القاهرة/ 14أكتوبر / أيمن رفعت :بقدر ما تعد فنون السينما إحدى وسائل المتعة والترفيه فهي أيضاً أداة مهمة لتشكيل الوعي وتوجيه الرأي العام ، وفي هذا السياق يأتي كتاب د. مدكور ثابت - رئيس أكاديمية الفنون وأحد أعلام الإخراج والنقد السينمائي- « صناعة التشويق في حرفية كتابة السينما».ويقع الكتاب في قسمين أحدهما نظري والآخر تطبيقي ، ويضمهما إطار واحد هو بمثابة علاقة “ تعليم وتعلم “ ينصب القسم الأول علي تعليم حرفية تصنيع المؤثرات الدرامية في فن كتابة السيناريو ، والقسم الثاني يذهب فيه د . مدكور ثابت إلى ضرورة توافر نوع من التقنين اللازم لممارسة الإبداع الفني خاصة في ميدان “صناعة الدراما “ مؤكداً أن الإثبات التطبيفي ، تدليلاً أقوى من كل الاجتهادات والتفسيرات اللازمة لإثبات الإمكانية الحرفية عند ممارسة الإبداع ، بل إثبات حتميتها التقنينية تنظيراً .[c1]مشاهدة الأفلام.. لعبة [/c]في القسم الأول من الكتابة يبدأ المؤلف بعنوان “ حرفية صناعة وسائل التأثير الدرامي “ يتساءل : لماذا يذهب الجمهور إلي صالات عرض ليشهد أعمالاً فنية سينمائية يعرف حكايتها سلفاً؟ ويجيب : قديماً ، كان جمهور المسرح الإغريقي يعرف سلفاً كل الحكايات القائمة عليها عروض الدراما الإغريقية العظيمة ، فهي في تراث أساطيره ، كما تلقاها ويتلقاها في الأشعار الهوميرية الإلياذة ، والأوديسة.إذا فهو .. أي هذا الجمهور الذي هو دائماً علي علم بــ “ الحدوتة “ لابد أن يقبل علي ارتياد المسرح لتلقي أو ممارسة شيء ما مختلف عن مجرد هذه الحدوتة المعروفة سلفاً .ويؤكد المؤلف في هذا الصدد ، الالتفات إلى كثير من هذه الأعمال الدرامية التي اعتمدت في إعدادها علي حكايات مشهورة ومعروفة سلفاً لدي الجمهور المعاصر ، ومثال علي ذلك “ حول مصرع الزعيم الإيطالي ألدومرور ، علي يد الألوية الحمراء عام 1976 ، يقدم المخرج جيوسبي فيرارا فيلماً جريئاً عن هذا الحادث ، علي الرغم من أننا نعرف الأحداث مسبقاً ، إلا أن الفيلم يشدنا ، ويقدم رؤية شجاعة عن هذا الحادث المعروف.[c1]الحاجة إلى التلقي [/c]يرى المؤلف أن عنصر” اللعبة “ لدى مبدع “ المفارقة” في الدراما ، هو توافر مبدأ “ اللعبة “ ذاتها في هذه المفارقة عند النظر إليها كإثر في جمهور متلق ، فمثلاً ، وفي مجال المفارقة الدرامية في الكوميديا ، قد يطرح أحياناً السؤال : كيف يمكننا كجمهور ، أن نسر بسلوك نرتضيه قلباً وفي موزيننا المألوفة ، الواقع هو أن التقمص ليس تعاطفاً بالمعني الذي ذكر آنف ، إذ يصعب جداً أن نوصف بأننا متعاطفون مع غراميات السفلة عند(بن جونسن) وغيره من الدراميين اليعاتبة ، إنما نحن منجذبون إليهم بما يشبه المساهمة في معرفة مشتركة.ويردف الكاتب قائلاً : هذا ما يمكن فهمه في إطار الكوميديا ، أما في المأساة فنجد بالمقابل أن التراجيديا منظر من مناظر الشر، والشر هو بعينه مالا نستمتع به ، ومع ذلك فنحن نستمتع بالتراجيديا ، وقد قال أ . د . توسن “ إن المفارقة لا تكون كذلك إلا عندما يكون الأثر نتيجة امتزاج الألم بالتسلية، فحتي من وجهة نظر مذهب اللذة “ فإن استمرار الاهتمام بالتراجيديا يثبت أن التجربة فينا لذه لا ألم ، ولا يمكن وصف التجربة بأنها مؤلمة إلاإذا توقفنا عن المشاهدة.[c1]تحويل درامي[/c]يذكر المؤلف أن المفاجأة الدرامية تعني أن تأخذ المتفرج وانفعالاته وتوقعاته في اتجاه مسار معين ،ثم فجأة تلقي إليه بالمعلومة أو الحدث الذي يصدم كل توقعاته ومسار انفعالاته وأفكاره السابقة.أما عن شروط تحقيق المفاجأة ، فتتأتي مفاجأة المتفرج أساساً ، لأن المفاجأة الدرامية هي “أثر” في المتفرج أولاً وأخيراً ، لذا يجب أن نضع في الحسبان أن الأحداث الروائية قد تتضمن مفاجأة لإحدى الشخصيات الروائية ولكنها لا تحدث مفاجأة لدي المتفرج.ويعرف المؤلف “ المفارقة الدرامية” قائلاً : يسمي الموقف ذو التأثير الدرامي “ مفارقة درامية “ عندما يكون الجمهور علي علم بمعلومة أو معلومات معينة عن أحد طرفي الصراع ، أو إحدى الشخصيات ،أو مجموعة من الشخصيات أو حتي عن جماد ، دون أن يعرف الطرف الآخر من الشخصيات هذه المعلومة.ولتحقيق هذه المفارقة الدرامية ، لابد من توافر شروط لتحقيقها وهي المبادرة بداية بتقديم المعلومة التي ستكون موضوع التأثير الدرامي من خلال المفارقة ، ومن الشروط أيضاً ، إخفاء هذه المعلومة عن أحد طرفي الصراع ، أو عن شخصية أو عن مجموعة من الشخصيات التي ستكون موضوع المفارقة الدرامية .ويعرف المؤلف وسائل التأثير الدرامي ، قائلاً : المقصود بها هي الطرائق التي يتم عرض الموقف الروائي على المتفرج تبعاً للأثر الدرامي المطلوب التأثير به في هذا الجمهور علي سبيل استثمار اللغة في الفن في التعامل مع المتلقي ،وذلك حسبما يري مبدع العمل ، فقد يري في هذه اللحظة ضرورة إثارة الرعب عند المتفرج ، وقد يري أن المطلوب مجرد إثارة تلهفه علي معرفة النتائج كذلك قد يري أنه من المناسب إضافة مفاجأة في هذا الموقف أو ذاك .ويري المؤلف أن الذي يفرق بين تحقيق تأثير درامي بطريقة معينة وبين تحقيقه بطريقة أخرى ، مع أن الحدث الروائي واحد في كلتا الحالتين ، هو طريقة التحكم في عرض المعلومات علي المتفرج ، من حيث : عرض المعلومة أو تأجيلها ، أوإخفائها ، أو في توقيت إلقاء هذه المعلومة علي المتفرج .[c1]اللعبة المونتاجية[/c]يؤكد المؤلف أن المونتاج السينمائي “ فن “ولا يمكن أن يكون هناك خلاف علي هذا ، أي أنه “ ممارسة إبداعية “ ،وأنه إذا كان ثمة خلاف ، فهو إما حول قضية اعتباره صيغة التفرد الإبداعي للسينما بين الفنون ، وإما إنه خلاف بين التيارات والاتجاهات بداخل كونه “ فناً “ دون أن يمس ذلك كون المونتاج “ فناً إبداعياً “ ، ومثال ذلك ، منذ اكتشف الأمريكيان بورتر وجريفيت أول قطعة مونتاج موظفة، أو منذ اكتشف الروس - وعلى قمتهم أيزنشتين - الفعاليات الجمالية لإمكانات هذا المونتاج .ويقول المؤلف: إن وجود عنصر “ التوقيت “كعامل حاسم أداة ، في تشكيل المؤثرات الدرامية ، إنما يشير إلى الخامة / الزمن الفني ، الذي يعبر بدوره عن إمكانية الخلق لدي تشكيله ، وبما لا يعني مجرد التولبة، وإنما هو الخلق / اللعب بالزمن ، ذلك الزمن الذي يشكل في كل مستويات الفيلم/ الفن عامل فني خلاق ، بل هناك من يذهب إلى القول باعتباره العامل الفيصل في ماهية وفي كينونة الفيلم كفن ، مثلما يقرر ذلك المخرج السينمائي أندريه تاركوفسكي لدي إجابته المباشرة عما تتشكل منه الصورة السينمائية ، حيث يصبح الزمن في السينما الأساسي ، كالصوت في الموسيقي ، واللون في الفنون التشكيلية والشخصية في الدراما ويوضح المولف أن مبدأ التوقيت - اللعبة - لا ينطبق علي اتجاه بعينه ، ففي الطرف المقابل لسينما تاركو فسكي أو هيتزوج وأشباههما توجد سينما المونتاجيين / أيزشتين ، والتي علي الرغم من تضادها مع هذه السينما الجديدة إلا أن مبدأ التوقيت / اللعبة يظل واحداً .وإن اختلفت جمالية الأسلوب السينمائي فمن حيث التضاد هاهو أيزشيتن يضرب مثالاً : لنفرض أن يتحتم عليكم عرض جثة راقدة في غرفة ، فإذا قدمتم هذه اللوحة بلقطة عامة واحدة فإن المشاهد سيبدأ بالنظر فيما يشاء ، كما يوجه انتباهه للشيء الذي يريده هو وليس للشيء الذي تريدون عرضه أنتم ، وأما من حيث منطلق المعالجة الفنية ، فإن أيزنشتين يستند إلي أنه - من حيث المنطلق - لايوجد في الحياة كشف تتابعي عن الأحداث أبدآً مؤكداً بذلك مبدأ الطي/ توقيت إلقاء المعلومة في المعالجة الفنية .ويتطرق المؤلف إلى معالجة وإعداد السيناريو عن الأدب ، قائلاً : إن عملية التأليف / الإبداع (السيناريو) للفيلم تصبح بدورها ذات خصوصية ، تختلف عن مثيلتها في مجال الرواية أو المسرح أو الشعر ، فالرواية والسيناريو السينمائي ينتميان إلي عالمين مختلفين وما هو مشترك بينهما قليل جداً باستثاء الورق باعتبار أنهما كليهما يكتبان عليه ، حيث لابد أن تتم العملية الإبداعية عبر جدلية” التطويع / الخضوع “ في آن واحد ، لجمالية السينما وتكنولوجيتها في آن واحد كذلك .ويؤكد المؤلف أنه ليس المقصود بالخضوع / التطويع شيئاً من قبيل ما اعتبره بازان “ اللغة الديكتاتورية” التي حددت أنواع الموضوعات المتاحة للشاشة الكلاسيكية ، وحيث تم التطوير فقط في أنواع كانت على استعداد الآن تستجيب لآلية السينما وتعرضها ، بل من ناحية أخري - يصبح نتاج هذه اللغة الديكتاتورية نوعاً من القولبة التي لا ينتج منها إلا تماثل وتكرار الإنتاج بالجملة ، من قبيل ما يشير إليه بازان في دراسته لنوع الاقتباسات الأدبية ، من “ أن روائع الأدب العالمي تكرث مثل الكثير من الأخشاب التي تدخل في المناشير الكهربائية وموجز القول إن بازان “ يلخص موقفه بأن يقول إن السينما الكلاسيكية كان لها شكل رسمي خلع عن كل فيلم شخصية ، وعالج كل موضوع بنفس الشكل .[c1]مؤثرات درامية[/c]ويخصص المؤلف القسم الثاني من الكتاب ، في عرض النص الكامل لسيناريو وحوار فيلم “ عازف الكرباج” وذلك علي سبيل التعرف التطبيقي لما تم تقديمه نظرياً في” حرفية صناعة وسائل التأثيرالدرامي “ وتشمل عناصر “ المفارقة “ و” المفاجأة “و” الانقلاب الدرامي “و” التشويق مع كيفية “ صناعة كل منهم ، وفقاً للطريقة الحرفية التي ورد الحديث عنها .ويقف المؤلف عند تساؤل صناعة المؤثر الدرامي يمكن تعلمه وممارسته ، ويجيب بأنه لا يمكن أن يلغي ذلك مساحة الإبداع وطبيعتها اللازمة للمؤلف الذي يكتب السيناريو ، أو غيره من المبدعين ، بل إن ذلك يعيدنا إلى ضرورة التعريج علي ما اعتدت العرض له مشكلة تعلم الإبداع وتعليمه .أما البعد الأساسي لهذه الوقفة فهو قناعتنا بأن الفنان الذي أبدع فناً عظيماً دون أن يتخرج في أكاديميات تعليم الفن ،هو بالضرورة قد “ تعلم “ولكن بمنهجية مختلفة عن حالة “ التعلم “ في الأكاديمية .وباستدعاء الأمثلة الكثيرة لعبقريات فنية استطاعت الإبداع الفني في أرفع مستوياته دون المرور بالأكاديمية التعليمية ، لأن الفرق - ببساطة- أن الذين أبدعوا دون أن يتم تلقينهم بالنظرية ، هم في الحقيقة قد “ تعلموها “، ولكن ليس عن طريق “ التلقين “،بل عن طريق استيعاب التراث الفني ذاته.[c1]-الكتاب : صناعة التشويق في حرفية الكتابة للفيلم- الكاتب : د . مدكور ثابت - الناشر : الهيئة العامة للكتاب - الطبعة : سنة 2007- الصفحات : عدد 460 صفحة من الحجم الكبير [/c]
أخبار متعلقة