د. أبو بكر السقاف.. وحديث عن (الغناء العدني)
اهداني صديقي الصحفي المهاجر في السعودية (الطيب فضل عقلان)مسودة كتابه القادم الذي سيصدر قريباً في جدة بعنوان(اللون الغنائي العدني في الاغنية اليمنية) وهو خامس كتاب يصدره الطيب الذي يقوم بدور إيجابي في نشر كل مايهم اليمن في الصحف السعودية..الكتاب يضم بين دفتيه العديد من المواضيع عن(الاغنية العدنية) كتبها وشارك في إعداد الكتاب مجموعة من المثقفين والفنانين اليمنيين.. وقد لفت نظري هذا الحديث الذي ادلى به الاستاذ/أبوبكر السقاف/..يقول الاستاذ السقاف مسترجعاً بعض ذكرياته : كانت الفرصة التي سنحت للتعارف حزينة.. ذلك أني عدت من الخارج ومررت بعدن لتقديم العزاء في فقد الحركة الوطنية(عبدالله عبدالرزاق باذيب).. وابلغني احد الاصدقاء ان مجلس العزاء في منزل الاخ الفنان/جميل عثمان غانم.. هذا الموسيقار الفذ الذي رغم ان المعزوفات الني سجلها كانت قليلة إلا انها تقدم الفنان خير تقديم.. وقد حرصت على إقتنائها وإهدائها إلى الاصدقاء لاسيما خارج الوطن العربي جمع جميل في مختاراته الاغنية المحلية على تعدد الوانها، بما فيها اللون العدني..والواقع انني كنت اضع الاغنية العدنية في هامش من اغان والوان اخرى.. ربما بإستثناء اغنية"قمري شل بنتنا" وقد يتسائل القارئ حدة وإستنكاراً إذا علم ان منزل كاتب هذه السطور يقع على بعد في المكان تقطعه السيارة في أقل من عشرين دقيقة "يقصد مدينة الوهط التي تقع بين عدن ولحج" ولعل عذري ان المكان في تلك السنوات كان امكنه وان الزمان لم يكن يقاس بهذه البساطة..كان العالم الثقيل الذي انهار باستقلال الجنوب يمعن في تمزيقنا راسياً وافقياً..وأنا من جيل كان يطلب منه احياناً ابراز بطاقة هوية لدخول عدن ويحرم من الالتحاق بكلية عدن رغم إنها مبنية في ذلك الجزء من المحمية الذي يقع منزله فيه!!كنا نسمع عن فن عدن بل وطبيعة عدنيه.. لابإعتبار كل ذلك جزءاً من عالمنا الطبيعي وروحنا بل جزءاً من محاولة لتأسيس هوية جديدة يرعاها المستعمر تطرد كل ابناء اليمن القاصي منهم والداني وتشكل وعينا في خضم من رذاذ هذا الصراع..ولعل هذا يوضح اكثر من اي أمر آخر كيف يشوه الاستعمار العالم الداخلي للمستعمر عندما يحاول فتح حقائقه وكان صدى ذلك واضحاً في تعصب الجمهور لهذا الفنان وذلك للذوق الشخصي اثر في ذلك إقتراب الفنان من الموروث الفني في المناطق اليمنية التي تتميز بالوان غنائية . إلا ان ذلك هو ايضاً موقف يكون في التعصب لفنان يعينه علاقة على موقع السياسة بعد من إبعاده بمعنى من المعاني!!الفن طاقة تحرير هائلة.. وفن جميل غانم شاهد على ذلك..كانت علاقتي بالاغنية العدنية تنطوي على شيءمن الاغتراب تلخصت في فن جميل ولن اقف عند الجوائز التي نالها فليست دائماً دليل الموهبة.. كنت الوم نفسي كيف تطرب الاغاني عشرات الشعوب وتولع حتى الادمان بالموسيقى الكلاسيكية الغربية وتبدو قليل الحماس لفن رائج في مدينة تحبها..لم يكن الامر بغضاً محضاً فكل احاييل الاستعمار لم تستطع ان تقطع الأواصر الوطنية والشعبية التي تربطنا بيمننا ، لان ابناء الشعب اليمني من كل ارجاء اليمن كانوا يصنعون عدن كل يوم ويكسبون بحرها وحاراتها وغنائها كل البهاء الذي يلازم عدن في الذاكرة وهم الذين جعلوها تقترن في نفوسنا بالجديد وبالتضامن وكلها معان ازدهرت في ساحات صراعهم من اجل الحرية..كانت الاغنية العدنية تبدو لي شديدة التأثر بالاغنية المصرية والهندية وساعدت مطولات بعض الفنانين التي تقلد فناني مشهورين في مصر وكذلك الحديث عنها باعتبارها فن عدن مع ترسيخ هذا الراي وحجب هذا الحكم الجوانب الاساسية في الاغنية العدنية وهي التي تعبر عن اجتماع شخصية عدن في المستوى الفني.. فالاغنية المصرية والهندية والموروث المحلي المرتبط بأغاني الصيادين وغناء المناطق اليمنية انما كان يفصح عن نفسه في ذلك الامتزاج الذي هو لب الاغنية العدنية..الفن اصالة اي ابتكار.. وسره في تكوين المؤتلف مع المختلف..وبفضل فن جميل اقتربت اكثر من الاغنية العدنية حيث اضفى عليها روحاً آخاذاً تجلى في إعادة توزيعه للمقطوعات العدنية الشائعة وكان هذا اكثر مما استرعى إنتباهي..وادركت مع الايام ان عدن مدينتنا الوحيدة التي يعرف ابناؤها انفسهم بإنتماءهم إليها وحدها فلايبقى في تعريفهم بأنفسهم شيء من الروابط القبلية والجغرافية.. فيتسع معناها حتى للوافدين إليها من غير اليمنيين فيدخلون رحاب اليمن من باب عدن المشرع على البحر والمرح!!الاغنية العدنية"توليفة" جديدة تفصح عن نبض مدينة معاصرة.. وتوقد في متحد واحد إحساسات ومشاعر كل الذين يعيشون فيها .. هي علامة من علامات وجودهم "كالمبرز العدني" والبخور والدرع والسفن والبحر!!عندما استمعت إلى جميل غانم في العقد السابع كان كالماضي قد ابتعدت في الزمان وبقيت منه الشواهد التي كانت متحررة من اوضاره ومنها الأغنية العدنية!!ويختتم الاستاذ/ أبوبكرالسقاف حديثه عن الاغنية العدنية بقوله :كانت عدن ملاذ كل أغاني اليمن.. وقد اجاد المغنون فيها اداء كل الالوان ليمنية حتى اقترن بعضها بهم دون النظر إلى القرية أو المدينة التي ينتمون إليها!!