قبيل انتهاء الأسبوع الأخير من شهر فبراير من العام الحالي 2008م تلقيت دعوة مشاركة في جناح اليمن «المعرض العام» لملتقى صنعاء العربي للفنون التشكيلية من قبل معالي وزير الثقافة د. محمد أبوبكر المفلحي والذي أقيم ببيت الثقافة في الفترة من 17 ـ 25 من شهر مايو 2008م، وطلب من كل فنان أن يشارك بثلاث لوحات من أعماله الفنية على الا يزيد ارتفاعها على المترين وترك للفنان المشارك الحرية الكاملة في اختيار المواد التي يعمل بها، ولأن كاتب هذه الأسطر ينتهج منذ فترة طويلة أسلوب التجريب الإبداعي في اعماله الفنية على مستوى المحتوى والمضامين الفكرية والأساليب التقنية فقد شاركت بثلاثة أعمال حول الإرهاب قمت برسمها ثم بتكبيرها مستفيداً من تقنيات الدعاية والإعلان المرتبطة بتخصصي كفنان جرافيك مثلما استفاد الكثير من الفنانين الجرافيكيين في العالم من تقنية طباعة الشاشة الحريرية «السلك سكرين» التي ظهرت في أمريكا وكانت محصورة على الدعاية والإعلان ثم انتقلت إلى طباعة الفن الجرافيكي كفن راقٍ،ومستفيداً ايضاً من أحد شروط دعوة المشاركة في الملتقى الذي ينص على الحرية الكاملة للفنان المشارك في اختيار المواد التي يعمل بها، بالإضافة إلى معرفتي بأن هذا الملتقى يهدف إلى الالتقاء بالفنانين العرب وإلى التلاقح الفني والمعرفي والثقافي والتبادل التقني ولايهدف إلى التسابق والمنافسة كمعرض الشباب الذي أقيم في المركز الثقافي بصنعاء على هامش فعاليات ملتقى صنعاء العربي في الفترة من 10 ـ 30 مايو 2008م.مع العلم بأني قد قدمت بعمل إضافات خطية ولونية ومساحية بفرشاة هوائية على الأعمال التي شاركت بها في الملتقى بعد تكبيرها بدت واضحة لعين المراقب ولمسة يده، ولإيماني بأهمية الاستفادة من تجارب وآراء الأخرين فقد أستأنست تليفونياً في هذا الموضوع برأي مستشار وزير الثقافة لشؤون الفن التشكيلي ـ والمنسق العام للملتقى والذي جاء رأيه موافقاً لرأيي شريطة الاشتغال على الأعمال المكبرة والإضافة إليها بعد تكبيرها وهذا ما قمت به بالفعل، ومع ذلك أثارت أعمالي هذه حفيظة اللجنة المكلفة تجهيز وإعداد معرض الملتقى وأثارت لغطاً وجدلاً وإرباكاً وحيرة لدى اللجنة ..! هل يتم عرض هذه الأعمال أم لا؟ وقرروا ألا يعرضوها في المعرض ...! وفوجئت عند وصولي إلى جناح المعرض اليمني أن أعمالي «مركونة» بجوار باب بيت الثقافة وبعد شد وجذب واحتجاج وصياح وزعيق علقوا عملاً واحداً على مضض ولم تقم اللجنة باقتناء أحد هذه الأعمال أسوة ببقية أعمال الفنانين المقتناة من قبل الوزارة، وكان باستطاعة اللجنة أن تقول للفنان الذي اختارته للمشاركة في هذه الفعالية يمكنك استبدال أحد هذه الأعمال المكبرة بعمل آخر تقوم الوزارة باقتنائه.وفهمت من هذا التصرف انهم لايريدوننا أن نجرب ونبدع في عالم الإبداع ونحن نعيش بداية القرن الحادي والعشرين ولايريدوننا أيضاً أن نستثمر تكنولوجيا العصر الذي ظهرت فيه الاتجاهات والأساليب والطرق والشطحات الفنية الغرائبية المدهشة المختلفة والمتنوعة في زمن ثورة تكنولوجيا المعلومات.وعندما سألنا اللجنة المنظمة للمعرض: لماذا لاتعلقون لوحاتنا؟! أجابوا: بأنه لا توجد لديهم «أهواك» أو المسامير الخاصة بتعليق اللوحات والذي لديه «أهواك» فليعلق لوحته واهتموا بتعليق لوحات الفنانين العرب وتحول الملتقى إلى «منتقى» ومزاجية هدفها تلميع صورة منظمي المعرض ولجنة التحكيم أمام الضيوف العرب وامام معالي الوزير، وكان الفنانين اليمنيين لم يلتقوا في الملتقى باخوانهم العرب لأنهم أنزلونا في فنادق متواضعة والضيوف العرب في فنادق درجة أولى وكأن الفنان اليمني أقل شأناً ودون مستوى أخوانه الفنانين العرب كإنسان وفنان. حتى حوارات الفنون أو الندوات العربية الموازية لمعرض الملتقى كانت مساهمة اليمن حكراً على المنسق العام للملتقى وعلى استاذة علم الجمال بجامعة صنعاء، وكان بالإمكان إشراك د. ناصر عبدالقوي من جامعة الحديدة ومؤلف كتاب «الفن التشكيلي في اليمن» وكذلك إشراك الفنان محمد عبده دائل من جامعة عدن أو كاتب هذه الأسطر من مكتب الثقافة بعدن الذي يكتب حول الفنانين وقضايا التشكيل منذ ثمانينات القرن العشرين. ولكن طغيان نزعة استئثار «الأنا» بدت واضحة في لهجة المنسق العام للملتقى الذي صرح أمام الجميع بأنه الوحيد الذي يكتب عن الفنون التشكيلية في اليمن ومعه د. آمنة النصيري أما علي الذرحاني فهو يكتب لكي يرد ويعقب على آمنة النصيري وحكيم العاقل أو يستدرك عليهما، وبذا يكون المنسق العام قد تجاهل واختزل مجهود الآخرين وكأنه قد اطلع على كل ما كتب في هذا المضمار وضاق صدره الذي لايتسع للرأي المختلف من ردود وتعقيبات واستدراكات زميله الذرحاني التي أرقته وصنعت لديه أزمة. لأنه يكره أن يقوم أحد بتصويب افكاره أو الاستدراك عليها أو الإضافة الجديدة إليها وكأنه يظن أن كتاباته فوق مستوى النقد أو الشبهات وكان الكتاب والنقاد لايعقبون ولايستدركون على بعضهم البعض أو يثرون بعضهم البعض أو يكون بينهم سجال وجدال وحوار فكري وثقافي وفني يكمل بعضه بعضاً، ولكن ماذا نقول للعقلية الشمولية التي تختزل الكل في واحد ..؟! ولاتقبل الحس الشوروي أو الديمقراطي والتسامح الفكري وروح الاختلاف بين البشر ـ وخير مثال على ذلك استنكار الفنانة آمنة ملاحظتي ومداخلتي على ورقتها حول «الفن في مواجهة السلاح» عندما استشهدت بأقوال مأثورة إسلامية بل وآيات قرآنية فاعترضت د. آمنة على هذا التفكير الذي «يؤسلم» الفنون والعلوم ولم تعترض على نمذجة وقولبة وعولمة النظام الأوحدي الطابع الأمريكي في الوقت الراهن، الذي يلغي كل هوية وتميز وكل خصوصية محلية لأي مجتمع، وهي تعلم أنها إنسانة وفنانة شرق أوسطية ومن دول العالم الثالث وتحمل ثقافة وهوية عربية وإسلامية منذ نعومة أظفارها وحتى عنوان رسالة الدكتوراه التي تحملها وتقرأ في كتاب المسلمين البالغ عددهم ملياراً ونصف المليار مسلم قوله تعالى: «قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين» وكل ما أعمله أو أنتجه أو اصنعه أو أبدعه في حياتي بما في ذلك الفن إذا لم يكن خالصاً للرب فلا خير فيه. فلماذا الضيق من «أسلمة» الفنون والعلوم مع العلم بأن الأجانب أغلبهم علمانيون وماديون وملحدون ومع ذلك فإنهم يعارضون التجارب العلمية لاستنساخ البشر من الناحية الأخلاقية لأن الأخلاق من الدين بل هي عمود الدين الإسلامي وفطرة الإنسان السوي. بقي شيء آخر لابد من ذكره وهو أن هذا الملتقى مبادرة إيجابية طيبة من وزارة الثقافة ومن مستشارها الفني نتمنى أن يتكرر بدون تحويل المبدعين إلى مراجعين يتسولون «بيسة البوكت مني» في ديوان الوزارة حتى آخر يوم من أيام الملتقى .
أخبار متعلقة