أزمة الثقة في العملة الأمريكية مازالت قائمة
القاهرة/14اكتوبر/ وكالة الصحافة العربية: على الرغم من التحسن الذي أحرزه الدولار في الآونة الأخيرة في أدائه في الأسواق الدولية ،إلا أن أزمة الثقة في العملة الأمريكية مازالت قائمة .. هذا ما تؤكده التوقعات التي خرج بها بنك “ستاندرد تشارترد” منذ أيام قلائل من نتائج الدراسات الاقتصادية التي قام بها المحللون خلال عرض أقامه لعملائه الأسبوع الماضي في برج العرب في دبي ، وخلصت الدراسات إلى رسالة هي ترجيح استمرار ارتفاع أسعار النفط جنبا إلى جنب ارتفاع معدلات التضخم في المنطقة ، وفي غضون ذلك، سينتعش الدولار مقابل اليورو في النصف الثاني من عام 2008 ولكنه سيتراجع مرة أخرى إلى 1،75 دولار لكل يورو بحلول نهاية عام 2009 .وأوضحت التوقعات أنه من الممكن أن يصل معدل سعر برميل النفط إلي 104 دولارات هذا العام وأن لا ينخفض إلى ما دون 100 دولار في حين سيصل متوسط السعر عام 2009 إلى 120 دولارا أو حتى 150 دولارا. أما فيما يخص التضخم، فمن المرجح أن يصبح ارتفاع معدل التضخم ظاهرة عالمية، ويكون قويا بشكل خاص في منطقة الشرق الأوسط ، ولا يرى الخبراء الاقتصاديون في البنك مفرا من تصاعد تكاليف الغذاء والسكن، وأسعار الفائدة الحقيقية السلبية والتي ستدفع أسعار المنازل في المنطقة إلى الأعلى مجددا. وفي ذات السياق شهد سوق الصرافة المصري وعلي غير العادة زيادة إقبال المواطنين الراغبين في أداء عمرة رمضان هذا العام علي التعامل مع شركات الصرافة باليورو رغم الارتفاع الواضح في سعره، بينما كان هناك بعض من الاحجام عن التعامل بالريال لارتباطه بالدولار الذي فقد 35 % من قيمته. وأكد خبراء أن هناك حركة نشاط كبيرة لبيع الدولار خلال العام الحالي واستشهد الخبراء بحركة الأيام السابقة حيث شهدت حركة كبيرة لبيع الريال السعودي على الرغم من بداية موسم العمرة في شهر شعبان واتجاه المعتمرين المصريين إلي اليورو بدلا منه، وفضل عدد كبير من الأفراد بيع مدخراتهم من العملة السعودية لارتباط سعر الريال بالدولار، تخوفا من انخفاض سعر الريال بشكل كبير في حالة تراجع سعر الدولار. كما أن الريال السعودي واجه ركودا خلال عمرة رجب ونصف شعبان وكانت هناك توقعات بأن يزيد الطلب عليه بسبب عمرة رمضان إلا أن تلك التوقعات خابت، لأن المعتمر المصري أصبح علي دراية عالية بالعملات الرائجة في السوقين المحلية والعالمية، وفي المقابل يشهد الدولار حركة بيع أيضا ولكن من المستوردين، الذين اعتبروا أن انخفاض الدولار فرصة ذهبية لاستيراد احتياجاتهم. وعلى الجانب الآخر شهدت البنوك المصرية حركة نشطة للسحوبات خاصة من دفاتر التوفير أو استرداد قيمة الشهادات الادخارية قبل موعد استحقاقها أو الحصول على قروض شخصية بمبالغ مخفضة بضمان هذه الشهادات، وكانت الايداعات قد استمرت في حركة متواضعة للغاية وحركة نشطة للحوالات للداخل أو من الخارج بمناسبة شهر رمضان وبداية الموسم الدراسي وشراء مستلزمات العيد. وتؤكد هذه الشواهد أن العلاقات بين مدخرات الشارع المصري والدولار أصابها فتور شديد بعد علاقات حميمة استمرت على مدار عقود طويلة فالأمر لا يتعلق فقط بالدولار حيث امتد الفتور في العلاقات إلى العملات التي مازالت مرتبطة بالدولار مثل الريال السعودي. [c1]كساد عالمي[/c]ومن جانبه يوكد د. عبدالحميد رضوان الباحث الاقتصادي أن ثقة المواطن المصري في الدولار الأمريكي لن تعود مثل سابق عهدها فالازمات التي ألمت بالعملة الخضراء مازالت تلقي بظلالها على الشارع المصري، وتعكس تكون سلوك جديد للمواطن بالشارع المصري ، مشيرا إلى أن التوقعات خلال الفترة القادمة تشير إلى مزيد من احجام المواطنين في المنطقة وليس مصر فقط عن الاحتفاظ بودائعهم بالدولار واتجاههم إلى قنوات كثيرة أكثر أمنا في ظل أزمات الغذاء واستمرار التضخم الذي يضرب العالم. وأضاف : ينبغي على دول الخليج أن تعي ذلك جيدا حيث سيكون الارتباط متبادلا بين جميع القوى الاقتصادية في العالم،حيث إن الانفتاح الاقتصادي والعولمة سيجعلان العالم معتمداً بعضه على بعض، وقد أصبح ذلك واضحا وجليا عندما انهارت أسواق المال في جميع دول العالم في نفس اليوم، بسبب أزمة الائتمان العقاري التي تعيشها الولايات المتحدة ، فالأسواق العالمية تعيش الآن أسوأ أزماتها في الـ 50 سنة الماضية، ولكن الركود في الولايات المتحدة قد لا يؤدي إلى كساد عالمي شبيه بالكساد الذي ضرب العالم في الثلاثينات من القرن الماضي ، حيث سيلعب النمو القوي في الصين والهند والدول المصدرة للبترول دورا معوضا وموازنا للدور الأمريكي، وهذا ما يقلق الأمريكيين كثيرا، لأن قبضتهم علي الاقتصاد العالمي ستخف، وبالتالي فإن سيطرتهم المالية ستنكمش مع مرور الأيام، ودور الدولار في التجارة العالمية سيتضاءل مما قد يؤدي إلى ظهور عملة جديدة تقوم مقام الدولار! وتوقع أن تستمر أزمة الثقة في الدولار الأمريكي قائمة وستضطر دول الخليج إلى فك ارتباطها بالدولار عاجلا أم آجلا، وقد تلجأ إلى سلة العملات التي يعتمدها صندوق النقد الدولي، وهذا الاختيار سيجنبها اتباع سياسات مالية ونقدية تخفف من التضخم الناتج عن انخفاض أسعار عملاتها نتيجة انخفاض قيمة الدولار، ولذلك فإنه من المؤكد أننا سنرى في هذا العام أو العام القادم تغيرا في سياسة سعر الصرف لدول الخليج وفك الارتباط مع الدولار تدريجيا في السنوات القادمة واستعمال سلة العملة في تسعير البترول. وتابع : إنه لا تستطيع دول الخليج أن تستمر في سياستها النقدية الحالية لمدة طويلة بأي حال من الأحوال، لأن ربط وتثبيت سعر العملات الخليجية مع الدولار منذ عام 1986 أصبح يمثل عبئا ثقيلا على عاتق اقتصاداتها، ومبطئ لعملية التنمية ، وسببا رئيسيا في التضخم الجامح الذي تعاني منه دول المنطقة ككل فتأثيرات الأزمات التي شعر بها الاقتصاد المصري كانت بسبب دول الخليج ، وعليه فإن هذا الوضع غير قابل للاستمرار، وأن دول الخليج ستجد أن عليها أن تتحول في نهاية الأمر إلي نظام صرف موحد وأكثر مرونة من النظام الحالي، وخصوصا أن تعاملاتها التجارية سوف تزداد بسرعة مع الأسواق الناشئة (الصين، الهند، روسيا، البرازيل) وغيرها، وهذا يملي عليها بالضرورة استعمال سلة عملات تحتوي على كل أو بعض تلك العملات. [c1]عودة الثقة[/c]ويلتقط د. أيمن فرج أستاذ الاقتصاد أطراف الحديث مشيرا إلي أن المصريين يتضررون كثيرا في بداية أزمة تراجع الدولار ومن المتوقع أن تستمر هذه الأزمة وفقا لمبدأ (لا يلدغ المرء من جحر مرتين) فالمواطن المصري أصيب بفوبيا التخلص من الدولار بسبب الأزمة التي ألمت به .. مشيرا إلى أن عودة الثقة قد تستغرق وقتا طويلا ولا يمكن بمجرد أن يرتفع الدولار أو يستقر أن تعود الثقة إلى الدولار فلم يكن أحد يتوقع أن يترنح العملاق الأخضرمنذ بداية الأمر بهذه الصورة. وأشار إلى أن الأزمة المالية لن تنقشع خلال العام الجاري أو المقبل على الأقل وأن هناك تزايد احتمالات استمرار الأزمة وهو ما يؤثر بدوره في العملة الأمريكية ويدعم استمرار حالة فقدان الثقة فيها خلال الفترة القادمة.ويقلل د. عبدالرحمن جاب الله أستاذ الاقتصاد من أهمية تأثير التحسن الذي شهده أداء الدولار خلال الأيام السابقة على عودة الثقة فيه .. مؤكدا أن العامل الأساسي في الحكم على ذلك لا يرتكز على صعوده أو هبوطه ولكن على مدى الاستقرار وهو ما لم يتحقق خلال الفترة السابقة مشيرا إلى أن احتفاظ المواطن بالدولار ليس فرضا ولكن يبقى الخيار له في البداية والنهاية في ضوء زيادة وعيه وقدرته على استقراء الأحداث في هذا الشأن.