الغيول في اليمن تموت استنـزافاً!
اليمن ,السعيدة ,دولة سبا وحضرموت, أوسان,معين كلها مسميات على كثرتها تحكي عن دولة ودويلات حكمت ارض اليمن تلك المنطقة العربية التي تقع في الجنوب الغربي من جزيرة العرب وهي منطقة شبة صحراوية فيما عدا المناطق الجبلية وخاصة المنطقة الوسطى والغربية والممتدة من باب المندب إلي تخوم منطقة الطائف بالمملكة العربية السعودية .وقد أكرمها الله بتلك الجبال والتي لولاها لكانت اليمن جزءا من صحراء الربع الخالي وهو ما ساعد أبنا ء اليمن على إقامة حضارتهم في تلك المنطقة التي تتميز بمناخ معتدل ممطر صيفا وشبة بارد شتاء وقد حبا الله اليمن بقيعان زراعية تحيط بها الجبال من جميع الجهات على ارتفاعات مختلفة لتصل بعضها إلي 2000متر فوق مستوى سطح البحر وتسقط عليها الأمطار بكثافة عالية قل أن نجد لها نظيرا في جزيرة العرب و تبدأ الجبال في الانحدار التسلسلي من أعالي المرتفعات متخذه شكل الانحدار التدريجي مكونه بين أخاديدها أودية ومضايق جميلة تتسع أحيانا وتضيق أخرى بين الاستقامة أحيانا والالتواء غالبا ويقع خط تقسيم المياه في هذه الجبال حيث تنحدر المياه عبر عدد من الوديان شرقاً وغرباً وجنوباً ومن أهم هذه الوديان: وادي مور - حرض- زبيد - سهام- ووادي رسيان وهذه تصب جميعها في البحر الأحمر، أما الوديان التي تصب في خليج عدن والبحر العربي فأهمها: وادي تبن ووادي بناء ووادي حضرموت. ولقد كانت هذه الوديان المركز الرئيس لتواجد الإنسان العربي الأول الذي حولها إلي مدرجات وأراض زراعية وقرى معلقة على سفوح الجبال الخضراء وفي بطون الأدوية في مشهد بديع يمزج خضرة المدرجات الزراعية على سفوح الجبال مع وديان تحمل بين جنباتها مزارع وحقول وكأنها لؤلؤ منثور على بساط اخضر وتندفع الغيول وشلالاتها المتدفقة من أعالي الوديان الناتجة عن عملية تساقط الأمطار على القيعان والمرتفعات متخذه منها منطقة تخزين وتغذية لتلك الغيول و الغيول كلمة عربية فصحى لازالت تستخدم في اليمن ويسمي اليمنيون النهر بالغيل، وجذر الكلمة هو/ غ، ي، ل/ (غيل، أي نهر)، وهي كلمة لا تزال حية في اللهجات اليمنية المعاصرة، وهي كذلك عند الهمداني في “الإكليل” وعند ياقوت الغيل هو النهر والغيل هو الماء الذي يجري على وجه الأرض، وهو العين التي تنبع من الأرض. ويجب عند طرح الغيول بالمعنى السابق ذكره ملاحظة أن الغيل في اليمن له معنيان، الأول الماء الجاري الذي ينبثق من العيون وينحدر في الأودية، وهي غيول في الغالب دائمة الجريان، ومياهها تقل كثيراً عن مياه السيول، لهذا كانت الأراضي التي تروى بها محدودة ومساحتها ثابتة إجمالاً. و الغيول بهذا المعنى كثيرة، فلا تكاد تخلو منها جهة من الجهات اليمنية، ومن أشهرها غيل وادي بنا وغيل باوزير ووادي سردود وموزع وهي بالكثرة بحيث يصعب حصرها هنا و الغيول أم غيول مستمرة على مدار العام أو متقطعة و الغيول اقل من النهر من ناحية الكثرة والاستمرارية .فالأمطار ومياه الغيول في اليمن هي أساس الحياة والزراعة منذ أقدم العصور إلي وقتنا الحاضر الذي تحول الإنسان من استخدام الغيول في الزراعة إلى عملية حفر الآبار في مناطق التغذية والتخزين وهو ما أصبح يهدد تلك الغيول والوديان بالجفاف نتيجة الاستخدام الجائر والحفر العشوائي لتلك الآبار سواء كان للزراعة أو للاستخدام المنزلي في ظل تزايد عدد السكان بشكل أصبحت اليمن من ضمن أكثر دول العالم تهديدا بخطر استنزاف المياه كما أوضحت التقارير الدولية الصادرة عن منظمات الأمم المتحدة. المياه سواء كانت على شكل غيول أو أبار أو ينابيع هي مصدر الحياة وديمومتها ومما يذكره الباحثون أن المدن عندما لا يتوفر فيها الماء الكافي للري والارتواء، فإنها لا تلبث أن تضمحل وتنتهي، والأمثلة على ذلك كثيرة. فمدينة العمار في صحراء راجاستان بالهند، كانت تعد إحدى المحطات الهامة على طريق القوافل، لكنها هجرت وفقدت أهميتها نتيجة لنقص الماء. وحضارة سبا خير شاهد فعندما انهار سد مآرب انهارت حضارة سبأ .و مع ذلك لازال اليمنيون يهدرون مواردهم المائية والبيئية بأنفسهم محولين الأرض التي سكنها آباؤهم وأجدادهم إلي ارض صحراوية ووديان قاحلة وجافة لا لشيء إلا بسبب الاستنزاف الجائر للأحواض المائية ومناطق التغذية لتلك الغيول من خلال الحفر العشوائي للآبار ليس لغرض الزراعة وحدها ولكن المتسبب الرئيسي لذلك هي تلك الشجرة التي ابتليت بها اليمن منذ قرون ولكن القرن الحادي والعشرين هو قرن “القات “في اليمن الذي يكاد بعد فتره من الزمن أن يهدد بقاءها من خلال استنزاف ما تبقى من مخزون المياه وما تبقى من وجود البشر التي يفتك بهم مرض السرطان الذي أصبح يهدد أكلي القات نتيجة للاستخدام السيئ للمبيدات الزراعية الخطيرة في عملية زراعة القات و أنتاجه.فإذا كانت الأودية و الغيول التي تجري فيها هي عصب الحياة أو كما يقال (مصر هبة النيل فان اليمن هبة الغيول والأودية) التي سكنها الإنسان اليمني منذ أقدم العصور إلى يومنا هذا وعليها أقام حضارته وبنا مدرجاته وقراه وخلال هذه الفترة استطاع الإنسان اليمني أن يعمل ما يسمى بعصرنا الحالي التنمية المستدامة من خلال الاستغلال الأمثل للبيئة والموارد المحيطة به . [c1]غيول جفت وأخرى في الطريق إلى الموت[/c] مما يذكره المؤرخون من غيول صنعاء التي كان يعتمد عليها أهل صنعاء في الشرب والاستخدام المنزلي والزراعة والتي جفت في العصر الحالي غيـل الـبرمكي : قـام محـمد بـن خـالد الـبرمكي باسـتخراج وجـر وشـق غيل البرمكي (سنة 183هـ/800-799م) في زمن الخليفة هارون الرشيد، حيث استفاد من هذا الغيل أهل صنعاء، واختفى ذكره في المصادر التاريخية حتى العصر الأيوبي، حينما قام السلطان طغتكين الأيوبي بإجراء إصلاحات عليه و الغيل الأسود وهو أشهرها والذي تذكره المصادر بداية من عام 803هـ وأمر بإصلاحه ابن صلاح الدين الأيوبي و ظل ماؤه يجري حتى عام 1971م (3).و الملاحظ اليوم إن كثيرا من الغيول في أدوية اليمن المشهورة هي الأخرى اتجهت نحو النضوب سواء في فصول الأمطار أو في فصول الجفاف بل أن بعض الأودية كان معروفا عنها استمرارية جريانها طوال أيام العام واليوم أصبحت تتجه نحو الجفاف والنضوب رويدا رويدا ومن تلك الأودية وادي بنا الذي يعتبر من أهم أودية اليمن من ناحية كمية المياه المتدفقة وبالتالي تتحول تلك الجنان الخضراء والقرى المعلقة على سفوح الجبال والوديان إلى ارض جافه ومزارع قاحلة وبيئة مدمرة وإنسان يبحث عن ملجأ يذهب إلية في عالم حول الحبوب إلي وقود واستخدم القمح كسلعة حرب وفي طريقة للاحتراب على مصادر المياه وبالتالي سوف ينطبق عليهم مثل أجدادهم “تفرق القوم أيادي سبأ“.إن وديان بنا و سردود و زبيد وتبن وغيرها من وديان اليمن هي بأمس الحاجة إلى حماية حكومية وشعبية لما تبقى من جريان غيولها قبل أن تجف . إن المحافظة على الغيول والوديان والقيعان من الجفاف حفاظ على هذا البلد من الاندثار والاضمحلال وحفاظ على بقاء الإنسان اليمني وبيئته ، ولنعمل جميعا من أجل بقاء الغيول والوديان هبة اليمن .[c1]المراجع والهوامش[/c] -1 عـبد الـوهاب رواح، الصـوت والدلالة في اللهجات اليمنية القديمة والمعاصرة وأصولها في اللغات السامية، ص 187-186، رسالة ماجستير، جامعة عين شمس، القاهرة، 1982م. -2 ياقوت الحموي، معجم البلدان، المجلد الخامس، ص 393، دار صادر، بيروت، 1990م.-3 د خالد عزب ,كيف واجهت الحضارة الإسلامية مشكلة المياه. إصدارات إسيسكو(المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة)2006م.[c1] عضو الرابطة العربية للإعلاميين العلميين[/c]