجته امينة والعلاقة بينهما «بين ذات وشيء. علاقة غير متجانسة وغير متكافئة وغير إنسانية قوامها الاستبداد المطلق في طرف والخضوع المطلق في الطرف الاخر. تماما كعقد الاذعان.»ويعيب سرور على «جميع النقاد» عدم انتباههم الى الكوميديا «الواضحة والبارزة جدا» في ثلاثية محفوظ مبديا دهشته من أن خط الكوميديا «فات كل نقادنا» رغم كون الكوميديا طابعاً أصيلاً للمزاج المصري الذي لا تستوقفه الا النكتة الصارخة غير المعتادة.
أخبار متعلقة