صباح الخير
من جملة الإجراءات التي اتخذتها الحكومات السابقة في بلادنا خلال العشر السنوات الماضية وتنتهجها الحكومة الحالية ضمن برامجها الإصلاحية في المجال الاقتصادي ، هو تشجيع مساهمة الرأسمال الوطني والعربي والأجنبي للعمل في المجال المصرفي آملةً أن يؤدي هذا التوجه إلى رفع وتيرة التنمية الاقتصادية في بلادنا . وكان ضمن إفرازاتها إنشاء العديد من البنوك العربية والأجنبية إلى جانب المؤسسات المصرفية التابعة للدولة أو المساهمة والمعروفة سلفاً مثل البنك المركزي والبنك الأهلي وبنك الإنشاء والتعمير وبنك التسليف الزراعي . وقد انتشرت هذه البنوك على طول البلاد وعرضها ولكن هل حققت الأهداف المتوقعة ؟ أم أنها لم تحقق أهدافها بسبب عدم وجود سياسة مصرفيَّة واضحة ومتخصصة كما هو متبع في العديد من دول العالم ، حيث تنشأ بنوك أو مصارف ضخمة وبعضها تدمج مع مصارف أخرى وتخصص منها لدعم القطاع الصناعي وأخرى لدعم المجال الزراعي والسمكي، ومنها للعمل في المجال التجاري والتحويلات المالية وأخرى لدعم القطاع السكني والآخر في مجال الإقراض الشعبي الهادف إلى مساعدة النَّاس وتشجيعهم لتبني المشاريع الصغيرة والعمل الحر لتحسين دخلهم وتنمية الموارد . ونتيجةً لعدم وجود رقابة صارمة تجاه عمل هذه البنوك نراها أتبعت سياسة « كلُّهِ يحصل بعضه » وأصبح لكل بنك قوانينه الخاصة به التي تراعي مصالحه فقط ، لقد تم استغلال السياسة المرنة التي أقرتها الحكومات من خلال القوانين التي منحت هذه البنوك حرية أكبر في الحركة والمعاملات وأدت إلى انحراف مسارها وتخبط واضح في أداء وظيفتها واتجهت غالبية هذه البنوك تقريباً نحو سياسة الإقراض المفتوح سواء مع المرافق الحكومية أو القطاع الخاص أو مباشرةً مع المواطنين متجنبةً الخصخصة ، لأن سياسة الإقراض تضمن لها الكسب والربح ، بل وصل الأمر في بعض المرافق الحكومية والتي أعرفها شخصياً أن نسبة 80 % من موظفيها واقع تحت الدَّين لهذه البنوك بعد تسهيل إجراءات طلبات القروض مقابل رفع نسبة الفائدة إلى مستوى غير معقول . وكان معروفاً للجميع إلى فترة غير بعيدة أن نسبة الفائدة تقريباً في البنوك تصل ما بين 12 % إلى 18 % وكان مقبولاً عند النَّاس نوعاً ما. لكن أن تصل نسبة الفائدة في بعض البنوك إلى نسبة 48% أي نصف قيمة القرض فهذه والله سياسة الجنون واللهث وراء الربح لا غير مستغلِّين حاجة الناس لهذه القروض لحل مشاكلهم ومعاناتهم وهم كثيرون للعلم ومن مختلف الشرائح موظفين وجامعيين ومن منتسبي القوات المسلحة والأمن ومواطنين. إنَّ اللهث وراء تحقيق الأرباح لهذه البنوك بأي طريقة جعلهم يتنافسون في رفع نسبة الفائدة مقابل بعض التسهيلات، وهذه السياسة المصرفية زادت من أعباء « المدين » الذي يجد صعوبة في التسديد وأصبح القرض مثل الكابوس على صاحبه بل ويلعن اليوم الذي دخل فيه البنك ووصل البعض إلى بيع منزله لتسديد المتخلفات التي عليه والتي تتضاعف مع كل شهر تأخير . لذا نناشد الحكومة ممثلة بوزارة المالية بإعادة النظر في القوانين المنظمة لعمل هذه البنوك وأن لا يسمح برفع نسبة الفائدة إلاَّ بقانون وليس الخضوع للمزاجية .. إنَّ الإبقاء على هذه القوانين القاصرة والمجحفة يعني مزيداً من سياسة إفقار النَّاس والمجتمع وظهور جيش كبير من المداينين لا تنتهي معاناتهم .