شتيوي الغيثي *دائما ما تعود قضية المرأة للطفو فوق سطح القضايا الاجتماعية والدينية في الوضع العربي عموماً، وفي الوضع المحلي خصوصاً، كإحدى القضايا الاجتماعية والدينية والإنسانية الكبيرة والحساسة في نظر البعض، وكأحد تمظهرات، أو تجليات الحراك الاجتماعي والفكري التي اشتغلت المجالس العامة والخاصة في هذه البلاد بالحديث حولها، وأعطاها العقل العربي شيئاً من اهتماماته الفكرية حول البحث والتفكير فيها إن بالسلب أو بالإيجاب، لكون الوعي النسبي في هذه القضية قد خطا خطوات مقبولة، ولكون الواقع الفعلي الاجتماعي قد أجبرته الحياة لخروج المرأة من المنزل إلى العمل، ولم تعد الأعمال التي كانت منوطة بالمرأة هي الأعمال في هذا الوقت وفي ظروف هذا العصر، بل أصبحت أوسع منها بكثير، وبما أن الوضع الاقتصادي يحتم على الوضع الاجتماعي، ومن ثم السياسي، لتغيير مجرياته الحياتية، ولتغيير أساليبه وطرقه في التعامل مع المتغير، فقد صَحِبَ هذا الخروج نوع من إعادة التفكير حول قضية المرأة، وحول الحقوق التي هي ضمان للمرأة كإنسان أولاً، وحق فعلي عام ثانياً، بما أنها إحدى الفئات المهمة التي يقوم عليها ركنا المجتمع الأساسيان، قبل أن تكون مكرمة ذكورية من أي إنسان يتفضل بها عليها، أو يحاول أن يكون هذا الحق ممنوحاً لها بمضض، اعتقاداً أنه فضل منه، وليمتنّ به في الأخير عليها إذا هي لم تتحرك بما يمليه، أو يخطه كطريق واحد تسير على خطواته ولا تحيد عنه. ومن الطبيعي ـ بالنسبة لي على الأقل ـ أن يتصور البعض أن المطالبة بحقوق المرأة، ورفع الصوت حول هذه القضية، ما هي إلا ممارسة تغريبية انحلالية، وتفسخ أخلاقي، ودعوة لإخراج المرأة من عفتها وحيائها، لأن القضية في نظر السياق التقليدي وفي تصوره حول حقوق المرأة كانت قادمة من الغرب، وهذا صحيح بما أنه قد تخطى مراحل في هذه القضية، ولأن المرأة أيضا كانت محصورة في التأطير الجنسي، أو من ممتلكات الذكورة، وواحدة من سقط متاع الرجل بالنسبة للتفكير الفحولي، ولذلك فإن أي خروج عن هذا المفهوم أو محاولة نقده، هو خروج بالنسبة للكثيرين عن دعوة الحق، وخروج عن شريعة الله التي فرضها على المرأة، حتى لقد أفتى بعض الفقهاء الأقدمين وتبعهم البعض من معاصرينا، بأن المرأة تخرج مرتين في العمر: من بيت أبيها إلى بيت زوجها، ومن بيت زوجها إلى بيتها الأخير في دنياها (القبر). وإذا كان صحيحاً أن قضية الحقوق الممنوحة للمرأة كانت مطروحة أول ما طرحت في الأوساط الغربية، شأن القضايا الإنسانية جميعها، قبل أن تنتقل رحالها إلى الشرق العربي، فلأن الوعي الغربي في هذه القضية قد جعل منها قضية محورية وحالة إنسانية عامة ككل الحالات الإنسانية وقضاياها كالفقر والطفولة مثلا، والتي تندرج فيها كل المجتمعات مهما كانت، وبأي حال حضاري هي، ولا تقتصر على طلب حقوقها في أوساطها الغربية، وهذا ما يجعل من القضية قضية إنسانية عالمية، ولا يعني ذلك أن تتشكل كل نساء العالم بالشكل الذي لا يرتضيه المجتمع حسب وصف البعض، بل الأصل في القضية هو حقوقها القانونية والإنسانية، وحصرها في مجال السفور والتفسخ الأخلاقي هدم لعدالة القضية وتشويه مقصود لها. والخيار الذي وضعت فيه المرأة في مجتمعنا هو خيار اجتماعي تقليدي في الأصل، وإن كان يتشكل بالديني ويستعين به في فرض هيمنته الذكورية، وهذا فيه تجن على المرأة والدين على حد سواء، فالطرح الإسلامي في هذه القضية كان طرحاً مختلف التوجه، واسع المقصد، ومتباين الرؤى حتى داخل المنظومة الفقهية الواحدة، حتى أصبح من الشهرة بالوضع الذي يعرف أكثر الناس الخلافات الفقهية حولها كالخلافات القديمة حول الحجاب في المذاهب الأربعة في المذهب السني مثلاً، مما يدلل على أن القضية كانت قضية اجتماعية قبل أن يؤطرها البعض لدينا بالتشريع الديني ليضمن بقاء الوضع الاجتماعي على ما هو عليه، وليحصر المرأة بين خيارين لا ثالث لهما، إما التمسك بالعادات التي حورها البعض لصالحه، وإما الفساد الأخلاقي الذي هو إنهاء للمرأة وذبح لها معنوياً. وما استدعاني، من خلال هذه المقدمة التنظيرية الطويلة، للحديث حول هذه القضية وإعادة طرحها، مع أنه لم يهدأ الطرح فيها أبداً، ما حصل للخمس الموظفات اللواتي فصلن من أعمالهن دفعة واحدة، بدون مبرر أخلاقي أو قانوني، بل بالعكس لم يثبت عليهن أي من هذا القبيل، ولا حتى شبهة من الشبه التي يحاول البعض البحث عنها ولو بـ(المنقاش)، وهذا ما جعل من القضية قضية ظالمة في تفصيلاتها وفي مبرراتها، إلا أن يتبين ما هو مستور، وهذا ما لم يتم التصريح به حتى الآن، والقصة كما هي معروفة لدى البعض، وكما قرأ عنها البعض الآخر، وكما كتب عنها الكاتب في صحيفة الوطن: قينان الغامدي والكاتب في صحيفة الرياض: عبدالله إبراهيم الكعيد، أن خمساً من النساء السعوديات، قد تخرجن من جامعة الملك سعود من (قسم علوم الحيوان) وكانت الفرصة سانحة أمامهن للعمل في (مختبر إيداك) التابع لشركة أرامكو السعودية في محافظة الخرج، على أنهن (محضرات مختبر) وكانت فرصة شديدة الندرة، ما تجعل الفرحة بها مضاعفة، إلا أنه بعد شهر من تاريخ مباشرة عملهن في هذا المختبر، فوجئن جميعا وبشكل تعسفي بقرار فصلهن من غير أسباب منطقية، بعد أن سعى بعض الذين منحوا أنفسهم حق الوصاية على الناس إلى بعض المؤسسات الحكومية كهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، للعمل على إبعادهن من هذا المكان حماية من خطرهن على المجتمع، (هكذا أتصوره يفكر)، وبدورها سعت الهيئة المباشرة والمهتمة بها للبحث في هذه القضية من غير أن يجد المسؤولون في الهيئة أي دليل يمكن من خلاله إدانتهنّ فيه، ليستصدروا فيما بعد قرار الفصل من محافظ الخرج، بعد أن حاول الرئيس المباشر لهن في العمل الدفاع عنهن، كونه يعرف أخلاقهن جميعا، ولم يلحظ عليهن ما يخالف العمل أو الأخلاق، ولكون هذا التصرف كان تصرفاً غير مسؤول من بعض الناس، محاولاً التمسك بحقهن القانوني والرسمي في هذه الوظيفة. هذه القضية تطرح إشكالات عديدة، وتساؤلات فكرية وإدارية واجتماعية ودينية كبيرة ومحرجة للبعض حول المرأة ووضعها في هذا المجتمع، فعلى الكل أن يطرحوها على عقولهم، وعلى المسؤولين أن يطرحوها على من هم مباشرون في هذه القضية، وعلى المجتمع أن يسعى إلى التفكير فيها اجتماعياً، وعلى المفتين أن يعيدوا التفكير فيها فقهياً، لنكتشف في الأخير أنه وقع عليهن ظلم كبير وشديد القسوة، ولا يمكن حل مثل هذه القضية إلا بإعادتهن سريعاً لمختبرهن معززات مكرمات أولاً، لكي لا تتكرر الفاجعة مرة أخرى على الأخريات من الممرضات في كل مستشفياتنا الحكومية والأهلية، وتغيير كثير من المفاهيم الدينية والاجتماعية حل المرأة ثانياً.نقلا عن صحيفة "الوطن" السعودية
فصلـت لأنهـا امــرأة
أخبار متعلقة