بداية أعتقد أن غياب الشاعر العربي الكبير محمود درويش، لم يكن خسارة للشعر العربي فحسب، بل كان كذلك خسارة للشعر الإنساني كله، فقد كان محمود شاعرا عربيا إنسانيا في شعره وفي مواقفه. وعظمة هذا الشاعر الكبير تتجلى في أنه كان شاعرا بكل ما في الكلمة من معان إبداعية وأخلاقية، فقد كان شاعرا في سلوكه وفي طريقة تعامله، قبل أن يكون شاعرا في كتابة القصيدة في أرقى مستوياتها، موقفا وفنا. لم يحاول محمود في أي يوم من الأيام، أن يخوض فيما خاض فيه الآخرون، من خلافات وافتعال لمعارك وهمية، لذلك فقد احتفظ بمكانته في القلوب، شاعرا وإنسانا، واستطاع أن يكون مدرسة قائمة بذاتها في حياتنا الأدبية. عرفته في بداية السبعينيات، واستمرت علاقتي الحميمة به حتى الآن. كان دائم السؤال عن أصدقائه، أكثر مما يسألون عنه، لا يكف عن مهاتفتهم والسؤال عن أحوالهم، وتلك ميزة نادرة من الكبار.لم يمت محمود وإنما ماتت همومه وآلامه التي تصاعدت في الآونة الأخيرة، جراء ما يحدث بين الأهل من اقتتال لا مبرر له سوى الجري المحموم وراء سلطة موهومة، ووعود تتبخر كالدخان في الهواء أو كالسراب في الصحراء. محمود أيها الشاعر الإنسان سلام عليك، وستظل بيننا وفي حياة أمتك ما بقيت الكلمة وبقي الشعر.