احمد الحبيشي تصدرت الصفحة الأولى من العدد الصادر يوم الخميس الماضي لصحيفة "الصحوة" الناطقة بلسان حزب التجمع اليمني للإصلاح تصريحات ساخنة لبعض قيادات أحزاب المعارضة المنضوية في "اللقاء المشترك" عبّرت عن مواقف احتجاجية ضد قيام اللجنة العليا للانتخابات بالتنسيق مع وزارة الخدمة المدنية بإعلان أسماء أعضاء اللجان الانتخابية الفرعية في المحافظات والمديريات، حيث تمّ إشراك آلاف المواطنين والمواطنات من طالبي الوظائف المقيدين في سجلات وزارة الخدمة المدنية ومكاتبها في المحافظات. الحق أقول إنّ تصريح الأستاذ محمد قحطان مسؤول الدائرة السياسية للتجمع اليمني للإصلاح كان الأكثر اتزاناً واعتدالاً حيث أبدى قحطان احتجاجاً على إشراك المواطنين (من خارج الأحزاب السياسية) في اللجان الانتخابية، لكنّه لم يقدّم حججاً قانونية تدعم موقفه الاحتجاجي، ولعل ذلك يفسر قوله إنّ أحزاب " اللقاء المشترك " ستقدم بلاغاً إلى الرأي العام وليس للقضاء ، بمعنى أنّ احتجاجها سياسي بامتياز وغير قانوني. والحال أنّ أحزاب المعارضة أراقت كثيراً من مداد البيانات والمقالات في صحفها ومواقعها الأليكترونية ، وأهدرت كثيراً من الوقت في الحديث حول ضرورة نزاهة العملية الانتخابية وحياد واستقلالية اللجنة العليا للانتخابات التي ينيط الدستور والقانون بها مهام الإدارة والإعداد والإشراف والرقابة على إجراء الانتخابات العامة والاستفتاء العام. تحتج أحزاب "اللقاء المشترك" على إشراك المواطنين من خارج الأحزاب في عضوية لجان الانتخابات الفرعية، وترى هذه الأحزاب أنّ تمثيل الأحزاب السياسية ضروري لضمان حيادية هذه اللجان ، ولذلك فإنّ أحزاب " اللقاء المشترك" ترى في تمثيلها ضمن عضوية اللجنة العليا ولجانها الفرعية في المحافظات والمديريات والمراكز ضماناً إضافياً لمنع وقوع أي عضو من أعضاء اللجان الانتخابية الفرعية تحت طائلة الخوف من الفصل إن ه التزم بالحياد والاستقلالية. من جانبها تعترض اللجنة العليا للانتخابات على مطالب أحزاب " اللقاء المشترك " انطلاقاً من أنّ الدستور والقانون لا يشترطان مشاركة الأحزاب السياسية فيها بل يشترطان استقلاليتها عن الأحزاب، حيث تؤدي مشاركة الأحزاب السياسية في اللجان إلى مصادرة استقلاليتها وحياديتها، واضعاف وحدتها وفاعليتها وفتح أبواب التدخل في توجيه عملها للأحزاب من خارجها، لأنّ ولاء أعضاء اللجان سيكون لأحزابهم وليس للجان الفرعية التي يعتبر وجودهم فيها مؤقتاً. لا يجوز الاستهانة أيضاً بالرأي الآخر الذي يخالف وجهة نظر أحزاب " اللقاء المشترك " بهذا الصدد، حيث تطرح اللجنة العليا للانتخابات وكثير من منظمات المجتمع المدني أنّ تمثيل الأحزاب السياسية في اللجان الانتخابية الفرعية ينطوي على نوعٍ من الفساد الذي يسيئ إلى سمعة الأحزاب السياسية خصوصاً أحزاب المعارضة التي يتهمها البعض، بتوزيع حصصها في اللجان الفرعية على الأقارب والمحاسيب من خارج تلك الأحزاب. والأخطر من ذلك، فإنّ ثمة انتقادات تشير إلى أنّ أحزاب المعارضة التي تشدد على ضرورة مشاركتها في اللجان الفرعية تكون مكشوفة وعارية تماماً في معظم الدوائر الانتخابية نتيجة ضعف قاعدتها أو عدم وجود قاعدةٍ لها نهائياً، فتلجأ إلى المغالطة وفي أحسن الأحوال تقوم باستعارة قوائم وفيرة من البشر فيما بينها لإشغال الحصص الكبيرة المقرر لها.. وفي حالات كثيرة يتم اللجوء إلى أساليب غير قانونية لمعالجة العجز عن إشغال الحصص المقررة لها في آلاف اللجان الفرعية المترامية على طول وعرض الجمهورية. يمكن القول إنّ التشكيك بنزاهة الانتخابات وعدم حيادية الجهاز التنفيذي المعني بتنظيم وإدارة الانتخابات وتوجيه الاتهامات الفورية بتزوير نتائج الانتخابات تكاد تكون سمة رئيسية لمواقف القوى السياسية التي تفشل نهائياً في الوصول إلى المؤسسات التمثيلية أو تحقق نتائج متواضعة لا تساعد هذه القوى على الحضور الفاعل في السلطة التنفيذية اوالتشريعية أو الهيئات التمثيلية المنتخبة. مما له دلالة عميقة أنّ هذه الظاهرة التي تبرز على السطح أثناء التحضير للانتخابات وبعد إعلان نتائجها ليست حكراً على اليمن فقط بل تكاد تكون ظاهرة عامة وملازمة لكل الانتخابات في البلدان العربية والنامية عموماً، بل إننا في اليمن تميزنا عن غيرنا من البلدان الأخرى في أنّ الأحزاب السياسية اعتادت الطعن في نزاهة الانتخابات برغم مشاركتها في عضوية اللجنة العليا للانتخابات ولجانها الفرعية من عام 1993م وحتى الآن، وسوف تواصل الطعن أيضاً برغم وجودها في اللجنة العليا للانتخابات ، وإحلال مواطنين من خارج الأحزاب السياسية في اللجان الانتخابية الفرعية !!. لا أبالغ حين أقول إنّ نزاهة الانتخابات لا تتحقق من خلال ضمان مشاركة أو عدم مشاركة الأحزاب السياسية في قيادة الجهاز التنفيذي المختص بمهام الإعداد والإدارة والإشراف على الانتخابات، بل من خلال رقابة وطنية فعّالة على العملية الانتخابية تمارسها منظمات المجتمع المدني في بيئة سياسية واجتماعية مفعمة بالحيوية ، متعافية من الإحباط ، مصممة على التغيير ، وواثقة من سيادة قوة القانون ، بصرف النظر عن الجهاز الذي يقوم بتنظيم الانتخابات. ولا ريب في أنّه لا يمكن معالجة الاختلالات في أية عملية انتخابية بواسطة التوازنات السياسية في قيادة هذه العملية ، لأنّ الخطر على الديمقراطية يأتي دائماً من التوازنات التي لا تخلو من مساومات تتحول في وقتٍ لاحقٍ إلى ألغام قابلة للانفجار عند ظهور أي خللٍ غير محسوب. صحيح أنّ الاختلالات التي ترافق عمل ونشاط الجهاز المختص بتنظيم وإدارة الانتخابات تلحق تشوّهاتٍ في وسائل ووظائف العملية الانتخابية، بيد أنّ هذه الاختلالات تغدو ثانوية إذ تتحول من اختلالات في الوسائل والوظائف إلى تشوّهات في مخرجاتها التي تصيب كل اللاعبين من دون استثناء والمقصود هنا الأحزاب السياسية. المطلوب في وضع كهذا هو تشخيص آثار هذه المخرجات على البيئة السياسية والاجتماعية للديمقراطية بهدف معافاتها ليس فقط من جرثومة المرض ، بل ومن المرضى الذين اصيبوا به. هذا التشخيص ضروري جداً لمعرفة نوع ودائرة انتشار هذا المرض ، وهو ما يستلزم إخضاع المريض للكشف والمراقبة على يد فريق من الأصحاء الممتلئين بالحيوية والقدرة على الإنجاز. تأسيساً على ما تقدم يمكن القول إنّ مصاعب ومشاكل الديمقراطية في بلادنا لا يمكن معالجتها بمجرد إشراك الأحزاب في عضوية اللجان الانتخابية الفرعية ، بقدر ما تتوقف على ضرورة الاعتراف بتقصير الأحزاب السياسية من دون استثناء عن إخضاع طرائق عملها للنقد والتقويم، وصولاً إلى تحويل وظائف كل من السلطة والمعارضة إلى تنويعات متفاعلة ومتكاملة في سياق مشروع وطني ديمقراطي كبير.
في الطريق إلى الانتخابات
أخبار متعلقة