قصة قصيرة
أمل حزام المذحجيطفلة صغيرة ولدت بين أنقاض الخطيئة.. رغم وجود ورقة الزواج الشرعية فإنها تصارع للبقاء بين عتبات ولادتها أمس وظهورها اليوم ومستقبلها المجهول، تنظر إلى والدايها بكل شغف الحياة ولهفة الصغير للوصول إلى قطعة الشكولاتة للتمتع بمضغها والنوم بسعادة في حضن أمها الحنون وتحت رعاية أبيها الرائع.ولكن هل سيتوقف الزمان لتبقى هذه الذكرى طويلة المدى لتكون السعادة ينبوعاً لا تجف فيه المياه؟بدأ الجفاف حينها ودق الباب وحش الطلاق لأرى طوفان العذاب يهاجم بيتنا، لينشر سم الفراق والصراخ بين أفراد العائلة، فاقتربت أحاول إيجاد الحلول بعقلي الصغير هنيهة من أمي وهنيهة من أبي. نزلت أمطار غزيرة من أعين أمي مملوحة بطعم الحزن تمنع عنها الرؤية فلا تراني بالرغم من أنها تحتضنني من رهبة الموقف والشعور بالخوف وقد تحول حضنها الدافئ إلى معصرة من البكاء تعصر معها قلبي الصغير وتجعلني أقف على هاوية السقوط بلا أمل.خطفت نظرة إلى أبي وإذا بملامح وجهه قد بدأت بالتحول إلى وحش مخيف ارتفع صراخه إلى قمم الجبال حاملا معه أكواما من الحجارة الغاضبة تتساقط على رأسي وبالرغم من خوفي الشديد رأيت خلف هذا الجدار قلباً مكسوراً خفت فقدانه فجريت إليه طالبة منه حمايتي ونسي ثورته وحملني بين يديه ونظرات اليأس تملأ عينيه الحزينتين.تضاربت الأفكار في حرب قاسية تحاول إجباري على الاستسلام والهروب الى حجرة الظلام لاختفي فيها الى الابد تاركة كل احلامي تتكسر خلفي دون رجوع. لكن المعركة لم تنته بل كانت هذه بداية الاندلاع وهي تهاجم جسمي النحيل.. أفقت من نومي لأسمع أمي تناديني بصرخة حمامة مذبوحة في ساحة البوساء حيث لا وجود للرحمة فهرعت إليها ثم سمعت أبي ينادي باسمي بصوت عجيب فرجعت إلى حضن أبي مرة أخرى حتى خارت قواي وأنا اجري بينهما فتوقفت وسط الطريق انظر إليهما وقد أصبحت مجرد ظل مخفي يتلاشى في ظل الأنانية وذهبت ابحث في عقلي الصغير عن مخرج يرشدني إلى طريق الصواب.. هكذا كبرت وترعرعت في ظل ظروف قاسية وصعبة فأصبح الخوف رفيقي الدائم والهلع مجرى دمي والقلق نبضات قلبي المؤلمة والندم ذروة مشاعري فغزت حياتي كتلة من الآلام تسير معي على أطراف أصابعي رغما عني البس قناعاً يخفيني عن أنظار الناس بل كنت أتوق للبقاء في الظل دائما وحيدة. كان هناك سؤال يتردد دائماً في خاطري:من أنت؟ وما هو ذنبك؟وأصبحت دموعي سلاحي الوحيد في التعبير عن مشاعري إلى أن أفقت يوما من غيبوبتي وأنا أتحمل أعباء تفوق حجمي وعمري ووجدت ان القدر لم يحكم علي بالفشل بل إن شبح الماضي ما زال يطاردني بسبب كلمة اخترقت كياني ( الطلاق) لأصبح ورقة مهملة في سلة التقاليد تلعب بها الرياح وتشير إصبع الاتهام في اتجاهما. فتسلقتني المسؤولية في لحظة لم أدركها بعد ورمت نفسها على صدري الصغير منذ زمن حتى خارت قواي وقررت الاعتراف بضعفي وإيجاد خليل يساندني.توضحت لدي الرؤية اليوم وأنا ارجع إلى ماضي أمس لأرى نفسي مجرد مخلوق صغير ناتج عن علاقة زوجية فاشلة بالرغم من محاولاتي العديدة لخوض صراعات كنت في غنى عنها بعد ذلك، فانا مازلت في بداية رحلتي على متن قطاري و طفلة صغيرة مجروحة تنتظرني تحاول كسر قيود الوحدة المميتة شاعرة بالذنب .. لربما ولادتها هي سبب المشكلة تجلس في غرفتها المظلمة تنتظر والديها لإدخال السعادة والأمان إلى قلبها المسكين، لتستطيع المضي قدما في حياتها.نظرت إليها وهي تبكي بحرقة في سرداب أمس بدموع حائرة لا تعرف ما ينتظرها من مستقبل دون وجود بيتها القديم. أين هي الفرحة والسعادة أين ذهبت؟اقتربت وأخذتها من يديها الصغيرتين ومسحت دموعها الحزينة وحملتها بين يدي وغنيت لها أغنية المحبة والوفاء حتى نامت وهدأت.همست في أذنيها: صغيرتي لن تقلقي بعد اليوم سأخرجك من هذا الماضي التعيس، فتلاشت في داخلي وهي تبتسم لي وهي تقول كنت انتظرك حبيبتي.ذرفت دمعة وأنا استرجع ذكرياتي المريرة وكانت هذه الأخيرة واستيقظت في محكمة ذكورية يحاول فيها أخي زجي مرة أخرى إلى سجن الصمت. وصرخت في وجهه لأرى الهلع في عينيه وهو يبتعد عن طريقي وأنا أدافع عن حق وجودي في محكمة تحاول إنكار وجودي.