ميرا الكعبي في الوقت الذي تم فيه تعيين أول قاضية في المغرب "أمينة عبد الرزاق" منذ ستينيات القرن الماضي، يأتي تعيين أول قاضية على مستوى الخليج "منى الكواري" في محكمة الأحداث البحرينية والذي أعقبه تعيين وكيلة للنيابة العامة "أمنية عيسى" ممثلاً للادعاء العام في ذات المحكمة منذ منتصف السنة الماضية، وما بين هذين الوقتين مازالت قضية عمل المرأة في السلك القضائي باختلاف وظائفه محل خلاف وجدال على المستوى العربي وخصوصاً في السعودية. في البداية حينما أكتب عن القضاء أود أن أطمئن المناهضين أن ذلك لن يتم بين يوم وليلة بعصا سحرية أو تعويذة علي بابا "افتح يا سمسم!"، فمن المعروف كي يصبح الإنسان مؤهلاً للعمل في القضاء يشترط منه سنوات عمل وخبرة طويلة في ذات المجال، وهذا ما نفتقر إليه على مستوى الواقع العملي التطبيقي في السعودية بالنسبة للفتيات، حيث لا يوجد (قانون) ينظم عملهن في المحاماة علاوة على القضاء، وإن كنت أنظر بتفاؤل إلى وزارة العدل. ثانياً والأهم كي يصبح القاضي قاضياً فذلك لا يأتي من فراغ بل يمر عبر سلسلة إجراءات صارمة، منها الاختبارات والتحريات التي تبحث في سيرة المرشح للعمل في القضاء وخلو سجله المدني والجنائي من أي جرائم مخلة بالشرف أو الأمانة، بالإضافة إلى الخبرة العملية الطويلة والمؤهلات الأكاديمية. مما يعني أنه لا يلقاها إلا ذو حظ عظيم، فمن يستطع أن يصل إلى هذا المستوى سواء كان رجلاً أو امرأة فهو يستحق جزيل التقدير ونسأل الله أن يلهمه الرشد والصواب والمعونة في عمله.حينما نكتب فإن ذلك من باب طرح موضوع للنقاش ولإثراء الحوار الفكري، وليس من باب ادعاء احتكار الحقيقة، لذا يدهشني حينما يظن البعض أن تقنين الأحكام والقواعد الفقهية ووضعها في كتاب يطلق عليه قانوناً ليسهل الرجوع إليه من القضاة والمحامين والقانونيين والمختصين والطلبة لا يعتبر قضاءاً شرعياً! فالتقنين هو وسيلة مساعدة للرجوع إلى ثروة فقهية كبيرة وضعها لنا علماء وأئمة عظام على مختلف العصور، فمن غير المعقول ألا يوجد حتى الآن قانون مقنن يرجع إليه القضاة والمختصون لتسيير عملهم القضائي. ولكي أدلل على ذلك فهناك مجلة الأحكام العدلية التي صدرت في عهد الدولة العثمانية، وهي بمثابة أول تقنين لقواعد الفقه الإسلامي، كما اقتبس منها لاحقاً القانون الفرنسي بعضاً من قواعد المعاملات المالية في عهد نابليون بونابرت. أما في الوقت الحاضر فإن معظم القوانين في الدول العربية تنص على أن مصدرها الشريعة الإسلامية. نشرت قبل مدة صحيفة "نيويورك تايمز" تقريراً تناقلته بعدئذ وسائل الإعلام العربية مفاده أن مفكراً بريطانياً وباحثاً سنياً في مركز أكسفورد للدراسات الإسلامية في بريطانيا قد وضع معجماً للسيرة الذاتية للنساء الفقيهات في الحديث، ويقول محمد أكرم ندوي: "إنه ظن بأنه سيعثر في بداية بحثه قبل 8 سنوات على 20 أو 30 امرأة فقط، لكنه حتى الآن تمكن من العثور على 8000 منهن، ويعود بعضهن إلى ما قبل 1400 سنة. وقاموسه الآن يحتل 20 جزءاً بدلاً مما خطط له والمتمثل بجزء واحد. ويتضمن المعجم اسماً لقاضية من بغداد عاشت خلال القرن الـ10 الميلادي. وهناك عالمة دين أخرى متخصصة في الحديث عاشت في القرن الثاني عشر في مصر، وكان تلامذتها الرجال معجبين جدا بما حققته من دراسة كتب تساوي حمل جمل، وهناك أخرى عاشت في القرن الخامس عشر كانت قد درّست الحديث في المدينة المنورة. وهناك أخرى من المدينة المنورة وصلت في القرن السابع إلى أعلى مرتبة أكاديمية باعتبارها فقيهة تصدر الفتاوى حول الحج والتجارة.وأخرى كانت فقيهة في حلب خلال القرون الوسطى وهي لم تكن تصدر الفتاوى فقط بل كانت تنصح زوجها الفقيه بما يتعلق بفتاواه". والمفارقة الكبرى أن محمد أكرم لم يجد حتى الآن دار نشر عربية تنشر معجمه! في حين سيتم إصدار نسخة مترجمة ومختصرة من هذا المعجم باللغة الإنجليزية في الصيف المقبل. كي ندرك كم أننا أمة تجيد دفن تراثها وإرثها وتاريخها![c1]* نقلا عن صحيفة "الوطن" السعودية[/c]
القضاء مرة أخرى
أخبار متعلقة