أحمد درعان لمجرد الإستماع فقط ـ يتملكنا إحساس غريب - إزاء بعض من الأعمال الموسيقية... وبخلاف الاستماع إلى البعض الآخر منها الذي يمدنا بإحساس او شعور مختلف أيضاً.. حيث نبقى في الحالتين عملياً بأحاسيس مختلفة ويبقى ذاك الإحساس كغريزة إلالهية فينا ، خاصة إذا وضعت أو حشدت بطرق وأشكال متقنة ببراعة ذلك لأن الإطراب يضع صوراً لمناظر خلابة ، هادئة للنفس البشرية وكأنه يعبق بنسيم دافق وشلال ماء عذب.وبعد رحيل عباقرة (الطرب الأول) سلامة حجازي ، سيد درويش ، كامل الخلعي ، بديع خيري ، (نجيب الريحاني) (والأخير تعددت وتنوعت إبداعاته) جاء من يحافظ بعد رحيلهم على تطوير وتدوين ماتركوه من أعمال فنية /أدبية /ومسرحية/واوبريتات جميعها مصاغة بأعذب وأجمل فظهر وبرع من تشبع بإبداعاتهم أمثال محمد القصبجي ، رياض السنباطي ،الشيخ زكريا أحمد وموسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب كل ذلك في الوقت الذي بدأ فيه نشوء جيل آخر ولكن جميع هؤلاء استمدوا إبداعاتهم من الفرق الشعبية (التخت العربي) (أو الطرب الأول) وما كان مؤثراً حتى اليوم هو ظهور (السيدة فاطمة) في حياة الشيخ محمد القصبجي كطفلة صغيرة بدأت في الأعراس والموالد (كوكب الشرق أم كلثوم) ولتبدأ الخوض معه في تجربة فنية مفعمة مكثفة بلحظات وجدانية اكثر ابداعاً ولكن هناك من يشحذ ويقطع ويعد العدة في تقديم ابداعاته وموسيقاه فظهور رياض السنباطي كان له عظيم الأثر ايضاً وجميع هؤلاء كانوا هالة من الضوء جسدت أم كلثوم وأظهر اعمالهم الفنية بإتقان إلا أن هناك مفاجأة غير متوقعة ولهذا الشاب الصغير عازف الجيتار بليغ حمدي الذي جاء مقتحماً الأبواب ويغوص في عالم التلحين بعد تخرجه من المعهد الموسيقي (كونسرفتوار) القاهرة مجدداً لأصوات عربية شهيرة بعد أن اختزنت ذاكرة الكثير من الأعمال الغنائية لجيل العمالقة وفي وقت قصير من حياته يأتي مطرباً وعازفاً أكاديمياً مطوراً في الأغنية العربية واضعاً الأسس العلمية في توظيف باهر..وهو اصغر المطربين الشباب في تلك الفترة.. وفي إنصات جميل وهو يدندن إحدى روائعه الفنية (أنساك ده كلام) فاستطاع تحريك موسيقاه إلى الأذهان طرباً راقياً فكانت أم كلثوم وكانت الانطلاقة لهما والإبداع الموسيقي المتقن والذي تلته إبداعات أخرى..مثلاً في (حكم علينا الهوى) ورائعته الثالثة (الحب كله) والأخيرة حركت المشاعر وألهبتها لوجود انتقالات لحنية وعوارض موسيقية لم يشهد لها مثيل في موسيقانا العربية.. مطوراً الصيغ لها على الرغم من كبر السن عند ( كوكب الشرق) وصغر سنه هو تلك الفترة وليظهر صوت ام كلثوم مختلفاً في صياغته عن ألحان الأوائل الذين جعلوا صوتها يبدو وكأنها في سن اكبر (لصغر سنها في تلك الفترة) حيث كانوا هم اكبر سناً منها!.. لو نعرج قليلاً على (رق الحبيب الحان محمد القصبجي مقام (نهاوند)فلانعلم كيف كان ذلك!هل كان لعدم امكانية خلق أو إظهار عوارض موسيقية أولعدم الإلمام الكامل ام كان اغفالاً لبعض المصطلحات الموسيقية مما ادى إلى ان يكون سبباً لذلك هو التمهيد الطويل في (أرق الحبيب) لنأت هذه (الغفلة) في جانب غنائي بشكل اقرب الى التقليدية..ولقد استخدم الموسيقار الراحل بليغ حمدي في أعمالة الغنائية الإيقاعات السريعة /والمتوسطة.. فمنها الإيقاع المقسوم(أظهرت.) ومنها السماعي الدارج والسماعي الثقيل وكما سمعنا في رائعته (الحب كله) التي جاءت اكثر تعبيراً وزخرفة وذلك لحسن الاختيار أولاً للمقام والتوظيف له ثانياً (مقام راست على الصول) ومدركاً للطبقة الصوتية لدى (أم كلثوم) وهذا المقام تكون فيه الدراجة السابعة ـ (فا) (فا ـ كاردييز) = ربع التون ـ أي بتعبير أخر = ربع المسافة ـ واضحة للأذن الموسيقية ولعازفي الالآت الوترية حيث جاءت في مقاطع هادئة مزينة ومزخرفة (ORNaiuenTiS) (اورناسينتس) = زخارف وبها استطاع (حمدي) خلق (مصيدة انفعال طربي) يحرك الوجدان والمشاعر النفسية وحتى لايغيب عن الأذهان هناك من يقول ان (حمدي) أثر نوعاً من الفن الموسيقي وهم لايدركون اوحتى يعوا ذلك وما أهمية هذا أو ذاك الفن وقد يذهبون إلى ابعد الظن فحمدي الذي عاش حياة او مرحلة لفترة أقصر ربما كانت حياة تختلف / (رجل /مطرب) آخر وربما انفصاله عن (وردة)وان كان مؤثراً إلا انه شكل نجاحاً ضخماً له حتى عادت إليه لتقف معه وقت الشدائد بعد إن أنهكه المرض وألزمه الفراش وأعراضه المزمنة ،(أما الذين هاجموا بليغ حمدي بعبارات عن فنه وأعماله وروائعه التجديدية إنما هم كما هم لا يقدرون ما هو الفن وكيف يحبب إلى النفس ، وفي نظري إن من يقود سماع الأعمال التقليدية تبدو موسيقى بليغ حمدي شاقة ومعقدة لديه (لديهم)،ولقد حاول (حمدي) التخلص من محنة ( الآخرين)الذين قاموا - ومازالوا - بتسويق مؤلفاتهم لقاء مبالغ لا تسد رمقهم محاولاتهم البائسة في التأثير عليه ...هكذا كان بليغ حمدي .. حتى رحل عن عالمنا الموسيقي.. بعد أن حملت له الأقدار هذه المشاعر والأحاسيس العميقة في مجتمعه العربي وأخيراً... هل تطورت الأحاديث عن هذا العبقري ام تلاشت كلياً؟ وهل نسلم بما أراده البعض... في حين نبقى كالذي شاهد كابوساً يداه الأخر أجمل أحلامه؟!فلقد كان بليغ حمدي رائد التجديد في الأغنية العربية.. وذلك هو السر الذي أوصله إلى المجد وما حققه من شهره حتى ساعة رحيله عنا...
|
ثقافة
الموسيقار بليغ حمدي رائد التجديد في الأغنية العربية
أخبار متعلقة