قصة قصيرة
الشمس لبست حجاباً ساتراً من الغبار والسحب .. والرياح تعوي وهي تجري مسرعة في عقدها دون هدى كما لو انها عفاريت تهرب من الموت الزؤام.. والرعود القريبة تكاد تدك الجبال وتنتزع الافئدة .الساعة الان الثالثة عصراً .. الرجال في البيوت يمضغون القات كعادتهم والنساء في صراع مع تيارات الريح وهن يحاولن العودة من الحقول الى منازلهن والاشياء تتطاير في الافاق اصوات من هنا وهناك .. بعضها مستغيث .. وبعضها ينادي اهلاً مازالوا خارج البيوت .. وبعضها يدعو الله ان يمن على الجميع بالغيث..الاستثناء الوحيد في هذه اللحظات كان بيت صالح الجيل .. فمنذ ان بدأ مراسيم الافراح قبل ثلاثة ايام .. بزواج ابنتهم اصبح كأنه يعيش في عالم آخر .. عالم كله فرح .. الحاج صالح ذو السبعين عاماً يقضي معظم اوقاته في النشيد الفرائحي ورقص البرع .. الزغاريد الان تتعالى وتسمع الى اماكن بعيدة .. فيما كان المطر قد بدأ يفرض سلطانه العاصف على المنطقة بكاملها..تعالت اصوات تنادي باغلاق مكبرات الصوت والاجهزة الإلكترونية ياصالح البروق ستدمر القرية ..قال احدهم مخاطباً الحاج صالح وقد بدأ الخوف في وجوه اهل البيت والحاضرين .. دعه يدمر الكون !! نحن اليوم في فرح !!رد صالح وهو يكرر كلامه الاخير » نحن اليوم في فرح« مواصلاً حركاته الراقصة واضاف :- قوموا ياشيوبه ابترعوا ... قوموا !!نظر اليه الحاضرون باستغراب .. ما الذي اصاب الرجل الشائب .. هل يعقل ان يكون مازال شاباً فيرقص كل هذا الرقص ؟! قال احدهم : كلنا نفرح دون شك .. لكن مثل هذا ما رأيت صل على النبي .. ستصيب الرجل بعينكقال شخص اخر .. ثم اتجه الى الحاج صالح :كفاية ياعم صالح !!ابترع ياولدي !! اليوم فرح رد صالح ، وكان المطر قد ازداد شدة .. والسيول تخط طرقها على غير عادتها على صفحة الأرض التي كانت حتى قبل قليل زراعية رامية بالاحجار وجذوع الاشجار على ضفافها .. التفت صالح الى الخارج .. اصفر وجهه .. خطى خطوات سريعة الى جهاز التسجيل ومكبر الصوت .. اطفأهما ثم التفت الى الحاضرين .. الان ستخرج العروس .. اعدوا الموكب للخروج الان مازال مطر وسيولرد احد الحاضرين.سأجعله من الاعراس التي يتذكرها الناس جيلاً بعد جيلهذا لايصلحرد شخص اخر ..لم يأبه صالح .. التفت بوجهه نحو الوادي الذي جرفت السيول معظم صفحة وجهه .. كانت السيول تزداد فظاظة والمطر عنفواناً ..اخذ صالح بندقيته الكلاشنكوف .. صوبها نحو الافاق البعيده .. اطلق زخات طويلة .. تم اعاد الامان الى موقعه .. التفت الى الحاضرين .. الجميع كانوا ينظرون اليه بعيون جاحظة .. ووجوه شاحبة مشفقة ..الآن وقت الموكب .. هي كلمة !!صمت الجميع .. استأذن بالدخول على ابنته قائلاً :يابناتي اريد أن أصور ابنتي بكامرتيسنصورها نحنردت امها ومعها عدد من النساءلاتكثرن الكلام .. اخرجن .. اريد ان اصورها صورة حالية .. رجاء خرجت النسوة بمن فيهن امها من عند العروس وقد ارتسمت عليهن حالة من الذهول ..دخل والدها بابتسامة عريضة.. اغلق باب الحجرة الواقع في بيته المبني من الصفيح وهو يمسك بالكاميرة بيمينه والكلاشنكوف بيساره .. اصفر وجهه .. تم تغير واحمر.. علق الكاميرة على كتفه.. وجه الكلاشنكوف نحو ابنته.. صرخت البنت :يا ابي انت توجه الكلاشنكوف نحوي والكاميرة على عاتقك اصبري عليّ من اجل ان تكون الصورة حاليةيا ابي هذه بندقية لم يأبه لكلامها .. لم تؤثر دموعها وخوفها.. وبسرعة اطلق الرصاص على رأسها .. تم وجه زخات الى اعلى رؤوس الحاضرين .. تطاير الناس الاقارب والاباعد والرجال والنساء والاطفال نحو الخارج حتى لم يبق احد.. ارتفعت الصيحات ان الحاج قد اصيب بالجنون .. نظر في الاشياء حوله .. تحرك بسرعة دخولاً وخروجاً .. عاد مرة اخرى الى ابنته التي كانت قد فارقت الحياة .. كانت الدماء لم تزل تتدفق بغزارة .. وضع كاميرته في يمينه ثم قعد يصورها بحنان جم ومحبة غامرة..