أضواء
مازلت لا أدري ما السبب الخفي لظهور هذه الفتوى الغريبة التي تناقلتها أخبار الصحف هنا وهناك، وما الفائدة التي نتوقعها كمجتمع من إصدارها؟ بينما نعاني من مشكلات اجتماعية عدة، منها ضعف روابط بعض الزيجات التي ظهرت أخيراً، والتي ترجع إلى أن الأسس التي قامت عليها مثل تلك الزيجات لم تكن متينة، مبنية على التفاهم والتقارب!ربما مسلسل مهند ونور أشعل بعض الحرائق التي كانت خامدة، إذ بسببه طلق زوج زوجته لأنها عبّرت عن رأيها وأعلنت شوقها لمعاملة طيبة وراقية تشبه «بطلي المسلسل الشهير»، فقد فؤجئت الزوجة بالزوج عوضاً عن أن يحاول فهم رغبتها البريئة يطلقها سريعاً ويهدم بيته، بينما أن بعض الأزواج لا يجدون غضاضة في التعبير عن رغباتهم، وربما نزواتهم بصورة فظة ومهينة سواء أمام الزوجة أو في غيابها!وإذا كنا نعاني تدخلات فعلية من الأهالي عرقلت تطوير الأزواج لعلاقاتهم بجهودهم الخاصة، والتدخلات تتم دائماً تحت مبررات تضغط على عواطف الزوجين مثل «العشم» وطاعة الوالدين والرغبة في التوجيه، والتدخل في شؤون الزوجين الجديدين هو في الحقيقة أسلوب وصاية أفرز الكثير من المشكلات الاجتماعية التي تنتهي غالباً بالطلاق وتشريد الأطفال، لأن أم الزوجة لا تعرف حدوداً لتدخلاتها في حياة ابنتها الزوجية، ولأن الابنة لا تستطيع إبلاغها برغبتها في خوض تجربتها الزوجية بنفسها، خوفا ًمن أن تلويح لها أمها بسيف «غضب الأم»!ولأن الزوج من جانبه محكوم بالتزام صورة نمطية لفهم عقيم لمعنى الرجولة، وهو ما يطالبه به أهله مع زوجته فور بدء حياتهما الزوجية... وربما الحادثة الأخيرة التي قام به أحد الأزواج حرفياً بعد أن طلبت منه والدته أن يكون رجلاً بدءاً من يوم الزفاف، فقام بضرب زوجته حتى وصلت إلى العناية المركزة، فعل ذلك حرصاً منه على عدم اهتزاز صورته عند والدته، فتتهمه بالضعف ونقصان الرجولة!إن الزواج ليس معركة ننتظر من ينتصر فيها لتكون له الهيبة والكلمة النهائية في الأسرة،فإذا كان كل ما تقدم من مشكلات في زواج شخصين بالغين راشدين، فماذا نتوقع من زواج الرضيعة من مشكلات؟لا أعلم ما الفائدة المرجوة من تزويج الصغيرات أو الدعوة إليه؟ فإذا كان الزواج عرضاً وقبولاً فأين حق الصغيرة في تقرير مصيرها؟سمعنا من احد الأفاضل تبرير زواج الرضيعات بقوله: «إن وليها ربما يكون مسافراً أو مريضاً يخشى الرحيل عن الدنيا ولديه رضيعة يريد أن يطمئن عليها في عصمة رجل!»، والسؤال رداً على هذا التبرير هو: أين والدتها وهي الأحق بحضانتها وبرضاعتها وتربيتها؟ وأين حق الصغيرة في الأمان النفسي الذي لن يتأتى بوجودها في منزل رجل كانت تدعوه منذ شهورها الأولى بـ«بابا» والذي تحول فجأة ليصبح زوجاً!أما حجة أن الطفلة بإمكانها أن تستمر في العقد أو تفسخ، فكلنا يعلم أن النساء كبيرات السن يعجزن في معظم الحالات عن ذلك، فكيف بالصغيرة؟[c1]* صحيفة (الحياة) اللندنية[/c]