شهاب غانمفي العام الماضي صدر كتاب بعنوان( محمد علي لقمان - رجال وشؤون وذكريات )من إشراف وتحرير وجمع وتقديم الأستاذ الشاعر أ.د. أحمد علي الهمداني وقد استعرضت يومها ذلك الكتاب الممتع على الرغم من أنه لا يحوي مذكرات لقمان كاملة، فكثير من الحلقات التي كان لقمان ينشرها في صحفه مازالت غير متوفرة، كما ذكرت أن القارئ الذي لا يعرف الأحداث قد يجد صعوبة في متابعة تسلسلها التاريخي. وقد أصدر الدكتور الهمداني مؤخرا كتابا بعنوان ( محمد علي لقمان - رائد حركة التنوير في اليمن يتناول فيه الأحداث في حياة لقمان كما جاءت في مذكراته ولكن بشكل أكثر اختصارا وتسلسلا ليسهل على القارئ التعرف على لقمان كما أظن. ولكن الكتاب يحوي أيضا تعريفاً للقمان ومؤلفاته وأقوال بعض الشعراء والأعلام عنه.ويعتبر المحامي الصحافي محمد علي لقمان رائد حركة التنوير في اليمن، وقد ولد في عدن في السادس من نوفمبر/ تشرين الثاني، 1898 وتوفي في 24 مارس/ آذار من العام 1966 في الأراضي المقدسة في رحلة أداء فريضة الحج ودفن في مقبرة المعلا في مكة . وكان برفقته في رحلة الحج صهره والدي الدكتور الشاعر محمد عبده غانم وزوجتاهما رحمهم الله جميعا. [c1]لقمان والمحاماة[/c]كان لقمان أول يمني يحصل على الثانوية العامة (السينير كامبردج) في عدن، ثم كان أول من يتخرج في المحاماة، وكان ذلك عام 1938 في جامعة بمباي، وأقامت الجمعية العربية في بمباي حفلاً بتلك المناسبة، وألقى فيها عميد كلية الحقوق كلمة جاء فيها: “خلال عشرين عاماً تخرج ألفا محام في الكلية ولكن لم يجتز أحدهم الدراسة خلال سنتين فقط كما فعل السيد لقمان”، وعمل لقمان محامياً بعد ذلك في عدن .[c1]لقمان والصحافة[/c]كان لقمان أول من أنشأ صحيفة مستقلة في اليمن وهي “فتاة الجزيرة” التي بدأت أسبوعية في أول يوم من عام 1940 أثناء الحرب العالمية الثانية وحتى الثاني من ابريل/ نيسان 1959 عندما أصبحت الصحيفة يومية، وظل رئيساً لتحريرها حتى وفاته في مارس/ آذار ،1966 ثم ترأس تحريرها نجله الصحافي المعروف فاروق لقمان، وتوقفت الصحيفة عندما أمر الحكام الجدد يوم الاستقلال في نوفمبر/ تشرين الثاني كل الصحف في عدن بالتوقف لينفرد الحكم الشمولي بصحفه الحزبية .وكان محمد علي لقمان قد أنشأ أيضاً أول صحيفة مستقلة بالانجليزية في جنوب الجزيرة عام ،1953 وكان هو يرأس تحريرها بينما يدير تحريرها فاروق لقمان، وتوقفت هي الأخرى يوم استقلال الجنوب تحت ظل الحزب الواحد والرأي الواحد الذي ابتليت به كثير من الأقطار العربية .[c1]لقمان والعمل في النوادي [/c]قاد لقمان حراكاً تنويرياً وتربوياً واجتماعياً وسياسياً واسعاً من خلال النوادي التي أنشأها أو أسهم في إنشائها مثل النادي الأدبي العربي عام 1924 الذي كان لقمان أول سكرتير فخري له ونادي الإصلاح العربي في عدن عام 1930 الذي ترأسه (أما نادي الإصلاح في مدينة التواهي فقد أنشئ عام 1929 وكان أول رئيس له جدي السيد عبده غانم الذي ظل رئيسا له 17 عاما). وأنشأ لقمان مع لفيف من المثقفين عام 1938 مخيم أبي الطيب المتنبي والذي كانت اجتماعاته تعقد في مكتب لقمان في الاسبلانيد في مدينة كريتر في عدن وكان على كل عضو أن يقدم محاضرة في موضوع ما من حين إلى آخر وقد جمعت مجموعة من تلك المحاضرات في كتاب بعنوان (أقلام المخيم) ويمكننا أن نأخذ فكرة عن اهتمام ذلك الجيل من خلال عناوين هذه المحاضرات وأسماء كتّابها ومنها:1. تعدد الزوجات - محمد علي لقمان2. الكتاتيب في عدن - عبدالرحمن جرجرة3. الراديو وأثره في نشر اللغة العربية - عيدروس الحامد4. طرق الري في العراق - حسين علي بيومي5. الشباب في عدن - محسن حسن خليفة6. القات - عبدالرحيم لقمان7. المعلم - يوسف حسن السعيدي8. مشاكل الأمة - هاشم عبدالله9. الكشافة - حامد محمد الصافي10. الخمر - محمود شودري11. الإسلام والحضارة الإسلامية - جواد شيباني12. الاختزال - حمزة علي لقمان13. الحوات العدني - حسن بن حسن أغبري14. أبوالطيب المتنبي - الشاعر علي محمد لقمان15. كلمة عن الساحل الحضرمي - علي محمد العامري16. تجديد ذكرى أبي العلاء - حامدعبدالله خليفة17. الحياة الزوجية في عدن - عبدالرزاق فكري18. الغزل في شعر أبي الطيب - الشاعر أحمد حامد الجوهري19. نشدة مؤمن - محمود علي لقمانويمكننا أن نتصور المتاعب التي كان يتعرض لها لقمان في بعض جهوده الاجتماعية من خلال ما ذكر في مذكراته عن بدايات النادي الأدبي العربي عام حيث يقول (عقدنا اجتماعا السيد عبدالله علوي الجفري وأنا وشكلنا النادي الأدبي العربي وانضم إلى النادي أكثر من مائتي عضو... كانت الاستجابة مشجعة تماما في البداية ولكن الأحقاد الشخصية والتطلع إلى القيادة والرئاسة أدت إلى انقسام سريع بين الأعضاء...تضاءل عدد الأعضاء بعد أربع سنوات ولم يدفع أحد الاشتراكات ماعدا اثني عشر وأسهم اثنان بكرم شديد في المصروفات الدورية للنادي أحدهما الأمير أحمد فضل بن علي والآخر في حضرموت وهو السيد أبوبكر بن شيخ الكاف وبوصفي سكرتيرا فخريا للنادي أسهمت بانتظام في الكتابة إلى الصحف العربية والهندية... استقبل النادي كثيرا من القادة والمتعلمين العرب الذين قدموا إلى عدن ودعا الشخصيات الكبيرة ... قرر السلطان عبدالكريم سلطان لحج بشدة بأن انسحب من الانتخابات السنوية...وانتخب سكرتير جديد واستمررت في مساعدة النادي الذي على أية حال أصبح مبرزا لمضغ القات).[c1]لقمان والتأليف[/c]ومن خلال مؤلفاته الكثيرة وأولها رسالة بالإنجليزية بعنوان (هل هذه قصاصة ورق؟) نشرتها دار تايمز أوف إنديا بالهند وانتقد فيها الأوضاع التعليمية في عدن، فكان جزاؤه فصله من عمله في التعليم في عدن على رغم أنه نشر الكتاب تحت اسم مستعار . وفي عام 1932 نشر لقمان كتاباً بعنوان (بماذا تقدم الغربيون؟) وطبع الكتاب في القاهرة والمقدمة بقلم الأمير شكيب أرسلان . وفي عام 1940 نشر أول رواية في تاريخ اليمن بعنوان (سعيد)، وكان ينظم الشعر ويلقيه في النوادي ولكنه توقف عن كتابة الشعر بعد ظهور شعراء حقيقيين على الساحة أمثال علي أحمد باكثير الذي ربطته صداقة حميمة بلقمان وعبدالمجيد الأصنج ومحمد عبده غانم صهره وعلي محمد لقمان نجله الأكبروبعضهم كان ينشر قصائده المعاصرة في فتاة الجزيرة . وقد نشر لقمان عام 1947 ثاني رواية له مستوحاة من أحداث في الهند بعنوان كمالا ديفي. أما بقية كتبه فقد كانت سياسية أو تاريخية أو مذكرات أو أدب رحلات في الصومال والحبشة وأرض الظاهر وتبلغ نحو 18 مؤلفاً .وكان يكتب في عدد من الصحف العربية والهندية كما كان مراسلاً لعدد من الصحف العربية قبل أن ينشئ (فتاة الجزيرة) وأيدن كرونكل ومن تلك الصحف (الشورى) لمحمد علي الطاهر الفلسطيني و(الجهاد) القاهرية و(فتى العرب) الدمشقية، و(البلاغ) القاهرية و(الجمعية الإسلامية) في يافا، و(بومباي سنتينل) و(بومباي كرونيكل) في الهند.[c1]لقمان ورجال النهضة والتنوير[/c]وأنشأ لقمان علاقات مع رجال النهضة في زمنه ومنهم محمد علي الطاهر الذي كان يكتب في صحيفته، والأمير شكيب أرسلان الذي أشاد بلقمان في بعض مقالته ومقدمة كتاب لقمان (بماذا تقدم الغربيون) بقلمه ، ورجل التنوير التونسي عبدالعزيز الثعالبي الذي شجع لقمان على إنشاء النوادى الأدبية، ومحمد كرد علي، والزعيم المغربي عبدالكريم الخطابي والقائد العسكري العراقي جميل جمال، والزعيم الفلسطيني أمين الحسيني، والزعيم الهندي الأشهر المهاتما غاندي، كما تعرف لقمان في مرحلة لاحقة على الفيلسوف البريطاني برتراند رسل وحاوره . [c1]لقمان وغاندي[/c]أما محاولات لقمان للاتصال بغاندي فتعود إلى 1923 عندما حاول جاهدا زيارته في السجن في مدينة أحمد أباد في الهند ولكن قيل له إنه كان قد نقل إلى سجن في بونا. ويذكر لقمان كيف أنه في تنقلاته في الهند اضطر إلى بيع سترته لشراء تذكرة القطار. وقد سافر لقمان إلى بونا لزيارة غاندي في سجن بارودا وكان يعرف شخصا وعده بتسهيل الزيارة ولكن مرت أيام طويلة دون أن يتم ذلك واضطر لقمان إلى السفر. ولكن عام 1931 مر غاندي بعدن في طريقه لحوار الطاولة المستديرة بلندن فتمكن لقمان بجرأته المعهودة من الصعود إلى السفينة التي كانت تقل غاندي على الرغم من عدم سماح السلطات الاستعمارية لغاندي بالنزول ومراقبته والتقى لقمان غاندي ومعه شاعرة الهند ساروجيني نايدو التي لقبها غاندي بعندليب الهند. قدم لقمان نفسه بصفته رئيس نادي الإصلاح العربي وتحدث مع غاندي في شؤون السياسة والتحرر الوطني وقد خلا له الجو بعدم تجرؤ الآخرين على صعود السفينة، وكان غاندي من الذين نصحوه بدراسة القانون وإنشاء صحيفة لنشر الوعي والضغط على المستعمر البريطاني. ثم سمحت السلطات لغاندي بالنزول من الباخرة ورافق لقمان غاندي إلى حديقة الفارسي والحشود من الهنود تهتف والقى غاندي كلمة فيهم وامتدح فيها الرسول صلى الله عليه وسلم وطلب من الفرس في عدن الامتناع عن بيع الخمور وتحدث عن رحلته للمفاوضات إلى لندن للمطالبة باستقلال الهند وكان لقمان يترجم الخطبة بطلب من غاندي، كما نشر لقمان خبر الزيارة في صحيفة فتى العرب الدمشقية. وعند عودة غاندي من لندن استقبله الكولونيل رايلي مساعد الحاكم المقيم فسأله غاندي: (أين صديقي لقمان؟) كما علم لقمان من رايلي فيما بعد. وقد أخبرتني والدتي أن والدها لقمان أخذها معه عندما كانت طفلة في زيارة لغاندي لعدن، وقد تحدث معها. ويذكر لقمان أنه تعرف عام 1936 على عبدالله ابن غاندي الذي اعتنق الإسلام وكان قبل ذلك سكيراً.[c1]لقمان ورجالات اليمن[/c]وقد ربطت لقمان علاقة متينة ببعض مفكري وزعماء اليمن أمثال القاضي الشاعر محمد محمود الزبيري، والشيخ أحمد محمد نعمان، والشاعر أحمد محمد الشامي، والشاعر زيد الموشكي والأمير سيف الحق إبراهيم والرئيس السلال والرئيس الإرياني، والقاضي محمد الحجري، وأخيه القاضي عبدالله الحجري الذي أصبح رئيسا لوزراء اليمن واغتيل في لندن، والإمام عبدالله الوزير الذي أعدمه الإمام أحمد، وحسين الحوثي، ومحمد أحمد باشا، ومحمد زبارة ، والأمير محمد البدر الذي صار فيما بعد آخر أئمة اليمن. كما كان لقمان على معرفة شخصية بالإمام أحمد بن يحيى حميد الدين أثناء زيارته لعدن عام 1946 كولي للعهد وهو الذي حقد على لقمان لأنه فتح صدر صحيفته “فتاة الجزيرة” للأحرار، فحاول تفجير مبنى الصحيفة. وكان الإمام يحيى قبل ذلك بسنوات قد عرض على لقمان منصبا رفيعا ولكنه آثر البقاء في وظيفته كمدير لدى أنطوني البس. كماعرض السلطان القعيطي سلطان حضرموت منصبا وزاريا على لقمان ولكن ذلك لم يتحقق. وقد درب لقمان الشيخ نعمان على الصحافة في مبنى فتاة الجزيرة حتى أنشأ الأحرار صحيفة (صوت اليمن) التي كان يشرف عليها الأمير سيف الحق إبراهيم بن يحيى حميد الدين أخو الإمام أحمد، وكان يحررها الشيخ نعمان والقاضي الزبيري. (وكنت أنا في عام 1958 أذهب إلى نفس المكتب لأنقل قصائد والدي التي ظهرت في ديوانه (موج وصخر) من أعداد صحيفة فتاة الجزيرة وأنا طالب في الثانوية وأجلس على طاولة صغيرة بينما كان يجلس أمامي لقمان على مكتبه منهمكا في عمله). وعند قيام ثورة 1948 في شمال اليمن رافق سيف الحق إبراهيم إلى صنعاء، وقام بكتابة مسودة دستور الحكومة اليمنية الجديدة، وتحدث من إذاعة صنعاء مخاطباً ولي العهد أحمد بن يحيى حميد الدين مطالباً إياه بعدم محاربة الثورة، بل بالانضمام إليها . وقد غادر لقمان صنعاء في آخر طائرة غادرت صنعاء قبيل فشل الثورة بيوم أو يومين فنجا من موت محتم تحت سيف جلاد الإمام أحمد . وكان لقمان صديقاً بل وربما قائداً لرجال التنوير في عدن والجنوب أمثال محمد سالم بيحاني، وأحمد العبادي وأحمد سعيد الأصنج، وأخيه عبدالمجيد الأصنج وعلي أحمد باكثير، ومحمد عبده غانم، ومحمد سعيد جرادة الذي قال في رثائه:[c1]صنعاء تشهد أن الثورة انطلقتعلى يديك انطلاق السيل في الوادينصرتها أنت والأقدام راجفةوالخوف يلقي أكفا فوق أكبادحرية الشعب أسمى ما هتفت بهفي حاضر من بلاد العرب أو بادمؤلفاتك في الإصلاح ما برحتلسان صدق وعدل بين أشهادلا يبعدن أبو الأحرار إن لهصوتا كما كان حيا يملأ النادي[/c]وبعد استقلال الجنوب تنكر الحكام الشموليون للقمان ولمعظم الأحرار الذين قادوا حركة التنوير، فأزالوا اسم لقمان من على الشارع الرئيسي الذي كان يحمل اسمه، (وقبل ذلك كان يحمل اسم الاسبلانيد ثم شارع الصحافة)، ولكن في نوفمبر/ تشرين الثاني 2006 أقيمت ندوة حافلة في جامعة عدن تحت عنوان “محمد علي لقمان رائد حركة التنوير في اليمن”، وأعيد الاعتبار لهذا الرمز الوطني وأعيد تسمية الشارع باسمه بقرار رئاسي، كما سميت القاعة الرئيسية في جامعة عدن باسمه . وكان الشخص “الداينمو” في إعادة نشر معظم مؤلفات لقمان التي عُثر عليها وأيضاً جمع مذكراته، وجمع افتتاحياته لأعداد “فتاة الجزيرة” في مجلدات عديدة الدكتور الشاعر أحمد علي الهمداني، الذي لعب أيضاً دوراً بارزاً في الندوة المذكورة أعلاه والتي حضرها كبار رجال الدولة أمثال عبدالعزيز عبدالغني وأ. د. عبدالوهاب راوح، وتحدث فيها ضمن من تحدث ولدا لقمان الصحافي فاروق محمد علي لقمان، والمهندس ماهر محمد علي لقمان الذي دعم نشر مؤلفات والده مادياً. وكان الدكتور الهمداني قد أكرمني بدعوتي لأسهم بكلمة عن جدي لقمان رحمه الله والذي كانت تربطني به معرفة قوية بل صداقة حقيقية، ولكن المرض أعجزني في منتصف الرحلة من الإمارات وأنا في مطار صنعاء في اللحظة الأخيرة . ويذكر للدكتور الهمداني نائب رئيس جامعة عدن لشؤون الدراسات العليا والبحث العلمي أنه أيضاً أعاد نشر دواوين خالي الشاعر علي محمد لقمان ومسرحياته الشعرية في مجلدين تحت مسمى الأعمال الشعرية الكاملة.
أخبار متعلقة