مع ديوان (سحر عدن وفخر اليمن) لعلي أحمد باكثير
د. شهاب غانمعلي أحمد باكثير أديب يمني مصري أو قل أديب عربي ذو شهرة واسعة على امتداد العالم العربي والعالم الإسلامي.ولد باكثير لأبوين يمنيين في إندونيسيا نحو عام 1910م وتوفي في مصر عام 1969م وقد أصدر خلال حياته عشرات المسرحيات الشعرية والنثرية والروايات بل كانت ترجمته لمسرحية شكسبير(روميو وجولييت) عام 1946م بالشعر التفعيلي تعد فتحا جديداً في ذلك الشكل سجد به السياب ونازك الملائكة على الرغم من أنه لم ينشرها الإعلام ولكنه كان قد كتب مسرحية بعنوان (إخناتون ونفرتيتي) أيضاً بالشعر التفعيلي عام 1938 ونشرها عام 1940 وكانت على وزن تفعيلة المتدارك. وكان باكثير قد كتب مسرحية بالعشر العمودي بعنوان (همام) عام 1934 وكانت أولى كتبه:باكثير بدأ شاعراً يكتب القصائد وينشرها في الصحف والمجلات ولكنه لم يصدر ديواناً في حياته.ولكن كان حريصاً على جمع كل ما ينشر وما ينشر عنه ما سهل للدكتور محمد أبوبكر حميد بعد ذلك كتابة أطروحة دكتوراه عنه ثم جمع ونشر بعض مؤلفاته بسنوات طويلة بعد وفاته.ويقسم د. حميد نتاج باكثير من القصائد إلى أربع مجموعات أو مراحل. الأولى هي مرحلة الحضرمية من 1923 إلى 1932 وقد أصدر د. حميد شعر باكثير في تلك المرحلة في ديوان سماه (أزهار الربا في شعر الصبا) ونشره منذ سنوات. وفي العام الماضي نشر ما كتبه باكثير من الشعر في المرحلة الثانية أو المرحلة العدنية التي أمتدت أقل من عام بين 1932 - 1933 في ديوان بعنوان (سحر عدن وفخر اليمن) وهو الديوان الذي سنحدث عنه. أما المرحلة الثالثة فهي المرحلة السعودية بين 1933 و 1934 وهناك مخطوطة من الشعر بعنوان (صبا نحونجد وأنفاس الحجاز) ثم المرحلة الرابعة والأخيرة وهي المرحلة المصرية التي أمتدت من 1934 حتى وفاة باكثير عام 1969 وهناك مخطوطة ضخمة من الشعر الذي كتب في تلك المرحلة بعنوان (وحي ضفاف النيل) رحم الله باكثير ومد في عمر د. حميد وقدره على نشر تراث باكثير.وهناك قصيدة بعنوان نهضة عدن أرتجلها بنادي «الشيخ عثمان» في حفلة التكريم عبدالله بن أحمد بن يحيى العلوي وهو شاعر حضرمي ولد بسنغافورة وتخرج في الأزهر. وقصيدة بعنوان (ماذا في عسير؟) في تأييد الملك عبدالعزيز ويدعوه فيها إلى إقامة تحالف مع إمام اليمن كما في قصيدته (يامن لليل العرب طال).ولكن عند اغتيال إمام اليمن يحيى حميد الدين عام 1948م وقيام الحكومة الدستورية (التي سرعان ما أسقطها الإمام أحمد بن يحيى حميد الدين وقطع رؤوس زعمائها) قال باكثير أثناء قيام الحكومة الدستورية.[c1]ملك يموت وأمة تحيابشرى تكاد تكذب النعيا اليوم تبعث أمة أنفتبني ليعرب قبة علياغفر الإله العاهل بطل صان الحمى حرا ولم يعياما ضره لو قد أضاف إلى حسناته التعمير والإحياإن يبغ أحمد أن يرى ملكاً فليبغ قوماً مثل عمياً[/c]وفي الديوان مساجلة شعرية بينه وبين الأستاذ الشاعر عمر محمد محيرز وقصائد أخرى إلى محمد علي لقمان عندما كان لقمان في بربرة وهرجيسة في الصومال. ومساجلة مع الشاعر أحمد المشهور الحداد في الباخرة التي أقلته من عدن إلى جدة.ومقطوعة يودع فيها عدن.وفي قصيدة (مأساة يهودية أسلمت في عدن) التي كتبها عام 1933 قصة فتاة كانت يهودية فأسلمت وتركت زوجها ولجأت إلى قاضي في الشيخ عثمان ولكن هذا النذل تسلم رشوة من أهلها اليهود وسلمها لهم ليعيدوها قسرا لليهودية! وقد اتصل الأحرار اليمنيون بعد لجوئهم إلى عدن عام 1944 بباكثير عن طريق لقمان ليكتب نشيداً لليمن ولحزبهم الوليد فكتب (نشيد اليمن الخضراء) وعندما وصله نبأ وفاة الإمام أحمد حميد الدين وقيام ثورة (26 سبتمبر) كتب قصيدة (ابتسمي للحياة صنعاء) ومنها:[c1]انزاح عنك البلاء والداء فابتسمي للحياة صنعاءموتي من الموت بيد أنهملكي يذوقوا العذاب أحياءلو استطاع الإمام منعهمالماء لما صح عندهم ماءإمام سوء له زبانيهمن آلة يفعلون ما شاؤوا[/c]وآخر قصيدة في الديوان هي (نشيد دولة الجنوب) التي كتبها بعد رحيل الاستعمار عن الجنوب ويدعو فيها إلى الوحدة اليمنية ومنها:[c1]يادولة الجنوبيا بلسم الجراحفي ظلمة الخطوبأشرقت كالصباحيادولة الجنوبوإن إسرائيل وشيكة الزوالبقاؤها الدخيل في أرضنا محال يادولة الجنوبعيشي مع اليمن في دارة الشرفوالوحدة الثمن والسؤدد والهدفيادولة الجنوب[/c] رحمه الله باكثير واسكنه فسيح جناته.صدر ديوان (سحر عدن وفخر اليمن) عن مكتبة (كنوز المعرفة) بجدة ودار (حضرموت) للدراسات والنشر في المكلا ويقع في 175 صفحة من الحجم المتوسط وبمقدمة طويلة للدكتور محمد أبو بكر حميد ويحوي 46 قصيدة ومقطوعة وكثيراً من المقطوعات لا تتجاوز بضعة أبيات.أولى قصائد الديوان مرثية لشاعر النيل حافظ إبراهيم الذي توفي عام 1932م وتوفي بعده بنفس العام أمير الشعراء أحمد شوقي الذي رثاه بقصيدة مطلعها :[c1]قد كنت أؤثر أن تقول رثائي يا منصف الموتى من الأحياء[/c]أما باكثير فيقول في قصيدة تقليدية:[c1]شعراء الجزيرة أبكوا جميعاًأنتم اليوم ويحكم أيتامإن شككم فيمموا قبلة الشعر تروها وليس فيها الإمامأو فزوروا أميركم تجدوهباكيا عنده العموم ركامقائلاُ أين حافظ؟ أين ولي؟أين خلي الوفي أين الهماملا تقولوا لنا بشوقي غناءعن أخيه فبئس هذا الكلام[/c]والقصيدة الثانية في الديوان بعنوان (دموع عندليب الشام) قصيدة من عشرة أبيات يبدي إعجابه فيها بمرثية لشاعر من الشام لا يذكر اسمه يرثي فيها حافظاً.أما المقطوعات الأربع التالية فهي بكائيات على زوجته التي توفيت في ريعان الشباب بعد زواجه منها بفترة قصيرة وبعد أن رزق منها بطفلة توفيت أيضاً وكان با كثير قد انتظر طويلاً لتحقيق أمله من الزواج من هذه المرأة التي أحبها ورثاها بقصائد في ديوان (أزهار الربا في شعر الصبا) يقول في قصيدة (الحب والموت):[c1]نسف اليأس نفسيبعد موت حبيبيآه أو آه يارباهبرد لهيبيورب فرج هموميرب وأكشف كروبيلا تدعني نهباًبين أيدي الحطوب[/c]وفي قصيدة (الحب والذكرى) يقول:[c1]ولم يسلني إلاشعوري بأننيسألقاك عند الله في خير مستقردفنتم حبيب القلب أو آه ليتكمدفنتم عليا بين هاتيكم الحفرحبيبة قلبي لا تخافي وتحزنيفلا بد من لقيا وإن بعد السفر[/c]وباكثير كما هو واضح عاني صدمة عنيفة من وفاة حبيبته زوجته فغادر حضرموت إلى عدن وقد «أهدى هذا الديوان كما يلي: إلى روح لا أسميها لحقت بباريها وتركتني أرثيها وأبكيها في آلام أعانيها وهموم أقاسيها وهوة من اليأس أتردى فيها.وإلى صديقي الحميم الكاتب العظيم الأستاذ محمد علي إبراهيم لقمان الذي رزقني الله به عافية بعد يأس ورجاء بعد يأس وعزاء بعد حزن وطمأنينة بعد قلق وسكوناً بعد اضطراب أهدي هذه العدنيات تذكار للصداقة والحب. على أحمد باكثير عدن 15 / 3 /1933.وإذا كان باكثير قد ولد عام 1910 فهو أصغر من رجل التنوير اليمني العدني محمد علي لقمان المحامي بأكثر من عشر سنوات وهذا الفارق في العمر مع التقارب الشديد في الهموم الوطنية والقومية والإسلامية والإصلاحية جعلته قريباً من لقمان الذي عطف عليه في محنته بخسارة زوجته وغربته عن حضرموت فآواه وعامله كأخ أصغر ولذلك أحبه باكثير كثيراً وأهداه الديوان مناصفة مع زوجته الراحلة، وكثير من قصائد الديوان موجهة للقمان. ففي قصيدته (يا سيدي لقمان) التي كتبها بعد مرض ألم به وواساه لقمان في مرضه يقول:[c1]وليس سوى حنوك هاج شجوىوما أبديت من عطف ولينذكرت حبيبتي فهمنا بقلبيتذكر تكلم الروح الحنونحبست الدمع حتى جاء خليليمسحه ففاض من الجفون فدم يا سيدي لقمان طباوسلوى للعليل وللحزينفكم فرجت من همي وضيقيوكم كفكفت من دمعي السخين[/c]والمقطوعات الخمس التي تلت تلك القصيدة كلها موجهة إلى لقمان وهي مقطوعات قصيرة من بضعة أبيات.وفي حفلة بنادي الإصلاح الإسلامي العربي بالتواهي وكان رئيسه جدي السيد عبده غانم أرتجل باكثير قصيدة قصيرة منها هذه الأبيات. [c1]يا بني الإصلاح سيروا للأماموليعش ناديكم في كل عام سرني ما شفت في محفلكممن وفاق واتحاد ووئام كل فرد منكم جوهرةنسقت من منتداكم في نظامعدن ثغر جميل ضاحكوبنو الإصلاح في الثغر ابتسام [/c]وكان باكثير قد عانى من الخلافات بين العرب في إندونيسيا وفي حضرموت فأسعده حقاً الوعي الذي رآه في عدن.وهناك قصيدتان يؤيد فيهما الملك عبدالعزيز آل سعود واحدة عنوانها «نشيد يوم العقبة» والثانية عنوانها «يامن لليل العرب طال» وفيهما يهاجم مناوئي الملك ومنهم أبن وفادة وعبدالله بن الحسين ملك الأردن ومن أبيات القصيدة الثانية:[c1]عبدالعزيز بسيفه سيعزز الحرم المطهرسيصونه من معتد ويحوطه من كل منكروسيطرد الأعداء بعسكر من خلف عسكرعبدالعزيز الفارس المغوار والملك المظفرجئت الحجاز فصنته ممن يعيث به ويفجروأقمت فيه الدين من أوهام سطرها مؤجرفأمدد يديك إلى «الإمام» فباتحادكم تحررلاسور غير الاتحاد به جزيرتنا تسوَّرفخر العروبة أنتما إن يبق للعربي مفخر[/c]فمن الواضح إعجاب باكثير بعبدالعزيز آل سعود وحركته في الإصلاح الديني وأيضاً بالإمام يحيى حميد الدين إمام اليمن.تأتي بعد ذلك قصيدتان كتبهما لأبن عمه الشاعر عمر بن محمد باكثير يعبر فيهما عن شوقه لسيئون ولاينسى أن يعرج على قبر حبيبته ويعبر عن خطته للذهاب إلى مصر يقول:[c1]أخي كدت مما سال شعرك رقة أعود إلى سيئون اتبع الشعرىرأيت به شخص الوفاء مجسماوشمت به الأخلاق في صورة غراولكن قصدي صوب مصر لمطلبتبطنته دهراً وبحث به جهرا[/c]وكان اهتمام باكثير بحركة نوادي الإصلاح كبيراً فكتب نشيداً لنادي الإصلاح العربي الإسلامي بمدينة عدن تلبية لمحمد علي لقمان في أغسطس 1932م ثم بعد ذلك بأيام كتب قصيدة بمناسبة تأسيس مدرسة عربية إسلامية بأديس أبابا في الحبشة أنهاها ببيت من أشهر شعره.[c1]مضى زمن الجمود فودعوهووافاكم زمان العاملينازمان ليس يعلو فيه إلاعصامي جرى في السابقيناوإن لنا مواهب سامياتبني الأحقاف أدهشت القروناولو ثقفت يوما حضرميالجاءك آية في النابغينا[/c]وفي نفس الشهر كتب قصيدة من وحي صلح بين حزبين عربيين في جيبوتي بوساطة من العالم الشيخ محمد سالم البيحاني خطيب مسجد العسقلاني بعدن وختم القصيدة قائلاً:[c1]لولا جمود الحضرمي وجهلهبلغت مواهبه به العيوقا[/c]والعيوق هو نجم أحمر بعيد.وعلى ذكر الشيخ البيحاني أذكر هنا أنني عام 1968م حظيت بجلسة رائعة مع باكثير والشيخ البيحاني ووالدي الدكتور محمد عبده غانم رحمهم الله جميعاً وكان ذلك في منزل والدي بخورمكسر أثناء زيارة باكثير الوحيدة لعدن بعد غياب استمر عقوداً في مصر.بعد ذلك تأتي في الديوان قصيدتان تتعلقان بمحمد علي لقمان الأولى بعنوان رسم محمد علي لقمان ونظمها عن صورة لقمان والمتفحص لها يراها قريبة لشعر التفعيلة الذي استعمله بعد ذلك باكثير في مسرحية «روميو وجوليت» ومسرحية «اخناتون ونفر تيتي» يقول في القصيدة التي تخاطب صورة لقمان في نادي الإصلاح:[c1]أيها الرسم تكلمما الذي يمنعك التكلماولماذا تبتسمويك! من علمك التبسماقل لي أم تتعبمن ألوف البسماتأشرق النادي بنوركفغدوت البدر وهو الفلكقل لنا بوركت يا رسم وبوركبشر لاح لنا أم ملك[/c]وكما رحل حافظ إبراهيم وباكثير في عدن، كذلك رحل شوقي في نفس السنة فرثاه باكثير بقصيدة طويلة تقليدية:[c1]لم يقم من ألف عام قد مضىمثل شوقي في بني العرب شعرصافحت من كوة الغيب يدالمتنبي في غيابات العصرفكأن لم يك بين الأحمدينقرون وصروف وغير سلبت حافظها في غرةثم شوقيها بلمح من بصركم تمنيت بأن القاهمافأرى الوالد والعم الأبر[/c]ولاشك أن باكثير كان ينوي عند سفره إلى مصر للعلم أن يزور شوقي وحافظ ولكن القدر كان أسرع وبالفعل وطد باكثير صداقات مع إعلام الأدب في مصر أمثال العقاد ونجيب محفوظ.وهناك قصيدة «صدى قصيدتين» من وحي قصيدة للشاعر الحضرمي محمد حسن بن شهاب وقصيدة للشاعر الحضرمي صالح بن علي الحامد في وصف «جاوا» مسقط رأسه وقصيدة بعنوان «صدى النهضة الحضرمية» حيا بها الرابطة العلوية بسنغافورة وفي الأخير يقول داعياً للنهضة والتجديد:[c1]وبنو الفرنجة سائدون عليكمفعلام يفخر أعبد ومسودأجهلتم يا قوم أن نساءكملهم إماء والرجال عبيدثوبوا إلى القرآن لايصددكمعنه جمود أدهوى وجمودوذروا التقاليد العتيقة إنهاعبء على المتنورين عتيد لاتنكروا التجديد في عاداتكمفالعصر من آياته التجديد[/c]