محمد عبد الفتاحستظل قضية استلاب الوطن الفلسطيني هي قضية فلسطينية بالدرجة الأولى، ولن يغير الواقع الذي تحاول أن تفرضه الصهيونية: باستلاب تراب الوطن الفلسطيني، ونفي شعبه، وتدمير وإلغاء تقاليده، وإلغاء تاريخه الوطني المستقل.. من ذاكرة التاريخ، وذاكرة الشعب والوطن العربي.ورغم أن الظاهر يوحي بأن قوى الصهيونية غاشمة عسكريًّا، ومحمية ومعتمدة على القوى الاستعمارية، فإن التاريخ لا يتوقف كثيرًا أمام "النَّكسات"، أو "النَّكبات" التي تمر بأي شعب من الشعوب، وإنما يعود لتصحيح مساره، إذا هَبَّ هذا الشعب وثار وثابر على استرداد حقه. فالجزائر رغم الاستعمار الفرنسي، الذي استمر أكثر من 131 عامًا تقريبًا، حاول فيه أن يغير من هوية الشعب، وأن يسلبه انتماءه القوي ولغته، لم يجد مفرًّا في النهاية، من أن يحمل عصاه ويرحل، بعد النضال الثوري للشعب الجزائري من أجل استرداد هويته الحقيقية. والصين، لم تضعف، ولم تتهاون في أن تُعيد إلى أحضانها، الأجزاء المستعمرة منها، وهي تستخدم كل الطرق السلمية والحربية المتاحة لها. قضية العرب لذا نظر العرب دائمًا إلى ما يجري داخل الوطن الفلسطيني المحتل، على أن القضية هَمٌّ عربي، وعربية أيضًا بالدرجة الأولى.وقد حمل السلاح الشعب العربي من كل أنحاء الوطن؛ للدفاع عن الوطن الفلسطيني.وبجانب حمل السلاح، فقد ساهم المثقفون، كلٌّ في مجال تخصصه، سواء بالكلمة أم الأغنية، أم بالصورة، في الدفاع والدعوة، والتذكير، بالقضية الفلسطينية. ولم تتأخر السينما العربية، في أن تنقل صورة القضية إلى "المشاهد" في كل مكان.وقد سبق أن تحدثنا عن دور الفيلم التسجيلي في الدفاع عن القضية، وشرح أبعادها وفضح الممارسات القمعية الوحشية التي تمارسها القوة الصهيونية الغاشمة ضد الشعب الفلسطيني داخل أرضه المحتلة.ونتعرض اليوم لصورة هذه القضية من خلال الأفلام الروائية التي قدمتها السينما في مصر، وسوريا، والجزائر.فمنذ الوهلة الأولى، ومنذ عدوان 1948م على الأرض الفلسطينية، ساهمت السينما المصرية، بعدة أفلام لعل من أشهرها في تلك الفترة 1949م - فيلمي "فتاة من فلسطين" و"نادية". سنجد أن الفيلم الأول الذي كتب قصته وأعَدَّ له السيناريو مؤسسة السينما المصرية الفنانة عزيزة أمير، وقامت أيضًا بإنتاجه وبطولته، وأخرجه محمود ذو الفقار.في هذا الفيلم نجد هناك ربطًا بين فلسطين ومصر، باعتبار أن الشعب العربي، وأُسَره لها فروع ممتدة في أكثر من قطر من أقطار الوطن العربي.فهناك أسرة عربية لها فرعان أحدهما في فلسطين والآخر في مصر، وكان طبيعيًّا أن تلجأ ابنة الفرع الفلسطيني إلى أهلها في مصر، بعد أن تعرضت القرية الفلسطينية التي كانت تعيش فيها إلى عدوان وحشي من قِبَل القوات الصهيونية أدى إلى تدمير القرية، وقتل والدَي سَلْمى. وتعيش سلمى في كنف أهل أسرتها في مصر، وتتطوع للعمل كممرضة في جمعية الهلال الأحمر، حيث ترعى وتمرض الجنود، والفدائيين العائدين من الحرب.في نفس الوقت فإن عادل ابن الأسرة المصرية يعمل كضابط طيار في الجيش المصري، يتعرض لإصابة خطيرة، إثر إصابته أثناء سقوط طائرته، في هجومه على تل أبيب. ويعتقد عادل أن إصابته تمنعه من الزواج والحب؛ لذا يبدأ في التباعد عن سلمى التي كانت ترتبط به بعلاقة حب. ولكن سلمى تقنعه بحبها، وارتباط مصيرهما معًا.وفي هذا الفيلم نلاحظ، مدى الارتباط بين الشعب العربي في فلسطين ومصر، وأن لهما جذورًا وأصولاً واحدة. وأن العون والمدد يأتي من الأقارب وأن مصيرهما واحد.وهو ما يعنى الربط بين فلسطين ومصر، وأن المصير مشترك وواحد، وهو ما أكدته بعد ذلك حرب العدوان في 56، 1967. أما فيلم نادية، فقد كان أيضًا من إنتاج عزيزة أمير وبطولتها، عن قصة وسيناريو وحوار يوسف جوهر، وإخراج فطين عبد الوهاب.ويتناول الفيلم أيضًا استشهاد أحد الضباط المصريين في إحدى المعارك مع العدو الصهيوني، واشتراك أخته في العمل الفدائي ضد هذا العدو. ورغم القبض عليها فإنها لا تعترف بأسرار زملائها، وعندما تهرب تجد المساعدة من الراهبات الفلسطينيات. وفي هذا الفيلم أيضًا، نجد دور الجيش المصري في الدفاع عن القضية الفلسطينية وأيضًا الأفراد في التطوع، ليس فقط في الأعمال الإنسانية كالطب، وإنما في العمل الفدائي نفسه، كما نلاحظ دور الراهبات الفلسطينيات في مساعدة الفدائية المصرية، مما يؤكد صلابة العلاقة بين مسيحيي فلسطين والعرب.ورغم أن هذه الأفلام كانت ردًّا سريعًا ومباشرًا على الأحداث، فإنها لم تتعرض بصورة قريبة أو بعيدة للأسباب التي أدت إلى ظهور المشكلة أساسًا أو دور القوى الاستعمارية في خلقها، كما سنلاحظ أن العدو الصهيوني في هذه الأفلام يقوم فقط من خلال آثاره وقوته الغاشمة، وطبيعته الغادرة في قتل الآمنين. وفي عام 1953م يقدم نيازي مصطفى فيلمًا متوسط القيمة، هو "أرض الأبطال"، وهو عن شاب ابن باشا يتطوع في حرب فلسطين، هربًا من مشكلة خاصة به، ولكنه يصاب بالعمى، نتيجة انفجار سلاح فاسد كان في يده أثناء المعركة. ترعاه فتاة فلسطينية، وتربط حياتها بحياته، وينتحر الأب لشعوره بالندم لأنه تسبب في إصابة ابنه، لأنه المُورِّد للسلاح الفاسد للجيش!. والفيلم يهتم بقضية السلاح الفاسد، ويتخذ من حرب فلسطين خلفية له، وإن لم ينسَ الإشارة إلى الارتباط بين القضية الفلسطينية ومصر، من خلال ارتباط الفتاة الفلسطينية والمتطوع!. وأنتجت السينما المصرية الله معنا قصة إحسان عبد القدوس حوار سامي داود إخراج أحمد بدرخان 1955م". وفيه يكتشف ضباط الجيش أن سبب الفساد في الجيش والبلاد، والأسلحة الفاسدة النظام الملكي الموجود في القاهرة، والذي ضحَّى بخيرة شباب الأمة، بتوريد أسلحة فاسدة لهم ضد العدو المسلح بأحدث الأسلحة! وتتولد مجموعة الضباط الأحرار.وتنجح الثورة المصرية في تطهير مصر، ويبقى عليها تطهير فلسطين من العدو الذي اغتصب الأرض ويقبع في نفس الوقت على الحدود معها.ورغم أن الفيلم لم يكن يملك نظرة واضحة ومبلورة إلى الأسباب التي أدت إلى الهزيمة العسكرية الأولى لنا، ولم يهتم بالإشارة إلى دور القوى الاستعمارية، إلا أنه يظل من الأفلام التي حاولت أن تربط الفساد الداخلي، بأسباب الهزيمة على الحدود!. ولعل فيلم "أرض السلام" لكمال الشيخ 1957م قصة حلمي حليم وسيناريو وحوار علي الزرقاني" أول فيلم يقدم الأحداث داخل الأرض الفلسطينية المحتلة، من خلال فدائي ذهب مع زملائه لتدمير مستودعات بترول العدو الصهيوني، ولكنه يصاب، فيجد الحماية من أهالي قرية فلسطينية، ويشترك معه الفدائيون الفلسطينيون في تحقيق الهدف الذي جاء من أجله. وتشتعل المستودعات ويتم تدميرها!. وأهمية الفيلم تأتي من إعلانه، من ضرورة امتزاج العمل الفلسطيني والمصري من أجل تحقيق هدف الانتصار على العدو الصهيوني.تبقى هناك أفلام أخرى تعرضت للقضية الفلسطينية بصورة أو بأخرى "كرُدَّ قلبي الذي أشار إلى الأسلحة الفاسدة ودورها في حرب 1948م على الجيش، مما أدى إلى ظهور جماعة الضباط الأحرار. وكذلك فيلم بور سعيد الذي يتعرض لعدوان 1956م على السويس. ويربط بين القوى الصهيونية، والقوى الاستعمارية، وعودتها مرة ثانية بعد حرب 1948م، لتحاول القضاء على الجيل الثاني من الشعب العربي، بعد أن شردت جزءاً منه في عدوان 1948م. وفي فيلم "القبطان" لسيد سعيد 1997م" الذي تدور أحداثه في مدينة بور سعيد، نرى نزوح عدد كبير من أهالي فلسطين إليها، وارتباط طفل مصري بصديقه الطفل الفلسطيني الذي فقد أسرته. وإزاء تمسكه به، تقبل الأم إعالته رغم ما تعانيه من مشاكل في إعالة نفسها وأولادها!. وهو ما يرمز على أن مصر حملت القضية الفلسطينية، رغم ما تعانيه من مشاكل عن إيمان بوحدة المصير!. ويتناول فيلم "48 ساعة في إسرائيل سيناريو وحوار بسيوني عثمان إخراج نادر جلال 1998م قصة مغامرة لامرأة داخل أرض فلسطين، يخطفها رجال الموساد من أجل الحصول على ميكروفيلم به أسرار عسكرية!. والفيلم تبدأ أحداثه في الوقت الحالي والهدف منه إبراز ذكاء المخابرات المصرية وانتصارها على الموساد، وهو أيضًا ما تعرض له فيلم "إعدام ميت 1985م"، و"بئر الخيانة 1987م" لنفس المخرج.يبقى لنا حديث عن فيلم "فتاة من إسرائيل 1999م"، بعد أن نستعرض ما قدمته السينما السورية.السينما السورية قدمت السينما السورية العديد من الأفلام التي تعرضت لقضية فلسطين منها أفلام "أجراس الخطر" لتيسير عبود، و"فداك يا فلسطين" لأنطوان ريمي، و"ثلاث عمليات داخل فلسطين" إخراج محمد صالح كيالي.ولعل أهم الأفلام الجديرة بالتوقف عندها هي: "رجال تحت الشمس" 1970م، وهو في حقيقته ليس فيلمًا روائيًّا طويلاً، بقدر ما هو ثلاث قصص أو أفلام قصيرة يعد كل منهما فيلمًا قائمًا بذاته يربطها خيط فكري واحد.القصة الأولى: المخاض، إخراج نبيل المالح، وتدور حول عربي يهرب هو وزوجته من بطش الإرهاب الصهيوني أثناء احتلال قريته، وأثناء الهرب يأتي المرأة المخاض، وتضع وليدها بينما تسلم هي الروح، ويحمل الأب ابنه الوليد، ويستكمل مشواره، وكأنه يحمل الأمل بين يديه.القصة الثانية: اللقاء لمروان مؤذن. يدور حول لقاء فدائي فلسطيني بامرأة أوروبية متأثرة بالدعاية والمقولات الصهيونية. من خلال المعايشة، تدرك حجم المغالطات، وتتفهم عدالة القضية الفلسطينية من خلال المشاهدة.والقصة الثالثة من الفيلم: تحمل اسم الميلاد لمحمد شاهين، ويدور الفيلم حول مشكلة شاب يقف حائرًا بين التأييد النظري للمقاومة الشعبية، ورفضه للممارسة العملية لها.ويخرج الشاب من حيرته بانضمامه للمقاومة، واستشهاده، بعد معركة باسلة مع العدو! والفيلم من خلال القصص الثلاث يلقي حجرًا في المياه الراكدة. فهو يدعو الشباب الفلسطيني إلى حمل السلاح، وأنه ليس هناك وقت للمشاكل الخاصة، أو الوقوف بين التأييد والمعارضة للعمل الفلسطيني، كما يهتم بأن نعرض عدالة قضيتنا على الرأي العام العالمي، الذي لو عرف الحقائق لانحاز لنا. وهناك أيضًا فيلم "السكين" 1971م عن قصة غسَّان كنفاني إخراج خالد حماده. يعالج جانبًا من القضية الفلسطينية بشكل غير مباشر. ويحتل فيلم "المُخْدوعون" 1973م إخراج توفيق صالح، عن قصة لغسان كنفاني قمة الأفلام التي تعرضت للقضية الفلسطينية والإنسان الفلسطيني المشرد. الذي يحلم بأن يجد المأوى والأمان. يحلم ثلاثة فلسطينيين بالذهاب إلى دولة الكويت "حيث تُعَدُّ بالنسبة لهم الجنة، التي يجدون فيها المأكل والمشرب، والأمن والأمان. ويتفقون مع سائق سيارة "فنطاس" ليقلهم داخل "الفنطاس" هربًا إلى الكويت عبر الصحراء، ولكنهم يموتون داخل الفنطاس من شدة الحرارة دون بلوغ هدفهم. والفيلم صرخة عالية الصوت، ضد الإهمال والسلبية التي يعامل بها فلسطينيو المنفى. ويأتي فيلم: "كفر قاسم" من إخراج برهان علوية 1974م؛ ليكشف عن الجانب الإرهابي وغير الإنساني للدولة الصهيونية. ويكشف بالوثائق ومن خلال إعادة تمثيل الواقع المذبحة الدامية التي تعرض لها غدرًا سكان قرية كفر قاسم يوم 29/10/1956م. وفي 1976م يأتي فيلم: "الأبطال يولدون مرتين" من إخراج صلاح دهن، حيث يعالج المخرج موضوع الاحتلال الصهيوني لدولة فلسطين، ومقاومة الشعب العربي له. وهو يروي كل هذه الأحداث من خلال وجهة نظر طفل يروي ويرى ما حدث له شخصيًّا مع العدو الصهيوني وهو يحتل أرضه. وأحداث الفيلم تجري بعد عدوان 1967م واحتلال مدينة غزَّة. مساهمات أخرىلم يتوقف الإنتاج السينمائي العربي على مصر وسوريا الذي تبنّى قضية فلسطين فهناك مساهمات للعراق مثل: "الشتاء المر" إخراج شكري جميل. وهناك فيلم قدمته الجزائر بالاشتراك مع منظمة التحرير الفلسطينية هو "سنعود" عام 1972م عن سيناريو: انيافرا نكوس، واقتباس وحوار محمد سليم رياض وأحمد راشدي وإخراج محمد سليم رياض. يدور الفيلم حول تضحية أحد رجال المقاومة، الذي يتظاهر بتسليم نفسه لقائد فرقة العدو التي تحاصر مجموعة من الفدائيين، وعندما يقترب منه القائد يلقي بقنبلة يدوية تُودي بهما معًا، مما يعطي الفرصة لزملائه الفدائيين من الهروب من الحصار المفروض عليهم، نتيجة الذعر والارتباك الذي يسود جيش العدو. فتاة من إسرائيل آخر المساهمات التي قدمتها السينما.. جاءت من السينما المصرية، وهي لأول مرة تقدم فيلمًا يحاول أن يقول: إن السلام لن يأتي، إلا إذا عادت للشعب العربي أرضه المحتلة؛ وهو يعني سوريا ومصر، وجزءاً للسلطة الفلسطينية!! حتى يعود السلام. وهذا الفيلم، رغم نبرته العالية الرافضة، إلا أنه يمثل تراجعًا عن كل الأفلام السابقة التي كانت تنطلق من حق الشعب الفلسطيني في كامل ترابه الوطني!. أما الآن، فإن الاعتراف بالعدو، أصبح حقيقة، ولن يأتي السلام إلا بتصافح الخصمين وهي قضية مغلوطة، تساوي بين السارق والمسروق. والخطأ ليس خطأ السينما، إنما هو خطأ الواقع السياسي للشعب العربي، وتدنِّي قوته إلى حد، إنه لم يَعُد يجرؤ على أن يجاهر بأصل القضية. ولن تعود فلسطين، إلا بنفس الطريقة التي اغتصبت وسلبت بها، يوم ذاك قد تتغير صورة العربي، وتتغير أيضًا صورته على الشاشة.
|
ثقافة
فلسطين.. من منظور السينما العربية!
أخبار متعلقة