تحذيرات حكومية ودولية من تناقص مخزون المياه الجوفية في حوض صنعاء
صنعاء / سبأ: رغم التحذيرات الحكومية والدولية من تناقص مخزون المياه الجوفية في حوض صنعاء التي كان أخرها التقرير الصادر عن الأمم المتحدة والذي وضع العاصمة صنعاء على قائمة أكثر المدن المهددة بالجفاف خلال السنوات القليلة القادمة، إلا أن هذه التحذيرات لا تلقى ـ على ما يبدو ـ آذاناً صاغية، فمعظم سكان الريف في نطاق حوض صنعاء كغيرهم في بقية مناطق الجمهورية يكادون لا يأبهون بما يسمعونه، وكأن الأمر لا يعنيهم. فقد أصبحت عمليات حفر آبار المياه في حوض صنعاء يتسابق فيها المزارعون ، مع ظهور مشاكل أخطرها عدم وجود مياه فيها بعد الحفر الذي استنزف أموالهم خاصة في قرى مديرية همدان .ومع ذلك تستمر المحاولات والخسائر أيضا، فالمزارعون هناك يعتقدون أن السبب راجع إلى خطئهم في تحديد الأماكن الصحيحة التي يجب الحفر فيها، وهو ما يزيد من معاناتهم أكثر فأكثر. وتقول التقارير الرسمية: إن الآبار البالغة قرابة ستة الآف بئر في حوض صنعاء التي تتراوح مساحته بين 1200 إلى 3200 كم مربع كفيلة باستنزاف ما تبقى من المياه الجوفية خلال السنوات القليلة القادمة جراء عملية الاستنزاف المستمرة من قبل المزارعين لري شجرة القات التي تنتشر زراعته بصورة كبيرة في إطار هذا الحوض والتي تستهلك نحو 90 % مما تضخه تلك الآبار. ويعتقد حسين اللكمي احد مزارعي قرية اللكمة بمديرية همدان أن سبب عدم نجاح عمليات حفر الآبار هو أن الناس في قريته لا يستعينون بالمهندسين من هيئة المياه لأجراء الاختبارات بواسطة الأجهزة لتحديد ما إذا كان الماء متواجد في هذه المنطقة أو تلك. وأضاف:» تحديد أماكن الحفر تتم بطريقة تخمينية فقط وليست على أسس علمية ومع ذلك الناس يستمرون على هذا المنوال «. وتدرك من خلال الحديث مع الناس هناك أن الجهل سيد الموقف وأنهم لا يعرفون شيئاً عن ما تردده وسائل الأعلام المختلفة من أن حوض صنعاء مهدد بالجفاف وان المياه الجوفية في تراجع مستمر. فتجد المزارعين في تلك القرى ومنها قرية اللكمة بمديرية همدان، في حالة تنافس محموم لحفر آبار ارتوازية، الهدف منها ري مزارع القات سعيا لتحقيق عوائد مالية كبيرة وإن كان على حساب ما تبقى من المخزون الاستراتيجي للمياه الجوفية الآخذ في التناقص. يقول «عمار مقبل» احد مزارعي القرية الواقعة على مسافة نحو 25 كيلومترا من العاصمة صنعاء « الناس لا يعرفون ما معنى تراجع منسوب المياه الجوفية، ما يهمهم هو استخراج المياه «. وأضاف « خلال فترة الثمانينات ومطلع التسعينات كان عمق البئر لا يتجاوز الـ250 متر أما الآن فلم يعد بالامكان الحصول على الماء بهذا العمق». ويشير عمار إلى انه تم حفر نحو ستة آبار ارتوازية في قريته وصل عمق بعضها إلى 500 متر لكن دون جدوى.معتقداً أن خسائر عمليات الحفر المتوالية قد تكون تؤكد للناس أن المشكلة تتعلق بتناقص ونضوب المياه الجوفية كما تردده وسائل الإعلام. وقال:» كل بئر تم حفرها دون جدوى كلفت نحو 8 ملايين ريال، لأن حفر المتر الواحد بواسطة حفار المياه يكلف 17 الف ريال». ويلفت عمار إلى أن كل بئر تفشل تخسر المساهمين فيها الذين لا يتجاوزن عشرة في أحسن الأحول مبلغ لا يقل عن 800 ألف ريال لكل مساهم. وأضاف « إنه أمر مقلق بالتأكيد، لأن ما يدخره الناس خلال سنوات من العمل المضني في الزراعة يذهب سداً.» وشهدت القرية ذاتها كغيرها من القرى المجاورة للعاصمة خلال السنوات القليلة الماضية انخفاضا حادا لمستويات المياه الجوفية مما أثار قلق الأهالي فيها البالغ عددهم قرابة 3 الاف نسمة ما جعلهم يسعون جاهدين لمواجهة تناقص مناسيب مياه الآبار القائمة وهي صورة متكررة في أنحاء مديرية همدان في ظل تناقص المياه فيها. وفيما تستمر عمليات الحفر من قبل المزارعين سواء كانت ناجحة أم لا ..فإن الأسوأ من ذلك ما يؤكده وزير المياه والبيئة المهندس عبد الرحمن الأرياني من أن الحكومة لا يمكنها تطبيق قوانين استخراج المياه والري على المستهلكين، خاصة الكبار منهم. والسبب كما يقول في حديث لوكالة رويترز»: إن 99 % من عمليات استخراج المياه تتم دون ترخيص». وفي حين تشير الدراسات أن ري القات يستهلك أكثر من 90% من المياه فإن مساحة زراعة القات تنمو بمعدل يتراوح بين 10 و15% سنوياً..فيما يبقى الجهد الحكومي لمواجهة هذه المشكلة في حدود غير ملموسة. يقول الوزير الأرياني: إن الدعم الحكومي الكبير للوقود يعيق جهود الوزارة لرفع كفاءة الري، والسبب، إن ذلك الدعم يقلل من تكلفة المياه الحقيقية، وهو ما يدفع مزارع القات لضخ كميات اكبر من المياه. وتابع قائلاً :» لا يوجد دافع لدى المزارعين لتحديث أساليب الري لرخص وقود الديزل، فسعر اللتر 35 ريالاً ما يعادل 0.17 دولار، ما يجعلهم لا يحتاجون إلى التوفير في استهلاك المياه، كما ان عائد القات مرتفع». وحتى تشرع الحكومة بخطوات جادة لتوعية الناس بخطورة الموقف والبدء بالحلول الوقائية للحد من استنزاف المياه التي تنخفض بمقدار يتراوح بين 6 ـ 12 مترا سنويا فإن استشراق مستقبلنا المائي على ما يبدو ستظل تحجب رؤيته الشوائب. فالتقارير المحلية والدولية تؤكد أن وضع الماء في اليمن يسير في اتجاه الانهيار الخطير للموارد في دولة يعتمد على مياه جوفية لا تستطيع الطبيعة تعويضها بسرعة كافية كي توازي نمو تعداد السكان البالغ قرابة 22.4مليون نسمة والذي يزيد عن 3 % سنويا. كما أن تفادي كارثة بهذا الحجم بالنسبة لمدينة مثل صنعاء البالغ ارتفاعها نحو 2200 متر فوق سطح البحر سيكون أكثر صعوبة إذا ما طرحت مسألة إنشاء محطات لتحلية مياه البحر لإمداد العاصمة بالمياه، لما يتخلل المسافة بينها وبين محافظة الحديدة الساحلية من تضاريس وجبال وعرة تعقد من عملية مد خطوط أنابيب التحلية من تلك المحطات إليها. وحسب تقرير الوضع البيئي في اليمن الصادر عن وزارة المياه والبيئة فإن عدم اتخاذ المعالجات الناجعة سيجعل من القادم يحمل في طياته طبيعة خالية من المياه لأن حوالي 75 % من سكان اليمن ما يزال يعيش في الريف ما قد يحول الكثير من المناطق وخاصة في حوض صنعاء إلى مناطق خالية من السكان لعدم وجود المياه التي يعتمدون عليها في الزراعة لتوفير متطلبات حياتهم المعيشية.