بعض الفتيات العراقيات التي تزوجن وهن اطفال مع جدتهن
بغداد / عبد الجبار العتابي:قالت لي وملامح الحزن ترتسم عل محياها : أصبحت أغلب الفتيات اليوم في العراق، عبئا على ذويهن!!، وحين استغربت من قولها وأردت منها توضيحا، أضافت هذه الإعلامية التي تهتم وتتابع أحوال المرأة العراقية : ( الأهل.. ورغماً عنهم، أجبرتهم ظروف الوطن على تزويجهن من أي رجل كان، وان كان في عمر جدها، طالما يستطيع الإنفاق عليها وتحمل عبء مسؤوليتها )!!. استوقفتني كلماتها وتطلعت إلى ملامحها المتعبة التي غزتها أتربة التشاؤم والأسى، لكنها استطردت قائلة بعد أن تأوهت: (نقول ربما في الضواحي التي تعاني من قلة التعليم والجهل قد يحدث مثل هذا الزواج غير المتكافئ في السن، فبدلاً من أن تلعب الطفلة الصغيرة بدميتها تكون مسؤولة عن أسرة وطفل لكن مانراه اليوم جعلنا في رعب من انتشار هذه الظاهرة حتى في المدن المزدحمة، أيعقل أن تتزوج طفلة ذات الاثنتي عشرة سنة والتي ما زالت البراءة تكسو ملامحها الدقيقة والتي لم تكتمل بعد؟).شعرت بعمق الأسى، ورحت أتأمل، صارت تلك الكلمات ترافقني وابحث من خلالها عن وقائع بين الذين التقيهم هنا وهناك واسأل من يصادفني عن هذه الظاهرة، ولم يطل بي البحث، حتى توقفت عند فتاة جميلة في الـ(25) من عمرها، متزوجة ولديها طفل رضيع، عرفت منها أنها متزوجة من رجل يكبرها بكثير وطباعه سيئة جدا ولا يمكن أن يحتملها إنسان، قالت : ( بعد أن وجدت العمر يركض ولم يتقدم لي احد للزواج رغم الجمال الذي احمله والشهادة العلمية البسيطة، صرت اشعر بالقلق واحسب السنوات التي ستأتي وأخشى أن اعبر الثلاثين وهناك لا أجد من يتزوجني نهائيا، فوافقت على هذا الشخص عندما طلبني للزواج على الرغم من أن مثله لم يكن فتى أحلامي أبدا ) وأضافت: ( واصطدمت بسوء طباعه العجيبة الغريبة، ووجدت أن الفرق بيني وبينه كبير، لايوجد أي تكافؤ، ولكن علي أن احتمل بهذا نصبيبي)!!. هذه الفتاة حدثتني عن قصص متشابهة للعديد من الفتيات اللواتي تعرفهن ومر بعضهن بالتجربة التي مرت بها ومنهن من التصق بهن لقب (عانس) وان كن من مواليد السبعينات. وجدت أيضا هناك قلقاً كبيراً من البنات اللواتي هن من مواليد الثمانينات وهن يشاهدن فتيات السبعينات يمر منهن قطار الزواج سريعا لايتوقف في محطاتهن نافثا سحابات دخانه في وجوههن وغامرا قلوبهن بغمامات اليأس، فهذه فتاة من مواليد (1981) أي أن عمرها حاليا (27) عاما، قالت : (ها أنذا الآن في عز شبابي، ومتعلمة، ولم يطرق باب بيتنا شاب للزواج مني، هناك من يريد أن يقيم علاقة عابرة، أو زواجاً غير شرعي أو علاقات حب طائشة لقتل أوقات الفراغ ليس إلا، وأي شاب تسأله عن نهاية العلاقة يقول : لا ادري!!، وإذن.. اشعر بالقلق وقد يرمي بي أهلي إلى كبير في السن أو شاب لاحيلة له في الحياة سوى الزواج من اجل الزواج فقط، أو لمن لا أتكافأ معه لا في السلوك ولا في التعليم، ومن ثم إما أن أعيش حياتي نادمة أو أعود إلى بيتي أهلي ).فتاة أخرى التقيتها قالت : (أنا من مواليد (1978) تصور أن عمري الآن (30) عاما، كنت في السنوات الماضية ارفض أن أتزوج إلا حسب المواصفات التي وضعتها لعريس المستقبل، أما منذ سنة، فتعال واضحك مني، فقد أنزلت سقف المواصفات ولكن غاب الرجال، ولم يطرق الباب طارق، حتى الذين جاؤوا يطلبونني بالأمس تمنيتهم ولكن، اشعر الآن إن القطار مضى ومازلت انتظر، وأحيانا أجد نفسي أقول : هل يمكن أن تأتي ساعة السعد وأتزوج رجلا انتظرته طويلا ) هذه الفتاة سمعت منها رنات حزن مؤثرة فهي ترى في عبور الثلاثين عاما معنى أنها لن تفلح في إيجاد رجل مناسب ولو قليلا لان الجميع يظل ينظر إلى بنات الثمانينيات والتسعينيات أيضا، ويغض النظر عن ما قبلهن، فنحن سقطنا من اجندة العازمين على الزواج، وذكرت لي انها ارتبطت بشاب اكبر منها قليلا لكنه تركها الى فتاة اصغر منه بكثير. كلام هذه الفتاة جعلني أتذكر المثل الآتي: في العشرين تقول المرأة: كيف هو؟ وفي الثلاثين تقول : مَن هو؟ وفي الأربعين تقول : أين هو؟ عدت إلى الإعلامية انقل إليها ما عرفت فقالت : تلك صور قليلة وبسيطة مما اعرفه انا، فتعال احدثك عنها،قالت : (طفلة لم يكتمل ظهور أسنانها الدائمية بعد، ويحتل الفراغ أماكن عديدة بين ضروسها، تلعب مع صديقاتها، عندما رأت والدتها بصحبة نساء، جرت لتعانقهن بطفولة صادقة، وعادت لتكمل لعبها مع الصديقات. ولم تكن الصغيرة تعي أنها قد جنت على نفسها فبعد قليل خرجت النساء وزغاريد الفرح تملأ المكان، فقد كتب على الصغيرة أن تترك المنزل وصديقات الطفولة لتذهب وتعيش في منزل أخر، لو أمعنا في صورتها يوم زفافها، نجدها تخفي وراءها براءة الطفلة التي لاتفهم ماحدث لها وما هي مقدمة عليه، نراها تضحك ضحكة من القلب بجانب رجل يبلغ من العمر الأربعين عاماً، شاخ قبل عمره بسنوات بسبب هموم الحياة) وتضيف : الأم... رمت بطفلتها في أحضان كهل مقابل رغيف خبز أو خرقة تضعها على جسدها الصغير... هذه كانت مأساة الطفلة الصغيرة ذات الاثنى عشر ربيعا، لكنها ليست الوحيدة... فهناك الكثيرات، قريناتها في الوجع والقهر وحليفاتها بمشوار الضياع) هذه الإعلامية توضح بقسوة : انه قانون جديد فرض بطريقة غير رسمية.. قصص حقيقية ونهايات مأساوية، الزواج حلم وردي ومشروع العمر، والهدف الكبير الذي يسعى إليه الشباب هو الارتباط وتكوين أسرة جديدة تكون امتداداً للنوع الإنساني، حتى يعمر الإنسان هذه الأرض، وبعد أن ذهبت في حالة صمت طويلة كأنها تسترجع أشياء عادت بتساؤلات : السؤال المهم الذي نقف اليوم إليه حيارى هو : لماذا اختلفت طريقة اختيار شريك العمر؟، هل تُرك الاختيار للقلب وحده أم أننا نحكم العقل؟، لماذا أصبح اغلب الرجال يفضلون الآن اختيار زوجات من عقد التسعينات؟و فتيات العقود الأخرى، هل اندثرن بين أتربة السنين؟ ). هذه التساؤلات جعلتني ابحث لها عن إجابات تتعلق بالأسباب وراء هذه (الظاهرة) التي أصابت المجتمع العراقي وتحاول أن تؤسس فيه تقليدا سيئا يمثل طعنة في خاصرته، ووجدت بعد البحث أن الظاهرة لم تكن حديثة العهد بل تمتد إلى ثمانينات القرن الماضي مع اندلاع شرارة الحرب العراقية الإيرانية وتصاعدت بعد عزوف الشباب عن الزواج لانشغالهم بالحرب،وراح الأهل يبحثون لبناتهم عن عرسان لا تتطابق مع الفكرة القائلة (اخطب لابنتك ولا تخطب لابنك) التي تعني الاختيار المناسب، بل هنا انعكست الصورة، وصارت العائلة توافق على تزويج ابنتها لأي قادم، خوفا من أن تدخل في طور (العنوسة)، وهكذا راحت الأبواب تفتح لأي طارق سواء كان كبيرا في السن أو سيئا في الطباع، وتصاعدت الظاهرة مع عقد التسعينات حيث عاش العراق واحدا من أسوأ عقوده في ظل الحصار الاقتصادي الذي خلق هوة واسعة بين الشباب والزواج لقلة الرواتب التي صارت تعادل دولارا واحدا في بعض الأحيان وبحث الشباب عن فرص للهجرة، وضربت (العنوسة) رقما قياسيا لم يعرفه تاريخ العراق، فالزواج صار يشبه (الاستثناءات)، وهذه الاستثناءات جعلت كبار السن ينظرون إلى الفتاة التي تتوفر فيها الشروط التي يرتضونها كافة، وكان صغيرات السن هن الضحايا، وانتشرت بكثرة مثل هذه الزيجات التي اغلبها انتهى بأبغض الحلال، بعد أن فشل التوافق في رسم حالة من الانسجام بين الزوجين، ومع القسوة التي تركها الحصار، جاء الإرهاب ليخلق حالة من عدم التوازن ويضع نقاطا حزينة على الحروف السعيدة للمجتمع بسقوط النظام السابق، وهنا تواصلت الظاهرة وصرنا نشهد حالات جديدة تشابهت مع السابقات. حين عدت إلى هذه الإعلامية ونقلت لها الوقائع قالت : (هذه بعض الحقائق، لنرتشف الآن حقيقة أخرى بوجه آخر)،كانت الحقيقة كأسا مريرة إذن،وحين تنظرها بعين متأملة تشعر بالحزن لما آلت إليه الحال، وعلينا أن نتأمل من خلالها صور المطلقات والأرامل اللواتي مازلن في عمر الشباب وعلينا أن نتساءل : من لهن إذن؟ )، وتذكرت كلام الفتاة المطلقة بعد زواج فاشل تركزت في الأسباب الاجتماعية الطارئة، والمتوارثة عبر العقود الثلاثة الماضية، قالت : (اشعر باليأس من الزواج ثانية برجل مناسب). تقول الإعلامية إنها التقت السيدة أم علي ( أرملة ولديها ثلاثة أبناء وبنت) وحدثتها عن حادثة لها تقول : أنا اعرف أن الزواج للبنت ضروري، وأنا زوجت ابنتي الوحيدة وهي في الحادية عشرة من العمر، كنت أرغب بالاطمئنان عليها، ولسوء المعيشة وغلاء الحياة قررت تزويجها لأول طارق لبابنا يطلبها، وبعد تزويجها اكتشفت أنني ارتكبت خطاً فادحاً، حيث أنها عاشت أسوأ من الذي كانت تعانيه معنا، زوج لايتحمل المسؤولية، عاطل، يزجها إلى أي شخص بغية جلب المال له، إلى أن قررت إنهاء زواجها بعد عام ونصف تقريباً...ولكن الذي حصل بعد ذلك أنني فقدت السيطرة عليها، ولا أستطيع إملاء رأيي عليها، وأصبحت شرسة غير مبالية للأمور والعناد من طبعها... إلى أن دخلت يوما لي برجل قد تجاوز الخمسين من عمره لتقدمه لي بصفة خاطب لها... مع العلم أنه متزوج ولديه ابناء وبنات كبار). سألت جارنا ذات السبعين عاما عن هذه الأحوال إيمانا مني بمبدأ (اسأل مجرب ولا تسأل حكيم) فقال : سأجيبك باختصار : إنها الحروب هي التي تؤدي بالشعوب إلى فقدان كرامتها وابتكار أساليب للهرب من العوز والفاقة والحرمان، إنها الحروب وليس غيرها، وما أكثر الحروب في بلادنا) لم أجد إلا أن اردد ماقاله جارنا (ما أكثر الحروب في بلادنا ) واضع على رفها المآسي كلها. تقول الكاتبة ابتهال بليبل (تعمل في إذاعة شهرزاد ) العراقية : ( ليس صعبا.. اصطياد رجل، لكن الصعب ( في هذا الزمن، حيث زاد العرض وقل الطلب)، اصطياد رجل ( كامل المواصفات) وهي مهمة تنطحت فيها اغلب النساء في سن الزواج،حتى فتحن أعينهن، كصائدات ماهرات، باحثات عن (زوج) ذي مزايــا خاصة، لهن، بحيث يجتهدن بكل ما اوتين من مكر ودهاء نسائي في جر قدمي الفريسة، أي الرجل، إلى مصــــــيدة الزواج، حتى وان كان هذا يعني بصورة من الصور انتقاصاً من كرامتهن، أو إلحاق المهانة بها طوال العمر) ومن ثم تتساءل : (ماالعيب في أن تختار الفتاة زوجاً لها، صالحاً مناسباً، فطالما أن الغاية مشروعة؟ لكن الأمر الغريب أن نجدهن يقفن طوابير في انتظار قطار الزواج.. لتدخل في عقود متتالية من مراحل عمرها، دون وقوف لقطار أمامها....ترى لماذا؟ ومن المسؤول؟،ولو تجاوزت الفتاة الثلاثين من عمرها بلا زواج، فان المجتمع يتهمها بأنها المسؤولة عن عدم زواجها، أو كأن الأمر تسببت فيه بإرادتها، هذا إن لم يذهب الناس إلى ماهو أبعد من ذلك). وتضيف : ( الزواج هو بناء على شكل هرم له أساس ثم قاعدة تعلوهما القمة، والأساس هو مانسميه الانسجام ويقصد به ( العمر، الدين، الجنس، الثقافة ) والطبقة الاجتماعية والتعليم والى آخره، وعلى مر السنوات الماضية، ازداد الزواج المبكر للفتيات، وتأخر عند النساء مابعد العشرين من أعمارهن أو عدم الرغبة بالزواج منهن أو ولوجهن إلى عالم العنوسة، أن لهذه الظواهر على المرأة، تأثيرات نفسية وجسدية مدمرة لكلا الطرفين ( الزواج المبكر، العنوسة) وان من أهم أسباب اختيار الرجل لزوجة صغيرة هو المتعة أولا ومن ثم كما يقال الرغبة في الإكثار من الأولاد وقصر الفاصل الزمني بين الأم وأبنائها، أما السبب الحقيقي يكمن في مجمل الحروب التي كسحت رجال عقود الخمسينات والستينات، وأيضا الحرب الأخيرة (تصفيات عشوائية وحقيقة لم تكن عشوائية) بل منظمة لأننا إذا ما لاحظنا مجمل أعمار الرجال الذين اغتيلوا سنجدها مابين (22 - 42) سنة، واعتقد أن معدل هذه الأعمار كفيل أن يزيح مشكلة الزواج والعنوسية للنساء ). أتوقف عند حافة الكلام الأخير واطل على المشكلة التي تمثل اعتلالا في جسد المجتمع العراقي وارثي لحال الفتيات اللواتي تحت سن العشرين عاما واللواتي فوق سن الثلاثين عاما، أما ما بينهن فلم أجد إلا كلمات لنزار قباني تعبر عنهن :( يُروِّعني شحوب شقيقتي الكبرى هي الأخرى تُعاني ما أُعانيه تعيش الساعة الصِفرا تعاني عقدة سوداء تعصر قلبها عصراً قطار الحُزن مرَّ بها ولم يترك سوى الذكرى لقد بدت سفينتها تغوص. تلامس القعرا أُراقبها وقد جلست بُركن تُصلح الشعرا تُصفِّفه.. تُخرِّبه وترسل زفرة حرى تلوب تلوب في الرُّدهات مثل ذبابة حَيرى وتقبع في محارتها كنهر لم يجد مجرى ) [c1]* موقع (إيلاف) الاليكتروني[/c]