محمد المأغوط
الشعر الحر غير شعر التفعيلة ، فنازك الملائكة رائدة الشعر الحديث عندما كتبت قصيدتها (الكوليرا) واعتبرتها من الشعر الحر ، ازال عنها اللبس الشاعر والناقد الفلسطيني جبرا ابراهيم جبرا، وصنف شعرها الجديد بشعر التفعيلة ، لخضوع هذا الشعر لضرورات الوزن .وحتى الشعر الحر، في نظر نقاد الأدب ، يختلف عن قصيدة النثر، فرغم عدم خضوع كليهما ـ الشعر الحر، وشعر النثر ، لوزن أو قافية إلا ان الشعر لايفتأ يحتفظ بالشكل البنائي، فالقصيدة الحرة سطور متلاحقة تشبه قصيدة التفعيلة ، أما قصيدة النثر فلا تخضع لأي قيد على الاطلاق.إعداد/ عمر السبع فللشعر الحر خصائص فنية عديدة ، فالقصيدة الجديدة قصيدة رمزية غير مباشرة في أكثر الاحايين ، والشعر الحر شعر موزون يحوي تفعيلات حتى وان اختلفت التفعيلات في النص الواحد ، فهو لايعتمد على عدد معين من التفعيلات ولا على قافية واحدة .وشعر النثر يخلو من الوزن والقافية والموسيقى الشعرية ، فعلى ماذا يعتمد شعر النثر إذن ليكون شعراً؟!يقول الكاتب التركي عامر ، قصيدتنا العربية المعاصرة تكتب على ثلاثة أشكال ، قصيدة العمود ، قصيدة التفعيلة وقصيدة النثر ، وعلى قصيدة النثر كي تعوضنا عن القافية والوزن الغائبين ان تدهشنا وتبهرنا بصورها الشعرية المجنحة.ففي إحدى امسيات بيروت الشعرية التي يواظب عليها الشاعر السوري الكبير محمد علي سعيد (ادونيس) قرأ أدونيس مقتطفات من باكورة اشعار محمد الماغوط ، وسأل الجمهور لمن يكون هذا الشعر ، فقالوا أنه شعر جميل ومميز ، حينها عرف ادونيس الجمهور بالشاعر محمد الماغوط .ولد محمد الماغوط في السلمية ، محافظة حماة في عام 1934م ، ولم ينه دراسته الثانوية ، ودخل السجن عام 1955م بتهمة الانتماء إلى الحزب السوري القومي الاجتماعي ، وكتب أولى قصائده (القتل) وهو في السجن وخرج إلى بيروت وكان من ضمن الشعراء ادونيس ، ويوسف الخال وانسي الحاج وتوفيق الصائغ الذين شكلوا مجلة (شعر) وعرضوا التجارب الحداثية للشعراء المنتميين لهذا النوع من الشعر ، باعتباره قفزة خارج المفاهيم القائمة ، وأفق جديد يواكب التطور ويحاكي التغير الاجتماعي والانساني باشكاله المتعددة . يقول عنه عباس بيضون: هكذا سار شعر الماغوط كالشائعة وتوزع في الخلق كالحب في الارض ، واثمر في حقله وغير حقله ، لانعرف شعراً رسب في شعرنا بمقدار مافعل شعر الماغوظ ، بل لانعرف شعراً اتسع عن صاحبه حتى حجبه كما فعل شعر الماغوط .كان ديوان محمد الماغوط الأول في عام 1959م عنوانه : ( حزن في ضوء القمر) قد كسر نظام الشعر النمطي والمتعارف عليه ،واثبت احقية شعر النثر في البقاء والشموخ ، ففي حفل تكريم للشاعر وبمناسبة صدور مختاراته الشعرية قال ممدوح عدوان : لم يظهر محمد الماغوط صوتاً في المشهد الشعري العربي في الخمسينيات ، بل انفجر فيه قنبلة فراغية ، ومنذ اصواته الاولى كان شاعراً فاجراً متفجراً . وحتى بيضون يقول عن شعر الماغوط ان قصيدة النثر الحديثة بدأت بمجد الماغوظ مكتملة وناضجة كأنها لاتحتاج إلى تاريخ وان الماغوط وصل إلى دم اللغة وإلى دم الشعر الحي وانه يقشر الكلام ويصل إلى عصارته ولبه النابضين!!والناقد جابر عصفور قال ان الماغوظ الأب الحقيقي لقصيدة النثر بموهبته المتفجرة التي لفتت الانظار إلى تلك القصيدة ، لقد كانت كتابته لها بعد هزيمة 1967م ابلغ الاثر للتعبير عن مشاعر الغضب التي اجتاحت الأمة العربية ،وقصائده رايات للتمرد على الهزيمة .وقال عنه خليل قنديل : لقد كان محمد الماغوط ذو قدرة شعرية متميزة على نطق الشعر بحساسية الاحتكاك المدهش مع الحياة إلى درجة التي بات فيها المضمون الشعري عند الماغوط يسمي الاشياء بطريقة تبدو وكأنها تأخذ توصيفها الشعري لأول مرة.اما نهى دباغ فقالت عن الماغوظ: موهبته ابداعية شامخة امام حزن ساخر وسخرية حزينة حد الفجيعة والغرابة ومن كتابه : ( سأخون وطني) كان هاجسه الاكبر هاجس الحرية ، الحرية التي يرى شاعرنا محمد الماغوط ان العرب لم يجربوها وان فعلوا ستتغير احوالهم ، فتحت عنوان: (مستعمرة الجذام) يقول الماغوط: أيها العرب، واشجار وطيور وسحب وانهار وفراشات .. الخ جربوا الحرية يوماً واحداً لتروا كم هي شعوبكم كبيرة ، وكم هي إسرائيل صغيرة.[c1]يقول الماغوط:يا أهلي يا شعبييا من اطلقتموني كالرصاصة خارج العالمالجوع ينبض في احشائي كالجنينانني أقرض حدودي من الداخللقد نسيت شكل الملعقة وطعم الملحان احشائي مليئة بالقهوة الباردةوهو القائل:أحسد المسمارلان هناك خشباً يضمه ويحميهأغبط حتى الجثث الممزقة في الصحراءلأن هناك غرباناً ترفرف حولهاوتنعق لاجلهاآه يا جديلقد اشتقت للظلم، للإرهاب .. للتعلق بالاغصان ، بالشاحنات للتمسك بأي شيء .. ولو بقضبان السجون[/c]ويقول الماغوط ايضاً:حسناً أيها الشرف لقد هزمتني ولكني لا أجد كل في هذا الشرف مكاناً أنصب عليه راية استسلامي.وقد قيل عن اشعاره انها جاءت من الحياة اكثر مما جاءت من الثقافة والكتب.ومن دواوينه الرائعة (غرفة بملايين الجدران) الصادر في 1960م و(الفرح ليس مهنتي) في عام 1970م وفي المسرح كتب (العصفور الاحدب) ثم (المهرج) و(ضيعة تشرين) و(عربة) و(كاسك يا وطن) كتابه (وطن في وطن) وروايته (الارجوحة). والعديد من المقالات المثيرة للجدل.وتتسم كتاباته بالمضمون السياسي والاجتماعي الحاد النبرة فهو الرافض للاوضاع العربية وأنظمتها السياسية وقصائده الشعرية يكتبها بحرية منفلتة من عقالها.ومحمد الماغوظ قامة ليست في حاجة إلى شهادة من أحد، أو هكذا قال عنه دريد لحام ..حتى جوزف حرب قال عنه: محمد الماغوط مثل فيروز لا أحد يختلف عليه.فهل صحيح كل ما قيل عن محمد الماغوط، أم ان هناك مبالغة في بعض ما قيل عن الشاعر الراحل وعن سحر كتاباته وعجابياتها.تحضرني هنا عبارة قالها صاحب رواية (مائة سنة من العزلة) الروائي جابرييل جارتيا ماركيز والحائز على جائزة نوبل إذ قال : ( ان تجربتي تؤهلني لكتابة رواية جديدة من دون مشكلة، لكن قرائي سيجدون انها ليست من الاعماق).ان عباس بيضون المعجب بكتابات محمد الماغوط والذي قال عنها أنها طرحت على الشعراء تحدياً حقيقياً لم ينتبهوا معه إلى أن لها جلداً آخر.وهو ايضاً القائل: ان محمد الماغوط باربعة كتب فحسب كتب كثيراً حزن في ضوء القمر( (غرفة بملايين الجدران)، (الفرح ليس مهنتي)، و(العصفور الاحدب)، هذه الكتب كانت كلمته الحية، أما الباقي فهو الموت الذي يحيطها.ويبدونان ممدوح عدوان كان مبهماً عندما قال : لقد هجا محمد الماغوط وطنه وهو يمزق ملابسه كاية أرملة ، وأعلن عن رغبته في خيانة وطنه.ولؤي أدم تكلم عن معالم صورة الصعلكة كأن قصيدة الماغوط وهو يعيش انفساخاً وجودياً وتجوفاً كونياً بفعل الواقع الذي يدفعه إلى حياة دونية مجدداً من مسوغات كينونتها ، إنه كائن راضخ باستلاب كلي لصعلكته على شتى مستويات وجوده .وكان الاديب ياسين رفاعية يرى ان ما ينشره الماغوط من نصوص في صحيفة (تشرين) دون المستوى المطلوب، وهو الذي كان يكتب لينجو ، هو الذي كتب بصدق في عصر الكذب السابق واللاحق ، وكتب بشجاعة في عصر الذعر السابق واللاحق.يقول رفاعية رداً على الاخرين : إننا لانقبل النقد من القمة إلى القاعدة ، وإننا لانحمل ان يوجه أحد الينا نقداً ولو كان على حق وتساءل رفاعية لماذا نحن متخلفون إلى هذا الحد .وعموماً فإن محمد الماغوط شاعر كبير، ترك بصماته على الواقع السوري والعربي ، وكتب بحرية قبل وبعد ما طمأنه الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد بأن كتاباته خارج حدود الرقابة ، واحدثت وزارة الثقافة السورية جائزة الشعر باسمه ، ونال قبل مماته بأيام جائزة العويس تقديراً لاثاره الادبية في الساحة العربية ، ولم يكن يلهث خلف الجوائز العالمية فقد قال يوماً : العالمية لاتعنيني وكنت أتمنى ان اظل فتى أمياً يرعى الغنم .. وقال: العالمية لا تعنيني (ليذبح أي لحام زوجته فيصبح عالمياً).[c1]المراجع:[/c]ـ مجلة نزوى، تركيب المتخيل محمد الماغوط / حزن في ضوء القمر/ عبدالقادر الغزالي (باحث من الغرب).ـ جريدة الاسبوع الادبي العدد 985، 10/12/2005م كتب مصطفى علوش بين محمد الماغوط ياسين رفاعية، لماذا يحاولون بناء سواتر ترابية لحماية الماغوط.ـ جريدة الاسبوع الأدبي ، العدد 1001، 8/4/2006محمد الماغوط تحت الغبار، وليد معماري.ـ جريدة الاسبوع الادبي العدد 971، 27/8/2005م، اهكذا يكون النقد النفسي التجريبي .. حول كتاب الماغوط وطن في وطن، للؤي أدم ـ أ. د عبده عبود.جريدة الاسبوع الادبي ، العدد 963، 25/6/2005م ندوة المشهد العربي في سورية ، رصدت الواقع الشعري على مدى 50 عاماً سوزان سوالمة/ النموذج العذابي.ـ جريدة الاسبوع الادبي، العدد 955، 30/4/2005م،عينان زرقاوان، خليل قنديل.ـ ديوان العرب، 27/4/2006م، هكذا يحشو الماغوط مسدسه بالدموع، ممدوح عدوان .ـ جريدة الاسبوع الادبي ، العدد 771، 18/8/2001م الشاعر محمد الماغوط ، ملك الحزن والسخرية ، نهى الدباغ.ـ دار الحياة ، عبده وازن ، ابراهيم حميدي 4/4/2006م الموت المفاجىء الماغوط جالساً على اريكة.ـ دار الحياة 14/4/2006م شهادات.ـ محمد الماغوط : مجنون المدن والعصفور الاحدب / عباس بيضون 4/4/2006م.