إخفاق خطط التنمية أفرزت 17 مليون عربي عاطل
القاهرة/14اكتوبر/ عبدالعال سليمان :تعتبر البطالة إحدى أخطر المشكلات التي تواجه الدول العربية، حيث توجد بها أعلي معدلات البطالة في العالم، نظراً لعجز الحكومات العربية عن تطبيق سياسات حازمة لمواجهة ارتفاع أسعار الواردات وانخفاض أو تقلب أسعار الصادرات، وعدم استقرار أسواق النقد العالمية، وتعطل كثير من برامج التنمية وعمليات الإنتاج، وعجز الاستثمار عن أداء دوره، مما أدى بالتالي إلي خفض معدلات النمو والتوظيف وارتفاع معدلات البطالة.كما أن الاعتماد علي الاستيراد وعدم السعي إلي التصنيع ونقل التكنولوجيا المتقدمة يؤدي إلي نقص فرص العمل، لذلك من الواجب أن تسعي الدول العربية نحو تفعيل السوق العربية المشتركة لمواجهة التحديات الغربية، والعمل علي النهوض بالصناعات الصغيرة التي تدفع التنمية وتزيد من فرص العمل.وكشفت أحدث الإحصائيات العربية أن نسبة البطالة في العالم العربي تجاوزت الـ14 %، وأن عدد العاطلين عن العمل يبلغ أكثر من 17 مليون شخص من إجمالي 338.4 مليون نسمة هم عدد سكان الدول العربية.وقال التقرير العربي الأول للتشغيل الذي أعدته منظمة العمل العربية : إن المنطقة العربية بهذه النسبة تبقى محتفظةً بأعلى معدلات البطالة بين مناطق العالم، وتبقي المنطقة ذات المعدلات الأعلى في البطالة بين الشباب بسبب تجاوز هذا المعدل نسبة الـ25 %.وأشار التقرير إلي أهم التحديات التي تفرضها البطالة على البلاد العربية ومنها : التحدي السكاني الناتج عن الزيادة الملحوظة في السكان والبطالة، وضعف التأهيل والحاجة إلي نقلة استراتيجية في الموارد البشرية، وتراجع العائدات النفطية في بعض الدول العربية، والتحديات الاقتصادية الخاصة بضعف التصدير وتخلف القطاعات الإنتاجية، مؤكداً أن السبب وراء أزمة البطالة هو تراجع قدرة الحكومات والقطاع العام علي التوظيف، واستمرار تيارات التنقل المؤقت للعمل في بعض الأقطار العربية.وأضاف : إن معدلات البطالة بين الأميين هي الأدني في غالبية البلدان العربية، وترتفع هذه المعدلات لذوي التعليم الثانوي والمتوسط والجامعي لتبلغ عشرة أضعاف في مصر، وخمسة أضعاف في المغرب، وثلاثة أضعاف في الجزائر، موضحاً أن ذلك يؤكد تدني التوافق والمواءمة بين مخرجات التعليم واحتياجات سوق العمل من جهة، ونقص الخدمات الداعمة للتشغيل من جهة أخري.ووفقًا لتقرير المنظمة فإن عدد السكان في الدول العربية بلغ قرابة 338.4 مليون نسمة في عام 2008، مرتفعًا من 319.2 مليوناً في عام 2006م، بينهم 200.8 مليون (62.6 %) سكان الدول العربية الواقعة في أفريقيا، ويبلغ متوسط نسبة الذكور منهم 51.2%، والإناث 47.8 %. من جانبه أكد إبراهيم قويدر الأمين العام لمنظمة العمل العربية أن البطالة قضية يجوز أن نطلق عليها أم المشاكل لأنها تؤثر في الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية لأي بلد إذا تفاقمت، كما هي الحال في كثير من الدول العربية، لأن الوصول إلي الحد منها بشكل نهائي يظل حلما بعيد المنال، لكننا في منظمة العمل العربية نجحنا منذ 5 سنوات في تسليط الضوء على المشكلة لأن التعامل معها كان يتم بخجل، ولم تكن الدول تقدم إحصاءات دقيقة وكانت تعتبر البطالة وصمة لعدم اهتمام الدولة، فالوضع معقد جدا ويجب تصحيح الأوضاع وحل مشكلة 17 مليون عامل عربي عاطل عن العمل وهو رقم مزعج ومخيف، والأمر يتطلب جدية في التعامل مع الموضوع وأخذه بنوع من الاهتمام وبرمجة الخطط في أسلوب تنفيذي لحل المشكلة، ويجب أن يكون هناك نوع من التكامل العربي في هذا المجال. وعن آليات المنظمة لمواجهة قضايا العمل والبطالة قال : نحن مغلولو الأيدي في الجانب التنفيذي لكن أيدينا مطلقة في جانب الدراسات والتنبيه والتحذير، ما لم تكن هناك آلية عربية لن نتقدم خطوة، حيث كانت لدينا وكالة للعمل العربي لكنها أغلقت وحان الوقت لإعادتها علي نمط جديد لخدمة سوق العمل العربي ويكون دورها أن تعلن عن فرص العمل في المهن المختلفة، وأن توجه العمالة العربية إليها علي غرار مفوضية العمل الأوروبية التي تملك صلاحيات واسعة.وأكد أن هناك قصوراً واضحاً تعانيه إدارة العمل في الوطن العربي وعدم وجود آليات حقيقية لتفعيل التكامل العربي في هذا المجال رغم كل الجهود المبذولة سواء من المنظمة أو الدول العربية، إلا أن الجميع فشل في الوصول إلي الحد الأدني المعقول من برامج التكامل العربي في مجالات العمالة المختلفة ، وبالتالي باتت الإجراءات المتخذة للتوطين هاجس مخيف للعمالة العربية الوافدة في الأقطار العربية المستقطبة للعمالة .وأوضح أن كل زيادة في معدل البطالة بنسبة 1 % سنوياً تنجم عنها خسارة في الناتج الإجمالي المحلي العربي بمعدل 2.5 %، أي نحو 115 مليار دولار، وهو ما يعني ارتفاع المعدل السنوي للبطالة إلي 1.5 ويرفع فاتورة الخسائر السنوية إلي أكثر 170 مليار دولار ، وهذا المبلغ يمكن أن يوفر نحو 9 ملايين فرصة عمل وبالتالي تخفيض معدلات البطالة في الوطن العربي إلي ربع حجمها الحالي.[c1]عمالة أجنبية[/c]وأكدت د. حنان يوسف المدير التنفيذي للمنظمة العربية للتعاون الدولي أن الاقتصاديات العربية بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 فقدت اكثر من 300 مليار دولار يمكن ان تؤدي إلي مساعدة اقتصاديات الدول العربية في تحقيق معدلات نمو أعلى وهو ما يمكنها من خلق 20 مليون فرصة عمل جديدة للشباب العربي .وطالبت بضرورة مراجعة سياسات التشغيل والعمل علي إعطاء أولويات للمواطنين أولا ثم أبناء الدول العربية تنفيذا لاتفاقيات العمل العربي وإيجاد الحلول المناسبة التي تعترض أسواق العمل العربية ، كما طالبت بضرورة العمل علي تقليص نسبة العمالة الغير عربية بحث لا تتجاوز 10-15 % من العمالة الوافدة بحد أقصى مع وضع حافز مادية لتشجيع زيادة النسل كصرف إعانات و حوافز مادية ومنح وحدات سكنية وتشجيع تعدد الزوجات ، توقيع اتفاقيات عمالية مع الدول العربية ذات الكثافة السكانية مثل مصر والمغرب وتونس الجزائر والأردن والسودان لتنظيم الكيفية التي سيتم من خلالها جلب العمالة العربية وأضافت : رغم بروز ظاهرة البطالة في أوساط العمل المحلي بكل ما تحمله من تداعيات اجتماعية وسياسية فإن المسكن السكاني الأجنبي لا يتناقص دوره في النشاط الاقتصادي بفعل سيطرته علي سوق العمل ، حيث تقدر مساهمة العمل الأجنبي في سوق العمل الخليجي بما نسبته تتجاوز 72 % في حين لا يسهم العمل المحلي إلا بما نسبته 28 % من الإجمالي العام لقوة العمل في الخليج ، مشيرة إلي أن العامل الأجنبي يمثل في عموم المنطقة ما نسبته 95 % من قوة العمل في القطاع الخاص قد تقل بعض الشيء في البحرين لتصل الي ما يزيد علي 60 % إلا أنها في عموم المنطقة تصل الي 95 % ، مؤكداً أن بعض الدول العربية باتت تجري حالة من الإحلال للعمالة وتوطين و ظائف في القطاعين العام والخاص.وأوضحت أن منطقة الخليج شهدت زحفا من جانب العمالة الوافدة خلال العقود الماضية حيث سجل حجم الهجرة إلي بلدان الخليج العربية قفزة كبيرة خلال الربع قرن الماضي ، وانتقل من مليون واحد الى عشرة ملايين عام 2000 موزعة بشكل متفاوت بين دول المنطقة ليبقى أعلى نسبة تركيز للعمالة الوافدة في المملكة العربية السعودية بنسبه 55 %، مطالبة بضرورة إعادة النظر في سياسات التوظيف داخل الدول العربية مع فرض قيود علي العمالة الوافدة ووضع حصص تمثل الحد الأدني لتشغيل الوطنيين ، ووضع رسوم أعلي علي استخدام العمالة الوافدة ، العمل علي تقديم أنواع مختلفة من الدعم والحوافز للقطاع الخاص تساعد في تشجيع العمالة الوطنية وتقليل الفجوة بين مخرجات التعليم والتدريب المهني واحتياجات التنمية.[c1]معوقات اقتصادية[/c]من جانبه يري د.حمدي عبد العظيم الخبير الاقتصادي أن المجتمعات العربية تشهد معوقات اقتصادية وثقافية تؤدي إلي تفاقم ظاهرة البطالة، ومن أبرزها سوء التخطيط علي المستوي القومي، وعدم توجيه التنمية والاستثمار إلي المجالات المناسبة، وعدم توافق خريجي المؤسسات التعليمية والتدريبية مع متطلبات سوق العمل، بالإضافة إلي ضعف الشعور بقيمة العمل، والرغبة في العمل فقط في مجال التخصص الدراسي ، ومما يزيد من تفشي هذه الظاهرة، عدم إقبال الشباب علي العمل المهني بسبب نظرة الكثيرين في المجتمع إليه باعتباره من الأعمال الدنيا، وعدم الإقبال علي العمل الحر بسبب الخوف من المخاطرة والميل إلي الأعمال المستقرة. وأوضح أن التغيرات الجذرية والمتسارعة لسوق العمل تتطلب ضرورة وضع برامج خاصة لتطوير المؤسسات ، التعليمية، للربط بين التعليم والتدريب من جهة والعمل من جهة أخري، بهدف مساعدة الشباب للحصول علي فرصة عمل.. مشيراً إلي أن تأهيل الشباب حديثي التخرج من أهم التحديات التي تواجه المؤسسات وأنظمة التعليم والتدريب في الدول العربية، حيث يفتقر كثير منها إلي العمالة المتخصصة في المجالات التي يحتاجها سوق العمل، مما يساعد في سد الفجوة بين العرض والطلب علي العمالة.ويؤكد أن عدم وجود قاعدة معلوماتية قومية للوظائف المطروحة والباحثين عنها أحد مغذيات أزمة البطالة، حيث يؤدي إلي غموض سوق العمل ، ولا تستطيع الشركات الخاصة العاملة في مجال التوظيف ملء هذا الفراغ بسبب صغر حجمها، ومن هنا تبدو أهمية الاستفادة من تجربة بعض الدول الغربية في إنشاء بنوك قومية للتوظيف توفر قواعد معلومات ضخمة للوظائف الشاغرة في القطاعين العام والخاص، يتم تحديثها يوميا، وتكون متاحة من خلال مواقع إنترنت متخصّصة أو دليل شهري يوزع بمقابل مادي رمزي علي الباحثين عن العمل ، كما أنه لا تقتصر فائدة «بنوك التوظيف» علي كونها قناة اتصال بين أصحاب الأعمال والباحثين عن العمل، بل إنها تعد أداة ممتازة يستطيع من خلالها الباحثون عن فرص عمل التعرف علي طبيعة الوظائف المطلوبة من الشركات، ومن ثم تأهيل أنفسهم بما يتناسب معها. [c1]إخفاق خطط التنمية[/c]وعن أسباب تفاقم ظاهرة البطالة أكد د. أحمد النجار الخبير الاقتصادي أن إخفاق خطط التنمية الاقتصادية في الدول العربية علي مدار العقود الثلاثة الماضية، وخاصة بعد الفورة النفطية مطلع السبعينيات تمثل أهم الأسباب،حيث جاء في دراسة لمركز دراسات الوحدة العربية أن من أبرز مظاهر إخفاق خطط التنمية الاقتصادية وقوع معظم الدول العربية تحت وطأة المديونية الخارجية وفي المقابل هروب رؤوس الأموال العربية إلي الخارج التي تقدرها بعض المصادر بأكثر من 800 مليار دولار ، فضلاً عن غياب التخطيط الاقتصادي المنهجي، وعدم تطابق برامج التعليم في معظم الدول العربية مع الحاجات الفعلية لسوق العمل ، علاوة علي أن التكوين المنهجي في معظم الدول العربية لم يواكب التطورات التكنولوجية السريعة الجارية في العالم.وأضاف : من أهم الأسباب أيضاً إخفاق معظم برامج التصحيح الاقتصادي التي طبقتها الدول العربية بالتعاون مع صندوق النقد الدولي في إحداث أي نمو اقتصادي حقيقي، وبنسب معقولة تساعد علي التخفيف من مشكلة البطالة، بل علي العكس من ذلك تماماً فقد أسهمت هذه البرامج في زيادة عدد العاطلين عن العمل، وكذلك إفقار قطاعات كبيرة من الشعب نتيجة رفع الدعم عن السلع والخدمات الأساسية.