علي محمد سالمين كان عـقد الثــمانيــنات عقد باكثير الفعلي و الصادق.. فقد ظهرت اهتمامات جادة بالأديب الراحل.. وبرزت أقلام نيرة عملت جاهدة، و بشكل صادق، على إحياء ذكراه و إعادة ما يمكن إعادته من الاعتبار الذي يستحق. و لو تفكّرنا في تلك الاهتمامات و تلك الأقلام لوجدناها - بحق - تنطلق من مشاعر صادقة و من غيرة أمينة تستحق منا الثناء والشكر . إن مثل باكثير، لا يكفي الاحتفاء السنوي بميلاده أو رحيله ، و إنما الاقتداء به، أيضاً. إن مواقفه الوطنية والقومية الشريفة تؤكد أصالته و صدق انتمائه للعروبة وللإسلام و غيرته الشديدة عليهما . و ككاتب أصيل ينتمي إلى أمة أصيلة و عظيمة، فقد ارتقى بأمته، في كتاباته المختلفة ، ارتقاء مشهوداً، حين جعلها في مقدمة الأمم .. يمجد تاريخها و يعظّم لغتها :[c1]لم أجد في الشعوب كالعرب أخلا قاً و فضلاً و همةً و احتساباًلا و لا في اللغات كالضاد حسناً و كمــالاً و روعةً و شبابــاً[/c] وأن الدراسات التي ظهرت في عقد الثمانينات، و أن اختلفت في اتجاهاتها و أحجامها، فإن جميعها تتفق عند غاية واحدة، و هي إعادة الاعتبار للأديب علي احمد باكثير . لقد اختلفت الدراسات و الأعمال التي اهتمت بأديبنا في عقد الثمانينات في اهتماماتها، فمنها الدراسة الدقيقة المختصرة، ومنها الدراسة المستفيضة المتخصصة ، و منها السيرة، و المقال و النشرة - ناهيك عن الندوات و الاحتفالات السنوية و الدورية التي ما زال الاتحاد كتاب و أدباء سيئون يحييها - كأن يستضيف الإتحاد رجالات الثقافة والأدب من اليمن و البلاد العربية ، على نحو ما نعرف . كما اختلفت هذه الدراسات في أحجامها بين كتاب و كتيب و حولية ودورية و ملحق أدبي لصحيفة .. أو نشرة أو مقال .و بصرف النظر عن هذا الاختلاف أو ذاك، فإن مجموع تلك الكتابات حتماً يحظى باهتمام كل مهتم بالأديب علي احمد باكثير .[c1]1) الدكتور عبده بدوي[/c]في عام 1981م، كتب الدكتور عبده بدوي- أستاذ اللغة و الأدب العربي بكلية الآداب جامعة الكويت - الرسالة السادسة من حولية كلية الآداب جامعة الكويت ، و التي تحمل عنوان (علي احمد باكثير .. شاعراً غنائياً). الرسالة تقع في نحو 64 صفحة . ركزت على الجانب الغنائي و قضية الشكل في شعر باكثير. الجدير ذكره ها هنا أن الدكتور بدوي يعد مصدراً مهماً من مصادر الثقة لمن يريد الكتابة في باكثير.. حياته .. أدبه.. و في باكثير في مصر، على وجه الخصوص. ذلك للعلاقة القريبة و الوثيقة التي ربطت بين الرجلين في الستينات من القرن الماضي في مصر. و لبدوي يعود الفضل إلى اكتراث الدكتور محمد ابوبكر حميد (الذي سنأتي على ذكره في السطور التالية) بباكثير والتعرف عليه .. ثم التخصص فيه . حيث كان حميد تلميذاً للدكتور عبده بدوي في تلك الكلية من جامعة الكويت . و هو من شجعه و حثه ناصحاً و موجهاً على الاستمرار في اهتماماته بباكثير - و هو ما فعله (حميد) بحب و أمانة و مثابرة و تخصص . [c1]2) الدكتور عبدالله محمد الغذامي[/c]و في نفس العام1401هـ - 1981م، كتب الدكتور عبدالله محمد الغذامي بحثاً بعنوان (الشعر الحر و الموقف النقدي حول آراء نازك الملائكة) نشر في مجلة كلية الآداب جامعة الملك عبدالعزيز - جدة تطرق فيه الغذامي إلى أسبقية باكثير في إنتاج ما يسمى (بالشعر المرسل أو الحر Blank Verse ) و ذلك قبل ادّعاء نازك الملائكة - في حد تعبيره - السبق بنحو 8 أعوام ، و كيف أن الأخيرة جارت باكثير في قصيدتها الشهيرة ( الكوليرا ) التي كتبتها عام 1948م ، بعد اطلاعها على قصيدة لباكثير نشرتها مجلة (الرسالة) سنة 1945م بعنوان (نموذج من الشعر المرسل الحر) . ( أنظر مقدمة كتاب الدكتور أحمد عبد الله السومحي).[c1]3) الدكتور محمد أبوبكر حميد[/c]في مطلع الثمانينات، تعرض « محمد ابوبكر حميد» - الطالب وقتذاك في كلية الآداب قسم اللغة العربية جامعة الكويت - لبعض أعمال باكثير الأدبية بالنقد و التحليل لدى بعض مجلات أدبية عربية . و لم يكتف الرجل بما قدم، بل سافر إلى الولايات المتحدة الأمريكية وجعل رسالة (الماجستير و الدكتوراة) في أدب علي احمد باكثير . كما قام الدكتور محمد ابوبكر حميد بجمع ديوان باكثير المخطوط (أزهار الربى في شعر الصبا ) و نشره بواسطة الدار اليمنية بيروت سنة 1987م... و هذا يعد أول ديوان لباكثير يخرج في شكل كتاب مطبوع و بالمثل ، يعد سبقاً يحسب للدكتور حميد و يسجل لصالحه، يستحق منا الثناء و الاعتراف و الشكر و التصفيق. لم أقلها له في خلال اتصالي القصير به، من جدة السعودية العام 2000م، و لم أقلها في فترة تواصلاته الكريمة معي ، لاحقاً ، من خلال (مؤلفاته و الإصدارات الأخرى، التي كان يرسلها إلى تباعاً عبرعنوان بريدي الخاص بالمنصورة) لكني أرجو اليوم أن أسجلها لصالحه ها هنا في هذا المقام ... [c1] الدكتور أحمد عبد الله السومحي ...و كتابه ( علي أحمد باكثير ، حياته، شعره الوطني والإسلامي )[/c] في عام 1982 ، أصدر الدكتور «أحمد عبد الله السومحي» كتاباً بعنوان (باكثير، حياته، شعره الوطني والإسلامي) عن النادي الأدبي والثقافي ـ جدة. يتعرض الكتاب إلى حياة باكثير في مراحل مختلفة ، ميلاده .. نسبه .. تقافته المبكرة والمتأخرة.. زواجه .. شعره الوطني والإسلامي .يعد هذا الكتاب ، حتى الآن، و إلى حد كبير، من أكثر الكتب شمولية من بين الكتب التي اهتمت بباكثير. ( ملاحظة: شمولية هذا الكتاب، من جانب آخر، لا تعني موضوعيته . إذ وجدت في طياته بعض الأخطاء التاريخية والجوهرية أفقدته بعضاً من صحته ومصداقيته العلمية والتاريخية . و قد تطرقنا إلى بعض هذه الأخطاء في (بحثٍ) مطول نشر على صفحات جريدة «الأيام» مشكورة .. وهي - مثل غيرها - لا تعترف الجامعات بالبحث العلمي الذي ينشر عبر الصحف اليومية ... غير أن « الايام» مشكورة نشرته في عددها رقم (31) الصادر بتاريخ (12 يونيو 1991م ) ، و أعتقد أنه موثق لدى اتحاد أدباء و كتاب سيئون ، و لهم وجهة نظر فيه يومذاك، كما أخبرني به الأستاذ تمام باشراحيل يومذاك) .. [c1]5) صحيفة ( 14 أكتوبر) ...[/c]في صيف 1984 م، قامت صحيفة «14 أكتوبر» بإعادة نشر المحاضرة التي ألقاها أديبنا باكثير بمدينة سيئون في آخر زيارة له للوطن عام 1968 م ، أي قبل وفاته بعام - رحمه الله .[c1]مهرجان باكثير بسيئون.. في الفترة من 21 - 23 ديسمبر1985م[/c]في شهر ديسمبر1985م احتفل بمدينة سيئون و لأول مرة بمهرجان باكثير الأول. حيث أقام اتحاد كتاب وأدباء اليمن مهرجاناً بمناسبة مرور 75 عاماً على ميلاد الأديب علي أحمد باكثير . حضر المهرجان عدد غير قليل من رجال الدولة و الثقافة اليمنية و العربية، وألقيت فيه الكلمات والمحاضرات القيمة جمعت فيما بعد في كتاب يحمل عنوان ( وثائق مهرجان با كثير ) صدر عن دار الحداثة ــ بيروت عام 1988، وهو ضمن مجموعة « كتاب الحكمة».. وقد تمخض عن المهرجان مجموعة من القرارات أهمها:- * منح الأديب باكثير «وسام الأدب والفنون» عن هيئة رئاسة مجلس الشعب الأعلى ، وتحويل منزله الذي بسيئون إلى «متحف» يضم أعماله والأعمال التي تتحدث وتهتم به وغيرها . كما أصدر المهرجان نشرة صغيرة تضم صورة للأديب باكثير و أخرى لمنزله الذي تحول إلى متحف وقائمة بأعماله.ويعد هذا المهرجان فاتحة لمهرجانات و ندوات مصغرة لاحقة أخذ يحييها اتحاد كتاب و ادباء اليمن / فرع سيئون .وكان مهرجان باكثيرالأول قد أصدر ضمن قراراته وتوصياته التي أصدرها في ختام أعماله قرارين يقضيان بأن:- يتبنى اتحاد الأدباء عملية طبع ونشر وإخراج أعمال باكثير على اختلافها .. يقوم الاتحاد بوضع تمثال نصفي للفقيد أمام متحفه على أن يظل تقليداً يعمل به لكافة المبدعين في المستقبل . ولكن أياً من هذين القرارين لم ينفذ بعد. لعل مرجع ذلك صعوبات مادية يواجهها الاتحاد . إذ أن هناك عدداً من الدراسات التي كتبت في الأديب وأدبه بعضها مازال مخطوطاً والآخر مطبوع في (استنسل). يذكر الدكتور سالم عمر بكير في ندوته في الأديب التي ألقاها في مهرجان باكثير الأول يوم الأحد 1985/12/22 م أنه أطلع على كتاب مطبوع (بالاستنسل) يحمل عنوان (مع علي أحمد باكثير) تأليف عمر محمد با كثير. والحق ، لا أعرف ما إذا كان هذا الكتاب قد نشر أو خرج إلى السوق أم لا. لاشك في أن هذا الكتاب يحمل جديداً و سيضيف الجديد عن الأديب إلى المكتبة الباكثيرية ــ لو أنه خرج إلى النور .[c1]7) الدكتور محمد أبوبكر حميدمحاضرة (علي أحمد باكثير .. العطاء و الجزاء )[/c]و في 30 مارس 1987م، بمدينة سيئون، ألقى الدكتور(حميد) محاضرته الشهيرة الموسومة (باكثير .. العطاء و الجزاء) . وهي محاضرة قيمة جديرة بالاهتمام و التوثيق . فيها يكشف عن حقائق كاد يهملها التاريخ و عن مواقف وطنية و قومية تجعل من باكثير بحق شهيد القلم العربي الشريف . و للدكتور “حميد “ ، إلى جانب ما ذكرنا ، بعض (بل كثير جم) الردود على الذين حاولوا الإساءة لباكثير. و قد نشر هذه الردود في كتيبات خضراء - أغلب الظن أنها عن دار الهمداني . [c1]علي محمد سالمين .. أين شعر علي أحمد باكثير؟ ..[/c]في 1989/9/19م قمت بنشر موضوع مطول لدى صحيفة (الاتحاد) الإماراتية في عددها (5581) بعنوان (أين شعر على أحمد باكثير؟) وهو الموضوع الذي تساءلت فيه عن الأسباب التي تحول دون صدور ديوان أو دواوين تجمع بين دفاتها مجموع قصائد باكثير من التي قالها ، على وجه الخصوص ، في عدن والصومال والحبشة واندونيسيا ، لاسيما أن الأديب باكثير قد قام عملياً في أخريات أيامه بجمعها وإعدادها للنشر . هذا الموضوع أعادت نشره ، وقتها ، صحيفة (الشرارة) بحضرموت، نقلاً عن صحيفة (الاتحاد) الإماراتية .. كما قام الدكتور “محمد أبوبكر حميد“ ، بالمثل، بإعادة نشره لدى ملحق أدبي لصحيفة سعودية في منتصف التسعينات .. خصص هذا الملحق لذكرى “باكثير“ [c1] الخلاصة [/c]إن الاهتمام بالأديب علي أحمد باكثير، في حقيقة الأمر ، كان اقدم بكثير من عقد الثمانينات . فقد كتب عنه، على سبيل المثال لا الحصر، الأستاذ المؤرخ المرحوم صلاح البكري في كتابه (تاريخ حضرموت السياسي) الذي أصدره بالقاهرة عام 1934م. وكذلك كتب عنه الكاتب العراقي الأستاذ هلال ناجى في كتابه ( شعراء اليمن المعاصرون) عام 1966م .. وكتب فيه المسرحي العربي الكبير المرحوم زكي طليمات .. وكذلك كتبت فيه الشاعرة العربية الكبيرة نازك الملائكة - رحمها الله .. و كتب فيه الدكتور عبدالعزيز المقالح في مطلع السبعينات، على نحو ما سنأتي إليه في الموضوع التالي... وغيرهم . على أن الاهتمامات التي ظهرت في عقد الثمانينات أخذت طابعاً متميزاً و لوناً مختلفاً عن إسلافها . فقد انطلقت من غيرة صادقة على أديبنا، خاصة بعد سنين من الإهمال و الصمت اللذين عانى منهما في مصر و اليمن . حيث أهمل أديبنا في أخريات أيامه إهمالاً مؤلماً من قبل الإعلام المصري، وأهمل بعد وفاته في مصر واليمن على حد سواء، الأمر الذي جعل كثيراً من الشباب في سيئون، أبان الفترة التحضيرية لمهرجان “باكثير“ الأول سنة 1985م يتساءلون باستغراب:من يكون: علي أحمد باكثير!!؟[c1]* جامعة عدن[/c]
أخبار متعلقة