ورطة العالم هائلة وخطيرة والخروج من هذه الورطة المعقدة يبدو عسيراً، وتتمثل الورطة في الطلب الحاد على سلعتي النفط والغذاء اللتين ازدادت نار ارتفاع أسعارهما التهابا إلى مستويات لم يشهد لها التاريخ مثيلا من قبل وفي الوقت الذي يزداد فيه ارتفاع أسعار العديد من السلع الأخرى حدة وإذا كان هذا هو حال الحاضر فما هو حال المستقبل يا ترى؟مساء الثلاثاء الماضي الموافق 6 مايو الجاري قفز سعر برميل النفط من الخام الأمريكي قفزته القياسية المطلقة في تاريخ تجارة النفط العالمية إلى سعر 122.73 دولاراً للبرميل مما شجع الكثير من المحللين على القول إن أسعار النفط في طريقها إلى أسعار تتراوح ما بين 150دولاراً و200 دولار للبرميل في ظل استمرار أوضاع السوق النفطية الحالية خلال المستقبل القريب وربما قبل نهاية العام الجاري. وفي الوقت الذي سجل سعر الأرز الهندي أكثر من 3 دولارات للكيلو جرام، وسجلت وما تزال تسجل أسعار العديد من السلع المستوردة مثل مواد البناء ومعدات بناء المشاريع الصناعية وغيرها نسباً متصاعدة في أسعارها زاد بعضها على نسبة 100 %.
صالح الأشقر
ومشكلة ارتفاع معظم السلع تؤكد أن العالم نام طويلا واكتشف متأخرا الورطة الجديدة في النقص المزعج لبعض المواد الضرورية والتي تأتي في مقدمتها المواد الغذائية مما دفع الأمين العام للأمم المتحدة السيد بانكي مون إلى إصدار بيانه المزعج بأن العالم سيواجه مستقبلاً مخيفا من نقص حاد في المواد الغذائية ودعا العالم إلى المزيد من الاستثمارات لإنتاج الحبوب وحذر الدول الغنية من تصنيع الحبوب الغذائية لإنتاج سائل الايثانول الذي يخلط من البنزين كوقود للعربات وغيرها على اعتبار أنه أرخص من النفط في الوقت الراهن. ومن المؤشرات المتلاحقة يبدو أن العالم اكتشف مشكلة نقص الغذاء بعد فوات الاوان واكتشف كذلك ورطته الجديدة المتمثلة بعجز المعروض البترولي مجارة الطلب الحاد وكل ذلك ناتج عن سوء تقدير حول الاستثمارات المناسبة وفي الأوقات المناسبة لإنتاج المزيد من الطاقة البترولية والمنتجات الغذائية والعديد من المنتجات الصناعية حتى يتجنب موجة الأسعار العالمية لمعظم السلع.
زراعة الأرز
المؤسف أن العالم كان على علم ومنذ زمن طويل بالنمو السكاني العالمي الهائل والاحتياجات الكبيرة للسلع التي تلبي احتياجات العالم المتنامية من الغذاء ومستلزمات الصناعات الضرورية ورغم ذلك فإن هذا العالم أهمل الاستثمار لإنتاج المواد الضرورية واتجه لصرف المليارات في تطوير التكنولوجيا وبشكل جنوني لتطوير صناعة الاتصالات الكمالية وكل ذلك لتدشين عصر العولمة وأسواقها المجنونة. والمزعج والمخيف الإعلان المتصاعد على مختلف وسائل الإعلام ان ارتفاع أسعار كل من الطاقة والمواد الغذائية ناتج عن شحهما وعدم وجود ما يسد حاجة العالم منهما وان ارتفاع أسعارهما يأتي في اطار ارتفاع أسعار سلع أخرى شهدت ارتفاعات حادة ومتلاحقة ومنذ سنوات مثل أسعار المعدات ومكونات بناء المشاريع الكبرى في مجالات صناعات النفط والغاز وغيرها من الصناعات الثقيلة. والمشكلة أن العالم دخل العولمة الأمريكية من أوسع أبوابها دون ان يفهم متطلبات هذه العولمة ويستعد لمواجهة متطلباتها الضرورية وبدلا من الاستثمارات في مجال الطاقة والغذاء ظل هذا العالم شبه مرتبك ولم يتحرك للاستثمار بالقدر الكافي في مجالات حيوية تهم العالم. وإذا ما تأكدت المعلومات المتوالية حول شح وندرة العديد من السلع في المستقبل وخاصة الحبوب الزراعية التي تشكل الغذاء الرئيسي للإنسان في العالم فإن المستقبل سيكون شبه مأساوي خاصة في الدول الفقيرة وذات العدد الكبير من السكان والتي سوف تعاني من أوضاع مؤلمة لعدم قدرتها على توفير حاجاتها الغذائية الضرورية وفي الوقت الذي بدأت الدول الغنية تصنيع ما يطلق عليه الوقود الحيوي من الحبوب الغذائية.
التسوق.. هل يقل مع ارتفاع الاسعار؟
وفي إطار هذه الأزمة العالمية.. ترى كيف سيكون المستقبل الغذائي العربي الذي يغوص في مشاكل تزيد من انشغاله وتناقضاته بعيدا عن أدنى مستويات الإنتاج الزراعي أو الصناعي؟ والجواب على ذلك الوضع العربي محبط وفي نفس الوقت مخيف في ظل عدم رؤية واضحة للمستقبل وفي الوقت الذي تزداد فيه الكثير من المشاكل المعقدة والتي يتوقع أن تقف حجر عثرة تجاه أية محاولة للتخفيف من مخاطر مستقبلية ربما تؤدي إلى المجاعات والعطش في وضع ريفي عربي جفت مياهه ونضبت خيراته نتيجة للإهمال منذ عشرات السنين. وكما أشرنا سابقا الريف العربي الذي كان مصدر الخيرات من الماء والغذاء لسكان الريف والمدن معا وبوسائل قديمة هو الان مدمر ومرافقه متهالكة ومنتهية الصلاحية مما اضطر أعداد كبيرة من سكانه تركه والهجرة إلى المدن لمضاعفة مشاكل وأعباء المدن الخدماتية والحياتية. والمثير للتساؤل والدهشة أن المسؤولين العرب يظلون صامتين عن عللهم وقضايها المهمة حتى يتطرق إليها الأجانب وبعد ذلك تعال وأسمع ضجة التصريحات حول هذا الموضوع الخطير ولكن لفترة معينة حتى يسكت الأجانب فسيكون معهم إلى أجل غير مسمى ولا يمانعون أو يترددون في الأيام العادية أن يصفوا الأوضاع كافة بأنها عشرة على عشرة وعلى خير ما يرام رغم الأوضاع المزرية التي تظهر علينا بين فترة وأخرى عبر القنوات الفضائية. والمضحك الصحوة الأخيرة بين المسؤولين في العالم العربي بعد سماعهم عبر الإعلام عن أخطار المستقبل حول أهمية تطوير الأرياف زراعيا وحيوانيا ومائيا لتلبية متطلبات المستقبل الغذائي من خلال الاستغلال المكثف والسريع وقبل وقوع الكارثة خاصة في بلاد سلة الغذاء العربي «السودان» التي كانت هذه السلة ضمن مقراراتنا الدراسية في المرحلة الابتدائية منذ زمن طويل. * عن / صحيفة ( الشرق) القطرية