الأدباء اليمنيون والنضال الوطني
شفاء منصرفي هذه الإلمامة الخاطفة نحن بحاجة لأن نتذكر تلك الأصوات الابداعية المدهشة لرواد القصة القصيرة اليمنية التي بشرت بالثورة وحرضت على مقاومة الاحتلال وسطعت كاشراقات باهرة في سماء الجنوب الملبدة بغيوم القهر والعذاب حاملة نبوءة الثورة الآتية.المختبئة تحت جلودنا المعبأة بالغليان والغضب والرفض..لقد كانت تلك الأصوات الإبداعية بحق"رعد ما قبل العاصفة" لأنها عبرت بصدق وحرارة عن أحلام وتطلعات البسطاء والمحرومين للحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية المفقودة،وجسدت الدور الذي اضطلع به رواد القصة القصيرة كمثقفين وطنيين ينتمون لخارطة الوطن اليمني ويتوقون توقاً عارماً للانعتاق والخلاص من عبودية وطغيان الاحتلال الأجنبي..ولا عجب إذن ان استخدمت القصة سلاح الكلمة كأداة ثورية (لتحريك الواقع ودفعه للتغيير) فاعتبرت مثلاً قصة القاص الساخر عبدالله سالم باوزير (ثورة البركان) "مساهمة الحرف في معركة الطغيان والقمع". وعلى الرغم من تجاهل معظم مؤرخي الأدب لمشاركة النساء في التحركات الوطنية كما يقول الاستاذ الناقد"د.حاتم الصكر" كتبت الأستاذة (ثريا منقوش) في قصتها (متى تفتح الأبواب؟) عن معاناة الناس ووجود الانحراف والفساد اثناء الحكم الاستعماري.كما كتب القاص (محمد عبد الولي) قصته "يموتون غرباء"وهي اول قصه طويلة عن معاناة المهاجرين السياسيين اليمنيين في مناخي الغربة الموحشة وعن اغتراب الإنسان اليمني داخل وطنه.ولم يحد بالطبع بقية كتاب القصة عن ذلك الطريق..واذا كانت القصة القصيرة في نهاية عقدي الأربعينيات والخمسينيات قد غلب عليها طابع الخطابة والوعظ الاجتماعي والسياسي وكان كُتاب القصة في عدن حتى عام1956م - كما يقول الاستاذ (عمر الجاوي) - مجرد رواة عن حب رقيق مصدره الثقافة وليس الواقع فان كل تلك المحاولات المتنوعة كانت بداية للقصة القصيرة اليمنية التي مضى على دربها وطورها محمد عبد الولي،أحمد محفوظ عمر،محمد الزرقة،زيد مطيع دماج وغيرهم من الكُتاب.وقد بدأ ذلك التحول في وعي كتاب القصة وتطور أساليبهم التعبيرية مع الانتشار الواسع للصحافة التي احتفت بنشر كتابات وتجارب رواد القصة في الوطن العربي والقصص المترجمة والدراسات النقدية فشرع القاصون اليمنيون يتخلصون من الأسلوب المباشر والوعظي والرومانسية الغريبة عن الواقع وكان أولئك يمثلون (الرعيل الثاني) الذين أرسوا تقنيات جديدة السرد القصصي.وبانتصار الثورة ونيل الاستقلال راح كتاب القصة يغوصون في هموم الناس ويكتبون عن مشاكل وهموم المجتمع الوليد بحيث لم يكن غريباً أن تصبح القصة ذات الطابع الاجتماعي محور اهتمامهم ابتداءً من القاص (أحمد محفوظ عمر) ،محمد عبد الولي،حسين سالم باصديق..الخوان كان القاص محمد عبد الولي قد اجتذبه الهم السياسي كما في مجموعته (وكانت جميلة) و (الأطفال يشيبون عند الفجر)..الخ لكن شكل القصة لم يصل بعد الى مرحلة (التجريب) على أيدي هؤلاء الرواد حيث استولى اسلوب الواقعية النقدية على المشهد القصصي في تلك المرحلة واصبحت العلاقة وثيقة بين النص والواقع ومع ذلك ينبغي ان نعترف أن القاضي محمد عبد الولي أرسى قواعد فن القصة في اليمن ثم جاء القاص (أحمد محفوظ عمر) وطور هذا الفن ووصل به الى مستوى فن القصة في بقية الأقطار العربية "لقدرته على استخدام كافة طرائف التعبير من سرد إلى منولوج إلى حوار وتمكن من اختيار لغته حتى ارتفعت في بعض قصصه إلى مستوى الشعر كما في قصة (يا أهل الجبل).وهي قصة بديعة تحكي عن رجل يبحث في ظروف قاسية في مسالك جبل موحش ووعر عن (شجرة) فيها دواء لكل داء ويلقى في رحلة البحث معوقات كثيرة ليصل إلى مبتغاه.وهل الاضافة المتميزة والجديدة في سياق هذه القصة هي في خلق موضوعها فنياً باستخدام (الرمز) الامر الذي يوحي بزن القصة في معناها الدلالي والرمزي هي"البحث عن الطريق الذي ينبغي ان تسلكه الثورة لتحقيق أهدافها للوصول إلى العدل الاجتماعي،واللجوء إلى الرمز أو عدم استخدام الأسماء كما يرى الكاتب(فوزي معروف)في بعض القصص القصيرة اليمنية في دراسة له بعنوان(قضايا بارزة في القصة القصيرة اليمنية) انما "توحي بزن القصة القصيرة تعالج حالة اجتماعية اكثر منها حالة فردية حالة فئة أو طبقة أو مجتمع أو ثورة من خلال شخص بدون اسم احياناً كما في قصة محمد عبد الولي (وكانت جميلة) وقصة احمد محفوظ عمر (ياأهل هذا الجبل).لكن اذا كانت تلك التجارب القصصية لم تعط تنوعاً في الرؤية وانحصر اسلوب كتابها في الواقعية وعلاقة النص القصصي بالواقع الذي يصدر عنه فإن هناك رؤية مغايرة الى مضمون السرد وصيغة وأساليبه في مرحلة (السبعينات) التي تميزت فيها القصة القصيرة بالنزوع نحو التحديد "في مناخ أدبي اتسم بالتفتح النسبي والحماسي العالي للتيارات الأدبية العربية والعالمية وفي ظل وجود إرث قصصي (يستهان به صنعته أقلام الأجيال السابقة) يقول د.عبد الحميد إبراهيم:"إن ملامح المجتمع الجديد قد أخدت تتشكل عند هذا الجيل جيل السبعينات.."ويرى الأستاذ سلام عبود :"أن كتاب هذه المرحلة قد تحملوا على عاتقهم مهام التغيير والتجديد الأدبي على أساس التجريب والاستخدام المتنوع للأساليب والبحث الدائم عن الجدة وقد حطم كتاب هذه المرحلة الإطا الذي ظلت القصة تغترف منه المرحلة السابقة وظهرت أسماء يطول ذكرها كاملة بعضها بدأ في نهاية المرحلة السابقة والبعض الاخر ولد كجزء من ولادة المرحلة ذاتها منهم:"محمد متنى،سعيد عولقي،ميفع عبد الرحمن ،عدب الفتاح عبد الولي،كمال الدين محمد،زهرة رحمة الله،حسن اللوزي،صالح سعيد باعامر.." لقد استطاعت ثجربة البعينات أن تصف الكثير إلى امجاز القصة القصيرة اليمنية اذ جذبت اهتمام القارىء الى (مناطق جديدة من المعرفة البشرية والتساؤل القصصي) على السواء وزودت القصة بمذاق جديد وأسلوب متميز تفردبه كل قاص من قاص تلك المرحلة على حدة لكن احباطات الواقع المثقل بالضراعات الفكرية ودورات العنف المتوالية في مرحلة السبعينات وباية الثمانينات بسبب هيمنة الأيديولوجيا علي الثقافة - حيث الخطاب السياسي والأيديولوجي هو الطاغي - سيلا حظ ان القصة لم تترك بصمة مميزة لها بسبب مساحة الحرية التي بدأت تضيق وتتقلص كما سنجد انسحاب أسماء عديدة من مجال الكتابة القصصية لأنها لم تتمكن من مواجهة تلك الانتكاسات المدمرة التي أضرت ضرراص بالغاً بالمنجزات الطيبة للتغيير الثقافي والتحول الاجتماعي ولم تستطيع أن تبرر ما في هدا الواقع من خواء وتمزق بوعي مقهور وبعقل اعتقلته الأيديولوجياالمستوردة..في تلك المرحلة بالذات مر كتا بالقصة القصيرة بفترة اتسمت بالترقيب والحذر وكانت الصعوبة تكمن في كيفية تخطي هذه الززمة وفي كيفية إيصال الكلمة الصادقة التي تعمل في ذواتهم المغلولة بقيود الكبت السياسي..ولذلك سيلاحظ الراصد لتلك الكتابات القصصية ان الموقف من الصراعات والتناحرات لم يأخذ حقه في الكتابة الأدبية في ذلك الوقت خوفاً من المحاسبة التي تسبب بها العقلية الأيديولوجية القمعية لأن السلطة كانت هي من يوجه الثقافة على الرغم من ان بعض القصص اتسمت بطابع المسايرة في مرحلة حفلت بالخطوط الحمراء