كمال محمود علي اليمانيمنذ زمن غير بعيد بدأت التعرف على بعض من وجوه الأدب والثقافة السعودية ،فكان أن قرأت للقاص عبده خال ثم عرجت على بعض من كتابات القاص والصحافي البديع في الصحافة والقصة محمد صادق دياب ، وفي عالم الشعر أعجبتني كثيرا قصائد للشاعر علي الدميني وكذا الشاعر المتألق محمد الثبيتي ، وأعجبني في مجال البحوث النقدية الرصينة ماقرأته للكاتب المفكر د. عبدا لله الغذامي ، وهو وإن كنت أختلف معه في بعض رؤاه ، إلا أنه رجل له ثقافته الواسعة وأفقه الفكري الذي لايعرف للضيق معنى .وقرأت في صحافتنا اليمنية وبالذات في صحيفتي الرابع عشر من أكتوبر وكذا الأيام عددا من مقالات جادت بها قريحة الصحافي السعودي الأسمر أحمد المهندس ، ولقد فاجأني صديقي المثقف أنيس رفيق بأن حمل إلي عددا من مؤلفات المهندس مهداة منه إلي ، وكانت إضمامة جميلة من إبداعاته الصحفية والقصصية والحق ، أن هذه هي المرة الأولى التي يتكشف لي فيها وجه إبداعي آخر لأخينا المهندس فقد شملت الباقة المهداة إلي مجموعتين قصصيتين ، الأولى بعنوان ساحة الذكريات صدرت طبعتها الأولى في عام 1988م ،والثانية حملت عنوان .. ((العيد في الديرة ))..وهي مجموعة فازت بالجائزة الثالثة في مسابقة ملتقى أبها القصصية وصدرت طبعتها الأولى في العام 2006م ، أي أنها قد صدرت متأخرة عن فوزها بنحو عشر سنوات ، وهي بذلك كأختها (( ساحة الذكريات )) تظهر لك المستوى الأدبي والتقني في كتابة القصة القصيرة اللذين وصل إليهما أحمد المهندس في ما يتراوح بين العقد والنصف والعقدين ، وهما وإن كانتا قد حملتا فيما بين دفتيهما كتابات قصصية جميلة في معظمها من حيث المواضيع الإجتماعية والإنسانية التي تناولتها ، وكذا من حيث جماليات الصور والمعالجات الفنية التي تبدت هنا أو هناك ، إلا أنهما لايمكن أن تكونا سبيلا للناقد يعرف من خلاله ما آل إليه المهندس في تجربته القصصية ، فمما لاشك فيه أن السنوات الطويلة التي مرت منذ ذلك التاريخ حتى سنتنا العاشرة من القرن الحادي للعشرين ، لابد لها ,أن تكون قد تركت أثرها في تجربته القصصية ، وعلى العموم فلست من أهل النقد المتخصصين ، وحسبي أنني أضع أمامكم رأياً إنطباعيا يعتمد على الذائقة ، ولايتكىء على نظريات أدبية يعرفها الراسخون في علم النقد الأدبي ،وأجهلها أنا .وكانت الباقة تحوي عددا من الكتب لعل أهمها بالنسبة لي وإن كانت كلها مهمة،كتاب ( من جدة إلى صيرة ) وهو أحدث كتبه وقد صدر في العام المنصرم ، وكتاب آخر اسمه (( على الحسيني سلام )) وقد صدر في العام 1997م، وإن نسيت فلن أنسى كتاب (( عنتر زمانه )) الصادر في العام 2006م ، وهي كتب تنبيك عن سعة ثقافة المهندس الفنية العربية عموما ،واليمنية بشكل خاص.إذ تتجلى لك هذه الثقافة في ذلك الكم الهائل من المعلومات الفنية المتعلقة بالشخوص والأحداث والمناسبات بدرجة مذهلة ، لا أبالغ إذا قلت أنها قلما تتوفر في أهل النقد الفني في يمننا السعيد ، فهو موسوعي في ثقافته الفنية بحيث يجبرك على تذكر شخصيات وأسماء فنية عملاقة كانت تعيش بيننا ثم غادرتنا إلى عالم الشهادةكالإخوة شكيب عوض وعبدالقادر خضر ، وأنا هنا لا أحصر ، ولكنني أضرب أمثلة ، فلا ينبري أحدهم ليسمني بالجهالة إذا اغفلت إسم هذا من الكبار أو ذاك ، ولعل أمثال المهندس في ظل غياب الكبار يكاد يكون معدوما ، إنه رجل يعرف أدق التفاصيل التي لا تتأتى إلا لمن كان على دراية وصلة لصيقة بفنانينا ، وهي خلة تحسب له وهو السعودي المولد والنشأة وتدل دلالة لاتقبل الشك أنه قد نذر وقته للتعرف على الحياة الفنية اليمنية بجوانبها المتعددة مما مكّنه من الخوض في دهاليزها وقد أنيرت من حوله دروبها بما تجمع في يديه من حصيلة فريدة لاتكاد تتجمع لغيره من أهل البلد .وهذا هو أول إنطباع يتجلى للقارئ حال انتهائه من قراءة ما ضمته كتبه الفنية ، أما الإنطباع الآخر الذي يشّكل الوجه الآخر والمكمل للقاص والصحافي الفني _ إن جاز التعبير والحصر _ فهو روح المشاكسة التي تسكنه ،ولا أدل عليها من عنوان كتابه الموسوم ب (( عنتر زمانه )) وقد ظهر في الغلاف رسم كاريكاتوري لصاحبنا المهندس وقد إستل قلمه يبارز به كل من تسول له نفسه أن يخرج عن جادة الحق كما يراها ، وهي مشاكسة أجدها لذيذة لشد ما نتوق لمثلها في عالم الصحافة والفن والأدب ، وتمتاز مشاكسته بأنها مشاكسة واعية تستند إلى ذلكم الكم الهائل من المعلومات التي حدثتكم عنه سلفا ، وتبدو سافرة في صراحة متناهية قد توجع وتذكي الألم في نفس هذا أو ذاك ، لكنها المشرط الذي يستأصل الداء الخبيث في جسد الصحافة والفن والأدب ، وأتذكر فيما أتـذكر أن الكاتبة عبله الرويني ، وأرجو أن لاتكون الذاكرة قد خانتني في ذكر اسمها ،وهي أرملة الشاعر الكبير الراحل أمل دنقل ، قد ذكرت فيما ذكرت من حبه للشعر وكراهيته للأدعياء والدخلاء ، أنه كان إذا وقف أحدهم على المنصة يتلو شيئا مما يدعيه وكان مما لايشبه الشعر في شيء ، ولا يمت إليه بصلة ،هب إله أمل دنقل وأنزله بالقوة من المنصة التي كان يعتليها ، وهو عين مايفعله المهندس في كتاباته ، وإن كان يستخدم قلمه لا يده . يؤخذ عليه أنه يشتط أحيانا فيشطح في نقده ويسرف فيتعدى حد ماتعارف عليه الناقدون ، لعلها الحماسة تأخذه مأخذا بعيداً في بعض الأحايين فينتصر للحق ، ويذهب في انتصاره له مذهباً جامحا بعض الشيء.وفي كل الأحوال تظل الساحة الفنية والأدبية بحاجة إلى أشباهه في مشاكستهم وصراحتهم كي تستقيم أمور كثيرة ، وكي لايصح إلا الصحيح ـ ويذهب الزبد جفاء ويبقى ماينفع الناس ، فقد استمرأ الكثيرون النفاق والمجاملة ، حتى غدت داء ً عضالاً ينخر في جسد فننا وثقافتنا .شكرا للصديق المثقف أنيس رفيق أن عرفني بكتابات القاص والصحافي الاسمر أحمد المهندس ، وشكراً للمهندس مرة ً أولى أن أتحف المكتبة اليمنية والعربية بهذا القدر من الكتب ، وإن كان قد أصدر عددا آخر من الكتب غيرها ،ومازالت له كتب أخرى تحت الطبع ، وشكراً له مرة أخرى أن خصني بإهدائه إلي بعضا من هذه الكتب.