مع الأحداث
في أعقاب إعلان الرئيس الأميركي جورج بوش انتهاء العمليات العسكرية في العراق من على ظهر حاملة طائرات، سلم الكثيرون بأن المعركة انتهت، وبأن العراق سقط في أيدي قوات التحالف، لكن ما لبث أن اتضح عدم صدقية هذا الإعلان، ولا يزال العراق يئن حتى الآن، عله يلمس ما سمعه منذ ذلك الوقت.لكن ما الذي حدث؟ فعلياً كانت الحرب بالمفهوم العسكري قد حُسمت، لكن ذلك الحسم فتح بوابة جديدة لحرب من نوع آخر، لم تكن في الحسبان الأميركي، كان عنوانها الأبرز هو «الطائفية». هنا فقط وجدت القاعدة بيئة مناسبة تنشط فيها، وبدأت الفتنة.اليوم، وما أشبهه بالبارحة، فبدلاً من أن تستيقظ بيروت على صوت العصافير كعادتها، حلت أصوات طلقات الرصاص بديلاً عنها، فيما عمّت شوارعها الفوضى، وقطعت أوصالها عبر اجتياح مسلح ومنظم، لم يترك مجالاً للعقل، ليستدرك ماذا يحصل. القضية تكمن في أن ذلك ليس كل شيء، وأي حلول يتم التوصل لها، لن تكون البلسم الذي يشفي الجراح التي تعرضت لها بيروت.فعاليات دينية وأخرى سياسية صرحت علانية بأن الانقلاب الذي حصل في لبنان، وهدف إلى فرض سياسة الأمر الواقع، أفرز فتنة طائفية. قد لا يكون حديث من أدلى بدلوه حول الفتنة الطائفية في لبنان يخيف السيد حسن نصر الله، مثلما صرح قبل الشروع في الانقلاب. لكن ما لا يخيفه، لا يعني انه مُصيب. ففي جملة عابرة وردت على لسان الرئيس اللبناني الأسبق أمين الجميل في اليوم الأول من الانقلاب، بُثت من باريس، ذكر أن هناك عناصر من القاعدة دخلت إلى الأراضي اللبنانية، قادمة من المغرب. فهل يجب ألا يُخيفنا ذلك؟ للإجابة عن هذا السؤال، لا بد من القول إن وجود القاعدة في لبنان كتنظيم قائم، هو غير موجود بالمعنى الحرفي. فلا يوجد هناك هيكل تنظيمي يمكن تحميله هذه الصفة، لكن على الجانب الآخر، المناخ اليوم مهيأ لتأسيس ذلك الهيكل أكثر من أي وقت مضى. فالأفكار العقائدية، وأصحاب التجارب متوافرون، إذ يُقدر عدد من توجه من لبنان لـ «الجهاد» في العراق بأكثر من 100 مقاتل بحسب المراقبين، ولا يعني ذهابهم إلى العراق آنذاك أنهم منتسبون للقاعدة، لكن عودة من تبقى منهم تؤكد بأنهم من أبناء التنظيم، ويدعم هذه الفكرة اعتقال القوى الأمنية في لبنان شبكة أصولية، تضم 13 فرداً من جنسيات مختلفة بينهم لبنانيون، مطلع العام 2006 بحسب ما تم إعلانه آنذاك. وبخلاف الكوادر، فإن الأرضية موجودة، فالانقلاب أوضح تفكك الحال الأمنية في البلاد، وعلاوة على ذلك كله، الاحتقان الطائفي في ذروته، إذ يشعر أبناء الطائفة السُنية بأن اعتداء أفراد حزب الله على أحيائهم إنما هو عمل موجه، الغرض منه كسر العظم، سواء لقادتهم المُعتدلين المتمثلين بسعد الحريري، أو النيل من مقدراتهم، والتهجم على بعض دور الإفتاء، والتقليل من قيمة علمائهم، بخلاف الصدام المسلح. إذاً، ومثلما قال أحد الزملاء، فكل العناصر متوافرة اليوم في لبنان لإطلاق يد «القاعدة» فيها، فهناك المقادير والخميرة والخلاط، ولم يتبق سوى الطباخ فقط، الذي تفتقده «القاعدة» للانطلاق في عمل منظم. إن تلك الإشارات والمعطيات تعد نُذر حرب طائفية، ستكون أشد شراسة من أي حرب أخرى مرت على لبنان أو على المنطقة. فإذا ما عملت يد «القاعدة» في لبنان، فإنها ستحرق الأخضر واليابس، ولن تكتفي فقط بشوارع بيروت أو الجنوب، بل قد تشتعل حتى في دول الجوار مثل سورية، أليست هي صاحبة اليد الطولى في لبنان مثلما بشرتنا في وقت سابق؟.[c1]* “الحياة” الطبعة السعودية[/c]