تحقيق / محمد قطران و يحيى عسكران:لم تشفع صرخات ودموع الطفل إبراهيم 6 سنوات له عند معلمته التي انهالت عليه ضربا أمام زملائه الذين تسمرت أعينهم في مشهد عنيف من أفلام الاكشن يجسد دور الضحية زميلهم إبراهيم الذي انتهى الأمر بسقوطه مغشيا على الأرض فاقد الوعي.والطفل إبراهيم الذي يدرس في الصف الأول من التعليم الأساسي بإحدى مدارس مديرية أزال بنقم نقل إلى أحد المستشفيات، ليظل هناك لفترة يتلقى العلاج من آثار الضرب الذي تعرض له ولخصها تقرير المستشفى الطبي في إصابته بانفصال شبكي جزئي ونزيف بالعين اليمنى نتيجة تعرضه لحادث( لإصابة) في الرأس .ووفقا للتقرير فان حالة إبراهيم تتطلب سفره إلى الخارج وعرضه على أختصاصي شبكية وماء زجاجي نظرا لعدم توفر هذا التخصص في اليمن، فيما أكد والده أن ما حدث لابنه انعكس على نفسيته فصار يميل للانطواء ويفزع من نومه ليلا بسبب كوابيس تراوده، إضافة إلى رفضه الذهاب مرة أخرى للدراسة في مدرسته أو في غيرها .قصص كثيرة مشابهة لقصة إبراهيم نسمعها ونقرأ عنها .. تخفي كثيرا من المعاناة والألم الذي يعيشه الطلاب في بعض المدارس تحت مسمى العقاب المدرسي الذي لا يمت بصلة للعملية التربوية والتعليمية ويتنافى مع مبادئ حقوق الإنسان ويجسد إحدى صور العنف الموجه ضد الأطفال . نسبة العنف في المدارسوفيما لا تتوفر إحصائية دقيقة حول نسبة العنف الممارس في المدارس إلا أن العديد من الدراسات لمنظمات ومؤسسات اجتماعية تتفق على أن نسبة العنف ضد الأطفال في المدارس عموما لا تقل عن 80 بالمائة .وبحسب دراسة ميدانية نفذها المجلس الأعلى للأمومة والطفولة شملت مدارس محافظات الأمانة وصنعاء والحديدة في الحضر والريف فان العقاب هو الأسلوب السائد في التعامل وبنسبة 7 ر81 بالمائة، في حين ترتفع نسبة من قالوا بسيادة أسلوب التربية العقابية في مدارس الحضر إلى 6 ر 85 بالمائة مقارنة بمدارس الريف 1 ر78 بالمائة .
وحصرت الدراسة أنواع العقاب الممارس في الضرب بالعصا الأكثر شيوعا وبنسبة 65 بالمائة ، يليه العقاب بالتوبيخ بنسبة 5 ر6 بالمائة، والعقاب بالوقوف في الفصل بنسبة 6 بالمائة، مشيرة إلى أن الذكور يمثلون الأكثرتلقيا للضرب بالعصا من الإناث اللواتي يتعرضن للتوبيخ بشكل كبير .فيما تتركز التأثيرات الناتجة جراء تعرض الأطفال للعقاب وفقا للدراسة على الشعور بالغضب بنسبة 18بالمائة ، والشعور بالحزن بنسبة 8 ر6 بالمائة الرغبة بالانتقام بنسبة 3 ر5 بالمائة ، في حين ترتفع نسبة الشعور بالإحباط لدى الإناث .العقاب وآثاره على الطفلتتنوع صور العقاب الممارس ضد الأطفال في المدارس اليمنية خاصة المرحلة الأساسية وفق الباحث في علم النفس الاجتماعي احمد عبدالله شرهان بين العنف البدني باستخدام العصا ، والعنف اللفظي باستخدام عبارات الاستهزاء والسخرية والاستهجان والتحقير.يقول شرهان « تأثيرات استخدام العنف البدني واللفظي قد تصل إلى مراحل متطورة وحرجة سواء بالخطأ أو القصد وأحيانا تتطور إلى حد الإيذاء والإصابة وإحداث عاهات بدنية قد تشفى وقد ترافق صاحبها مدى الحياة ، فضلا عن الشعور بالألم.
العنف والتأثير النفسيويضيف شرهان إن تعرض الطفل للعنف في المدرسة ينتج عنه تأثيرات نفسية منها اضطراب في الشخصية ، والتأثير على نموه العقلي والنفسي والسلوكي وأضعاف قدراته العلمية ، وجعله يميل إلى التمرد والعدوانيةكما انه يفقده الثقة بمن حوله .ولفت إلى أن العنف المدرسي يشكل سببا رئيسيا في هروب وتسرب الأطفال من مدارس التعليم وهذا حاصل بمناطق عده خاصة بمدارس الريف معتبرا الأسرة والمجتمع والمدرس وإدارة المدرسة ووزارة التربية والتعليم وغيرها جميعها مشاركة بطريقة أو بأخرى في انتشار هذه الظاهرة وبقائها.ونوه أن الأسرة والمجتمع يساهمان في استمرار ظاهرة العنف من خلال تأييدهما لاستخدام العقاب كأسلوب من أساليب التربية والتنشئة ما سمح للمدرسين استخدامه في عملية التربية والتعليم وفي ظل غياب قانون واضحوصريح يحد أو يمنع ويجرم استخدام العنف في المدرسة .مؤكدا أن غياب ثقافة وأساليب تربوية وتعليمية حديثة في مضمون إستراتيجية وزارة التربية والتعليم ساهم في وجود هذه الظاهرة .. مشيرا إلى أن اللجوء للعنف في العملية التعليمية والتربوية مؤشر واضح لضعف شخصية المعلم وعدم إلمامه بمتطلبات واحتياجات العمل التربوي لهذه المرحلة الحرجة والحساسة والذي ينعكس بدوره سلبا على شخصية الطفل ونفسيته وتكوينه الفكري .السلوكيات غير المرغوبةويعتبر المؤيدون العقاب المنظم له فوائد في التنشئة والتربية للأطفال سواء من قبل الأسرة أو المدرسة كونه يساعد الطفل ، الطالب على التمييز بين الصواب والخطأ ويهذب السلوكيات غير المرغوبة. علي غالب (ولي أمر) اعتبر العقاب الذي لا يؤدي إلى أضرار أو إيذاء ضروري وهام في العمل التربويه والتعليمي قائلا « العقاب بأنواعه موجود في البيت والمدرسة منذ فترة ولو تم منع العقاب بالمدارس لعمت الفوضى وصار الطلاب أكثر شغبا وارتكابا للأخطاء .غير انه يؤكد أن العقاب إذا خرج عن الإطار التأديبي وتحول إلى عنف يترتب عليه انعكاسات خطيرة على سلوك الطفل ونفسيته وجسده فانه ممنوع ومرفوض .ونوه بضرورة التفرقة بين العقاب والعنف من خلال تحديد قوانين ولوائح تحدد وتوضح كيفية استخدام العقاب وتبين الحدود التي إذا جرى تعديها تصبح جريمة يعاقب من يرتكبها.
التربية من منظور الاسلامويؤيد هذه الفكرة «مدير مدرسة النهضة الأساسية للبنين والبنات بأمانة العاصمة احمد العابدي بقوله أن أنجح طرائق توجيه العقاب للطلاب أن لا يلحق ضرر ويكون التأديب بطريقة سهلة وغير عنيفة وتؤدي غرضها التربوي وتعديل السلوكيات غير المقبولة لمن وصفهم ذوي الأخلاق السيئة .وحول كيفية ممارسة العقاب في مدرسته قال العابدي « إن العقاب المدرسي لا يمارس داخل فصول التعليم ولكن يستدعى الطالب إلى إدارة المدرسة وتجعله يقف أمامها من خمس إلى عشر دقائق كنوع من أنواع العقاب لعدم تكرار مخالفاته، وإذا اخطأ مرة أخرى يتم استدعاء ولي أمره «.ولفت إلى أن الإناث لا يتعرضن في الغالب للعقاب نتيجة لما يتمتعن به من التزام وآداب في المدرسة ، مشيرا إلى انه وفي حالة حصول أي مخالفات من قبل الطالبات يتم استدعاء ولي أمرها .ويعلق وكيل وزارة التربية والتعليم لقطاع التعليم محمد هادي طواف في هذا التحقيق الذي أجرته وكالة الأنباء اليمنية سبأ قائلا: « إن وزارة التربية والتعليم أصدرت تعميما بالعقاب المدرسي يقضي بمنع استخدام العنف والعقاب في المدرسة ويحرمه تحريما قاطعا لما له من ضرر على حياة الأطفال والطلبة ومستقبلهم التعليمي « .وأوضح انه منذ صدور التعميم أصبح الطلاب أكثر فوضى وعشوائية من ذي قبل، بل وصل الحال عند البعض إلى عدم احترام المعلم ومدير المدرسة .انخفاض ممارسة العقابأما مدير عام رياض الأطفال بوزارة التربية يحيى المتوكل فاعتبر أن تعميم الوزارة بمنع الضرب والعنف الجسدي ساهمبشكل كبير في انخفاض ممارسة العقاب في مدارس كثيرة حكومية وأهلية .ويشير المتوكل إلى عدم ورود أي شكوى مكتوبة للإدارة حول اعتداءات المدرسين على أطفال في المدارس تعرضوا لعنف ، مؤكدا أن الإدارة مسئولة عن اتخاذ الإجراءات والتدابير القانونية ضد المخالفين في حالة حدوث عنف مدرسي ضد الأطفال .مؤسسات رسمية ومنظمات أهلية ناشطة في مجال حقوق الطفل ورعايته في بلادنا تعتبر أن العنف المدرسي ضد الأطفال جزء لا يتجزأ من منظومة العنف الموجه ضد الأطفال الذين يشكلون ما نسبته 45 بالمائة من التركيبة السكانية وواحد من صور الانتهاك لحقوقه المختلفة .مدير الشبكة الوطنية لحماية الطفل بالمجلس الأعلى للأمومة والطفولة عبد اللطيف الهمداني أشار إلى أنه جرى تشكيل شبكات ولجان وطنية لحماية الطفل ومنها شبكة حماية الطفل بهدف تنسيق الجهود المبذولة لمناهضة العنف ضد الأطفال من قبل الجهات المعنية الحكومية وغير الحكومية والمنظمات الدولية ضمن خطة عمل مشتركة .ولفت إلى أن المجلس قام بدعم ومناصرة الأنشطة والمشاريع الموجهة من قبل الجهات ذات العلاقة وكذا المشاريع والفعاليات التي من شانها حماية الطفل من كافة الظروف والعوامل المؤدية إلى انحراف الأحداث ، عمالة الأطفال ، أطفال الشوارع، التسرب المدرسي .ويلقى مجال حماية الطفولة وتنميتها في بلادنا اهتماما كبيرا نظرا لأهميته الحيوية وارتباطه بمقتضيات التنمية، والذي جسده بروز جهات رسمية وغير رسمية تعنى بضمان حقوق الطفل من خلال تنفيذها للعديد من الأنشطة والفعاليات .