اقواس
يُعّرف الحوار في اللغة العربية بأنه الرجع ، والفعل حار أي رجع .. يقول الله تعالى :" ظن أن لن يحور " أي لن يرجع. وحاوره معناه راجعه وجاوبه وجادله .. والجدل في اللغة تعني أحكم وقوى .. جدل الحبل أي أحكم فتله .. " وجادلهم بالتي هي أحسن " أي ناقشهم والجدل طريقة في المناقشة والاستدلال .. يقول تعالى : " وكان الإنسان أكثر شيء جدلا " أي مناقشة ومعارضة .. وقد شجع القرآن الكريم على الحوار بمعنى المراجعة للوصول إلى الحقيقة ، ودعا إلى الحوار الحسن والالتزام بأدب الحوار " وقولوا للناس حُسناً " وكذلك "وقولوا قولاً سديداً " أي قولوا القول الجميل الهادي إلى الطريق المستقيم . في سياق ما تقدم يتضح لنا مدى أهمية الحوار في حياتنا كبشر جعله الله خليفة في الأرض لينشر السلام والأمن والعدل . وكان أول حوار هو الذي دار بين المولى عز وجل وملائكته عندما أعلن لهم بمشيئته في أن يخلق الإنسان ليكون خليفة في الأرض فسألوه : "أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء " وبدا الحوار بين الخالق والمخلوق .. وليس المقصود بهذا الحوار أخذ المشورة منهم بل التعريف بوجه الحكمة من خلافة الإنسان في الأرض . وكان هذا الدرس الأول للإنسان في أهمية الحوار والمشاورة في أموره الدينية والدنيوية والاحتكام إلى الحجج والبراهين للوصول إلى الحقيقة .وقد كان خير المجادلين الرسول العظيم خاتم الأنبياء سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام حين جادل المشركين واليهود والنصارى ، وكان يحاورهم بهدوء ويستدل بالحجج والبراهين التي عرضها الخالق وبيّنها في كتابه المجيد . وعن أخلاقيات الحوار وآداب المجادلة نجدها في نتاجات الكثير من مفكري وفلاسفة الفكر الإسلامي الذين تواتروا على مدى قرون... نستزيد منها ونثري نفوسنا بمكارم الأخلاق التي أمرنا الله تعالى بها .. وقد وضع هؤلاء المفكرون والفلاسفة الشروط والآداب العامة والخاصة لطرفي المناظرة التي خلصت إلى ضرورة الابتعاد عن السباب والاستهزاء والسخرية من أي طرف محاور التزاماً بقوله تعالى " يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيراً منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيراً منهن " . وبعد .. أليس من المفارقات العجيبة أن نكون خير أمة أخرجت للناس، تمتلك أعظم الدروس في الأخلاق متمثلة في القرآن والسنة النبوية وتاريخ ثري في استنباط القيم الإسلامية العظيمة ، ولا زلنا نحتكم إلى أسوأ الوسائل اللاإنسانية لفض الاختلافات في الرؤى ووجهات النظر .. تؤدي إلى خلق حالات الانهيار القيمي والروحي والأخلاقي بين البشر؟ !نادرة عبد القدوس [email protected]