مبدعون في الذاكرة
[c1]أنا أديت رسالتي الفنية .. وتكريمي الحقيقي مواصلة الأجيال لهذه الرسالة [/c]لقاء / محمد حمود أحمد كنت أدرك مسبقاً أن الدخول إلى عالم الموسيقار يحيى مكي ، مغامرة محفوفة بالعديد من احتمالات النجاح والإخفاق ، خصوصاً أن الرجل قد ابتعد عن الأضواء وركن إلى الهدوء والانعزال في السنوات الأخيرة بسبب عوامل عديدة وحين فكرت في إجراء هذا الحديث معه كان لابد من حشد عدد وافر من الأسئلة التي تساعد على رسم معالم وملامح شخصية يحيى مكي .. كعلم بارز من أعلام الموسيقى اليمنيين القلائل والرواد منهم بتعبير أدق .. وهو على حد تعبير أستاذنا القدير خالد صوري ، أستاذ الدراسات الموسيقية بجامعة ( عدن أستاذ الجيل ) وكان آخر ظهور للموسيقار يحيى مكي في الحياة الفنية قبل أربعة أعوام وبالتحديد في نوفمبر 1995م حين اعد القصيدة الملحمية الرائعة والخالدة للطفي جعفر أمان ( في موكب الثورة ) في اوبريت غنائي شارك فيه عدد من الفنانين احتفاء بذكرى الاستقلال المجيد والتوقيع على الاتفاقية التاريخية لتوحيد الوطن اليمني وذلك أثناء انعقاد مهرجان الصهاريج الأول للفنون . [c1]أستاذنا يحيى مكي اسمح لي في البدء أن اعبر عن سعادتي الغامرة وأنا أتحدث إليكم وان انقل هذا الحديث عبر الصفحة الفنية إلى كل الناس الذين يحملون لك في نفوسهم أعلى مكانة وحبا وتقديراً ويسعدهم أن تتحدث إليهم .. وأنا اجري معك هذا الحديث إنما أجريه بدافع الكتابة عن رائد من رواد نهضتنا الموسيقية وواحد من التربويين الإجلاء الذين من واجبنا أن نسلط المزيد من الأضواء عليهم وننشر سيرتهم وقصة كفاحهم للأجيال الجديدة فهم جزء من تاريخنا الذي لابد أن ندرسه ونتعلم منه ونعلمه للأجيال .. فإذا رحلنا معكم إلى البدايات ماذا يمكنكم القول بصدد البدايات ؟ [/c]- أنا من مواليد 1930م وكانت بدايتي مع مدرسة بازرعة التي درست فيها مراحل الدراسة الأولى وتكونت لدي ميول موسيقية منذ الصبا الباكر .. ففي السنوات المبكرة كنا نولي الدرس والقراءة كل الاهتمام .. وكان والدي وأسرتي يعطون للتعليم اهتماماً كبيراً على الرغم من الظروف الصعبة لتلك الفترة .. وعندما اكتشفت في نفسي تلك الميول الموسيقية كان لابد أن أخوض الى جانب الدراسة كفاحا آخر مع النفس لتنمية تلك الميول بالمران والتدريب تعلم المستمر كأي شخص يدخل هذا المجال الصعب .. فهو يحتاج إلى جانب الموهبة والرغبة إلى الاطلاع والتعلم على أصول الموسيقى والعزف على الآلات الموسيقية . الموسيقى علم يدرس بالإضافة إلى أنه موهبة وفن .. وهذه القناعة الثابتة التي تكونت لدي منذ الصغر قد دفعتني إلى الاجتهاد وتر سخت أكثر في حياتي اللاحقة حيث اتجهت إلى التدريس وتعليم الموسيقى لجيل من الشباب الذين لمست فيهم تلك البذور الطيبة والمواهب الناشئة التي قدرت أنها يمكن أن تنمو وتتطور بالرعاية والاهتمام والدراسة والتدريب. وهكذا كانت بدايتي الفنية أساسا من المدرسة وفي الحقيقة لم أكن ميالاً للغناء إلى الحد الذي اطمح معه بأن أكون فناناً في يوم من الأيام .. أي أنني لم أكن اغني رسمياً كفنان مطرب .. ولكني بحكم متطلبات مهنة التدريس كنت اغني وأؤدي المقطوعات الموسيقية أمام الطلبة كي يفهموا الطرق والأساليب الصحيحة والسليمة التي يجب أن يتبعوها للأداء الصحيح والسليم إما تعليم النوتة الموسيقية فقد بدأت به في إعدادية المعلا . [c1]* أستاذنا يحيى مكي .. ولكن كما نعرف كانت هناك تسجيلات غنائية لكم ولازالت هذه التسجيلات موجودة إلى اليوم وبصوتك في إذاعة عدن تبث بين حين وآخر وهي أغان من ألحانك وأدائك ؟ [/c]-.. نعم هناك تسجيلات .. ولكنها قليلة ، وكان اهتمامي منصباً على اكتشاف الأصوات الغنائية ورعايتها وتقديم الأصوات الغنائية ورعايتها وتقديم الألحان المناسبة لها .. ووفقت بفضل الله في تقديم عدد من الفنانين إلى حياة الطرب والغناء والموسيقى .[c1]* مع حديث الذكريات الجميلة هذه أستاذ يحيى مكي هل يمكن أنت تتذكروا حكايتكم مع أول أغنية هل غنيتها أو كانت من ألحانك .. أي هل كانت بصوتك أو صوت فنان آخر ؟[/c]- أول لحن كان لي ومن تأليفي موسيقياً هو ( الحنين إلى الماضي ) وهو أغنية من كلمات الأستاذ المرحوم / عوض عمر شماخ ، وهو من حضرموت كان مقيماً في عدن ، وفي تلك الفترة تعرفت على هذا الشاعر فقد كان اختلاطي بالحضارم سائداً أكثر في تلك الفترة وقد سجلت هذه الأغنية ، لحناً وأداء ، بصوتي ثم غناها فيما بعد الفنان محمد سعد عبدالله .[c1]* هل يمكن ان تتذكر بعض كلمات تلك الأغنية .. وهل مازالت مسجلة بصوت كل منكما إلى اليوم ؟عتقد نعم وتقول كلماتها :أناديك بالعهد لا تهجري وبالحب يا الفي لا تكفري وهتني جروح النوى أنظري جفاني الكرى وضناني الحنين كفى ما ألاقيه ألا ترحمين ؟[/c][c1]* امدى صحة القول بأنك من اكتشف صوت الهمشري وأعطاه لقبه الشهير به إلى اليوم ؟[/c]- نعم هذا صحيح فهو من الفنانين الذين اكتشفتهم ومنحتهم تشجيعي وألحاني وكان اسمه ( محمد صالح علي ) وأطلقت أنا عليه اسمه الفني الهمشري وكانت أول أغنية يغنيها من ألحاني. [c1]* هل تتذكر بعضاً من كلماتها أستاذ يحيى ؟خايف أحبك من يوم ما شفتك قلبي انشغل بك حاولت أشاغلك وخفت أحبك خايف يعود لي الحب ثاني بدموع وشجون وتحبني وترجع تنساني وتغدر وتخون علشان كده لما شفتك وشغلني قلبي ليالي بك خايف أحبك [/c][c1]* أستاذ يحيى مكي مع من ايضاً من الفنانين تعاملتم في هذه المرحلة [/c]- غنى لي ايضاً محمد عبده سعد أذكر منها كلمة أحبك وتقول : [c1]داري عيونك ايش فيها وايش مرادها ومعانيها كلمة أحبك لاتخبيها أنا من زمان عايش فيها ذي عندي أجمل كلمة كلمة أحبك ياما سهرت أنا أحلم بك وأناجي بالأشواق طيفك ولما ألاقي نفسي جنبك أسوي نفسي ما شوفك وأتمنى منك كلمة كلمة أحبك [/c]وهاتان الأغنيتان الأخيرتان كانتا من كلمات الشاعر لطفي جعفر أمان وكذلك غنى لي ايضاً احمد قاسم وهو موظف في طيران اليمنية وهؤلاء بالإضافة إلى ياسين فارع وابوبكر فارع وغيرهم كانوا أعضاء في فرقة بازرعة التي أنشأها لرعاية المواهب الناشئة والتدريس للموسيقى .[c1]* أستاذ يحيى مكي .. أذكر من ألحانك الجميلة أغنية تقول كلماتها :يا ريت ما كان إللي كان ولا عرفتك من زمان ولا هويتك يا فلان يا من خدع قلبي وخان [/c][c1] سجلتها بصوتك أو من الفنانين أداها ؟[/c]- هي من ألحاني وقد سجلتها بصوتي لإذاعة عدن ثم غناها بعدي الفنان محمد سعيد منصر .[c1]* أستاذ يحيى مكي لاشك أنكم اقتحمتم مجال التدريس للموسيقى بهذا القدر من الهمة والجهود المتواصلة وأسهمتهم في تقديم أصوات غنائية عديدة إلى الساحة الفنية فما هي العوامل التي ساعدتكم في ذلك المشوار مع الموسيقى ؟[/c]- يحيى مكي : أشرت في حديثي معكم بأن اهتمامي وميولي الموسيقية بدأ معي منذ الصبا وأذكر ان البداية كانت منذ أن كان عمري بين 14 - 15 سنة عندما جاءنا إلى عدن مدرس للموسيقى اسمه ( علي اليتيم ) ولذلك قصة فقد زار الإمام أحمد عدن وكانت النشاطات الأهلية فيها واضحة وخصوصاً الفنية وأرسل هذا المدرس الينا ليدرس لنا الموسيقى .. وعلي اليتيم هو أول من شجعني واحتضنني والذي شجعه على احتضاني هو عزفي الجيد على الترومبيت وهي أول آلة بدأت العزف عليها .. وهي من الآلات الأساسية للموسيقى العسكرية وهذا ايضاً هو ما جعلني ارتبط لفترة طويلة بالموسيقى العسكرية .[c1]* بالمناسبة أستاذ يحيى مكي ماهي الأعمال التي قدمتها في هذا المجال ؟[/c]- قدمت عدداً من الإعمال بالإضافة إلى رعاية وتدريب عدد من العازفين الموسيقيين ، وأذكر أن الأستاذ الشاعر محمد سعيد جرادة رحمه الله أعطاني كلمات أغنية وطنية ( مارد الثورة الظافرة ) ولحنتها وقدمتها مباشرة بعد الاستقلال الوطني ثم قدمت فيما بعد نشيد الشباب وهو من كلمات الشاعر يوسف مهيوب سلطان ، هناك عدد أخر من الأعمال لا اتذكرها الآن .[c1]يحيى مكي وأحمد قاسم[/c][c1]* أستاذ يحيى مكي .. الفنان اليمني المعروف والموسيقار أحمد بن أحمد قاسم كان على رأس أولئك الفنانين الذين تتلمذوا على يديك وكان لكم فيما أعرف الفضل الأول في اكتشافه .. وحرصت على أن يكون في حديثي معكم محور خاص حول قصة الفنان أحمد بن أحمد قاسم مع الأستاذ يحيى مكي .. فماذا تقول عن أحمد قاسم ؟[/c]- كان أحمد قاسم عضواً في فرقة بازرعة ومن ضمن مجموع الفنانين الآخرين تحت رعايتي وكان فناناً موهوباً منذ البدء وقد تدرب على العزف على آلة الترومبيت واكتشفت أن لديه إمكانية وإجادة في العزف على هذه الآلة المحببة إلى نفسي .. فأوليته عنايتي الخاصة في التدريب والتمرين إلى درجة أنني عملت على اجراء عملية جراحية له في أسنانه خصوصاً لهذا الغرض .. مما ساعده إلى حد كبير على إجادة العزف على الترومبيت وقد نال إعجابي الكبير وكرست له جهدي فقد كان ينبئ بميلاد فنان حقيقي وكان في المدرسة حينها في ذلك الوقت فرقة تمثيل وكنا بحاجة إلى مغني أثناء المسرحيات .. فدفعت به إلى الغناء ففي صوته جمال نغمي واضح .. وبدأ أحمد يغني خلال هذه المسرحيات والتمثيليات .. وبعدها بدأت في تعليمه العزف عليها .. واعتقد أن أحمد قاسم أصبح من العازفين القلائل المجيدين على آلة العود ليس على مستوى اليمن بل ونال إعجاباً كبيراً على المستوى العربي وأذكر هنا إعجاب الموسيقار فريد الأطرش به حينما زار عدن في الخمسينات .[c1]* أستاذ يحيى مكي : لقد أنشأ أحمد قاسم فرقتة] التجديدية عام 1953م وذلك من خلال قراءتنا لبطاقات العضوية للفرقة التجديدية والموجودة إلى اليوم في مركز حنبلة للتوثيق وفي إرشيف شاعرنا الكبير إدريس حنبلة وكان عمر أحمد قاسم حينها 19 عاماً ترى ما هو دوركم مع الفرقة التجديدية لأحمد قاسم ؟[/c]- كما أشرت سابقاً كان أحمد قاسم عضواً في فرقة بازرعة ونشأ فنياً فيها ، وكان شاباً طموحاً عمل على تطوير نفسه وقدراته الموسيقية ، وكان أحمد يتطور بسرعة حثيثة ، وهو محب للموسيقى ودراستها كعلم وكتطبيق وهذا ما جعله يتطور لأن لديه لهذا التطور وذهب للدراسة من أجل تنمية مواهبه وقدراته وأود الإشارة هنا إلى أن فرقة مدرسة بازرعة عندما تأسست تعرضت أيام حكم الاستعمار البريطاني لمحاولات ( فركشتها ) أو القضاء على نشاطها ، ولكنها استمرت على الرغم من ذلك في نشاطها المتقطع ، وواصلت رسالتها الفنية والموسيقية ، وأحمد قاسم عندما أنشأ فرقته التجديدية حينها كنت أدرس في الخارج ولم أكن موجوداً في البلد ، ومن الطبيعي أن أدعمه وأشجع مشروعه الطموح وقد نجح أحمد قاسم وأنا فخور بهذا النجاح .[c1]* هل لكم أستاذ يحيى بتسليط مزيد من الأضواء على دراستكم في مجال الموسيقى ؟[/c]- سافرت في تلك الفترة .. الخمسينات بالتحديد إلى بريطانيا للدراسة في مجال الموسيقى العسكرية وكانت في الواقع كتطبيق عملي وخبرات وليست دراسة أكاديمية ، وقد مكثت هناك أربع سنوات تقريباً.[c1]* وهل واصلتم الدراسة فيما بعد؟ [/c]- نعم بعد الاستقلال أرسلت إلى الاتحاد السوفيتي ومنه إلى المجر في مجال الموسيقى العسكرية ومكثت سنة في كل منهما ، وذلك بعد أن عملت النشيد الذي أشرت إليه من كلمات الأستاذ محمد سعيد جرادة ، وذلك كتكريم من قبل السفارة المجرية وبمبادرة شخصية من السفير المجري. وقد عدت بعدها للعمل في المدارس مرة أخرى حيث تم تعييني بعد عودتي من المجر في قطاع التربية والتعليم وفي مجال التوجيه الفني في حقل التدريس لمادة الموسيقى إلى جانب نشاطي مع الموسيقى العسكرية .[c1]* أستاذ يحيى وهل استمر نشاطك مع التلحين أو توقف بعد هذه الفترة ؟[/c]- حيى مكي : نشاطي كان معظمه في مجال الموسيقى العسكرية وفي مجال التربية الموسيقية في المدارس ، وهذه الأخيرة رسالتي في الحياة وكرست حياتي من أجلها فمواصلة تربية وإعداد جيل الموسيقيين الجدد يبدأ من المدرسة ، فهي الأساس وهي التي تدفع بالدماء الجديدة إلى المعاهد الموسيقية وإلى الحياة الفنية في المستقبل .[c1]التوقف وأسبابه [/c][c1]* أستاذ يحيى مكي أن توقف نشاطكم في مجال التلحين الغنائي لفترة طويلة مثل خسارة كبيرة لفن الغناء .. ترى ماهي أسباب توقفكم وهل ما قيل صحيح حول تأليفك لموسيقى الأخبار الرئيسية في التلفزيون ، وفوزكم في المسابقة ، ولكن على الرغم من ذلك تم اعتماد لحن أخر لموسيقى الأخبار .. أو هناك أسباب أخرى ؟[/c]- موسيقى الأخبار .. كان من ضمن الأسباب فقد وضعت لحنا لموسيقى الأخبار بعد الاستقلال للتلفزيون وكان من تأليفي وقد فاز في المسابقة ، ولكني فوجئت بأنهم اعتمدوا لحنا آخر ، واللحن كان للفنان عبدالقادر جمعة خان .[c1]* هل سبق وأن كرمتم من قبل الدولة ؟ وكيف تنظرون إلى مسألة تكريم المبدعين ؟[/c]- كان التكريم في عيد العلم على ما أذكر ، وفي حياتي وخلال رسالتي الفنية لم أنتظر التكريم ولم يكن في حسباني ولا اسعى إليه ، أنا أديت رسالة خلال مسيرة حياتي ، وتكريمي الحقيقي هو مواصلة رسالتي للأجيال ، ولا أود أن أتحدث في هذا الموضوع أكثر من ذلك .هذا ما قاله لي يحيى مكي الأستاذ وموسيقار الجيل ، وقد شكرني وودعته وفي عينيه نظرة تأمل عميقة تشي بمعاناة كان لحالته الصحية فيها نصيب إضافة إلى حديث الذكريات وما بذله من جهد أثناء الحديث ، أطال الله في عمره ولم يبخل علي بابتسامته ود على الرغم من إحساسي بأنني في الأخير ( قلبت عليه المواجع ) فيما لايريد الخوض فيه إن صح هذا التعبير.