مع الأحداث
تزداد ديوان العالم المتقدم على العالم المتخلف عاماً بعد عام وهناك العديد من الدول الفقيرة التي تكاد جميع صادراتها لا تغطي أعباء الديون الخارجية . وتبدو البلدان النامية وهي تستنجد بالبلدان الرأسمالية الكبرى كالمستجير من الرمضاء بالنار , فهي تحاول إطفاء الحريق بصب المزيد من الزيت عليه ذلك أن الدول الرأسمالية المتقدمة نفسها غارقة في مشكلاتها مثل انخفاض التشغيل وتدني معدل النمو وتضخم الأنفاق العسكري وارتفاع العجز في الميزانية الحكومية وفي ميزان المدفوعات، وبالتالي فإن هذه البلدان تنظر إلى العالم الثالث كاحتياطي ضخم لتصريف أزماتها وتصديرها إليه، وتتحول قضية التنمية في ظل هذه الظروف إلى طريق مسدود.وكان من أهم مظاهر الأزمة الإقتصادية الرأسمالية العالمية فيض كبير في الطاقات والمنتجات في نواحي معينة ( الصناعات التحويلية ) ونقص خطير في منتجات قطاعات أخرى ( المواد الخام ) . وظهر ذلك في ارتفاع الأسعار الذي يشكل أهم مظاهر التضخم النقدي في النظام الإقتصادي العالمي . ولما كانت الدول النامية لاتملك غالباً إلا سلعة وحيدة أو عددا قليلا من السلع التصديرية فقد وجدت نفسها شبه معزوله في مواجهة أمواج الأزمة القادمة باتجاهها من الغرب . ولم يكن هناك بد من أن تدافع عن نفسها بسلاحها الوحيد وهو رفع أسعار صادراتها بشكل يؤدي إلى إلغاء ظاهرة التبادل غير المتكافىء وتوفير الوسائل الضرورية للتنمية وتسريع القضاء على التخلف الإقتصادي والإجتماعي . ولاشك أن الاختلال الشديد في أسواق المواد الأولية بين العرض والطلب العالميين أدى إلى إرتفاع مفاجىء في أسعار هذه المواد وموارد البلد المصدرة لها فنشأت ظاهرة الفائض المالي نتيجة لظروف القدرة الإستيعابية لاقتصاد هذه البلدان للثروات الجديدة . وغابت عن الأنظار في كثير من الأحيان حقيقتان الأولى هي أن هذه الثروة لم تكن ثمرة طاقة إنتاجية حقيقية بل استنزاف لثروة ناضبة خلال سنوات قليلة ولا تعوض بعدها والثانية هي أن المال بحد ذاته ليس ثروة حقيقية إلا إذا تجسدت في قدرات إنتاجية مادية (صناعية-زراعية)وبشرية وهذا ما يتطلب تحقيق تنمية سريعة تدفع بدورها من الطاقة الاستيعابية للاقتصاد الوطني وتختفي ظاهرة الفوائض المالية.*ولكن للانخفاض المستمر للدولار لا يمكن أن يخدم لوحده هنا الغرض لأنه يصرف الآخرين عن التعامل به كلياً،لذلك فِإن الولايات المتحدة تلجأ إلى توزيع الأدوار بين الدولار كمستودع للقيمة وبين بدائله الأخرى،وبالأخص الذهب والأوراق المالية الأمريكية بالإضافة إلى العملات القوية الأخرى.*إلا أن اللعبة أصبحت مكشوفة ولم يعد أحد يقبل بأقل من المشاركة الكاملة على أساس المصلحة المشتركة لجميع الشعوب فالدولار،مهما ارتفعت أسعاره بوسائل مصطنعه،من نوع رفع أسعار الفائدة لتخفيض بدائله الأخرى مؤقتاً،لم يعد إلا ورقاً يفتقر إلى الضمانة الكافية،ولم تعد شعوب العالم تقبل بهدر ثروات تنتجها بعرقها،محدودة بطبيعتها،بطوقان لاحد له من الورق الأخضر الذي لا يمكن أن ينبت قمحاً ولا يصنع دواء.* لقد أثبت الوقائع التاريخية أنه لا ضمانة لمال أو ثروة إلا في بلادها وأن المال بحد ذاته يعتبر أسوأ أشكال الثروة،بينما أثبتت الدول الأخرى التي ذهبت إلى تطوير الصناعة والزراعة وتنمية المجتمع،وتحسين إدارته،واستثمار الموارد بأن الإنسان المتطور،والمجتمع المتقدم،هو أصل كل ثروة،ومصدر الثراء الدائم.*لذلك كله ليس أمام الفوائض المالية الحربية إلا الأرض والإنسان العربي،والمجتمع العربي،مكأنا أمثل للاستثمار،وضمانة للمستقبل.