مع الأحداث
ظاهرة التراخي في تطبيق الأنظمة واللوائح كانت إلى حد قريب ملازمة لحياتنا. فنحن نسمع بنظام المرور ولكن نرى المخالفات واضحة في كل مكان، ونعلم عن نظام منع التدخين في الأماكن العامة لكننا نرى من يتحداها (عينك عينك) بل ربما يفعل ذلك أمام اللوحة التي تنهى عن ذلك.لكن تجارب تمت أمام أعيننا تجعل الأمل كبيراً في أن يسارع كل مسؤول إلى تفعيل مسؤوليته في تطبيق الأنظمة، حتى إن كان المخالف ابنه أو قريبه، أو من أفراد عشيرته. ففي الجوازات مرت بنا تجربة اللواء (أسعد عبدالكريم) الذي أزاح الروتين جانباً وحرك الدماء في نظام الجوازات فصارت مثلاً متميزاً في الانضباط وسرعة الأداء. ونظام المرور كان نائماً على الرف فترة طويلة إلى أن بلغ السيل الزبى وكثرت الحوادث فصارت مصيدة للكثيرين ممن لا ناقة لهم فيها ولا جمل. إلا أن النشاط الملحوظ في الطرق السريعة في تتبع المخالفين والمسرعين والتعامل مع المخالف بحزم (وبصرف النظر عن مكانته) أدى إلى خفض نسبة الحوادث، وعدد المتوفين أو المعوقين من جراء الحوادث. واليوم نسمع بأن آلات تصوير حرارية جرى نشرها في التقاطعات والطرق السريعة وبالتالي هناك اتجاه نحو تفعيل ما تقود إليه من مخالفات، خاصة أنها لا تعرف التحيز العائلي ولا القبلي، فهي تسجل المخالفة دون النظر إلى فاعلها أو مكانته أو هويته: فلا نضيع هذه الفرص التي نحصل على فوائد كثيرة عندما نستغلها.إذن: فإن تجارب من حولنا (البحرين، الإمارات، عمان) تعد مثلاً على أن ما فعلوه في بلدانهم تلك نستطيع نحن أن نفعله وبالتالي نحفظ أنفسنا من الوقوع في تجاوزات أضرارواضحة للعيان ولا يقلل ذلك من أهمية القدر. فما قدره الله سيقع، لكن نبينا محمدا عليه الصلاة والسلام أمرنا بفعل الأسباب، فعندما سأله أحد الصحابة: هل يعقل ناقته أو يتوكل؟ فكان رده عليه الصلاة والسلام: «اعقلها وتوكل».نحن الآن جزء من منظومة دولية يجري علينا ما يجري عليهم من أنظمة ولوائح، وبالتالي فإن استفادتنا من تجارب الآخرين تحتم علينا ألا نتوانى في تطبيق ما لدينا من لوائح وأنظمة، وأن نستفيد من تجارب الآخرين في ما لم يسن له أنظمة حتى الآن، فالتقنية الحديثة لها إيجابياتها وسلبياتها، ونحن الآن عضو في منظمة متجانسة (مجلس التعاون الخليجي) الذي صار تعاملنا مع أعضاء هذا المجلس أقرب ما يكون إلى الاندماج، فلم يعد بيننا حواجز، ولسنا أقل منهم في فهم التقنية والإفادة منها، كل ما في الأمر أن تراخى البعض في أداء واجبه هو الذي يجعلنا نلهث خلفهم مع أننا ـ لو أسرعنا الخطى ـ للحقنا بهم وصرنا مثلهم. إنني أرحب (وإخواني المواطنون) بهذه الاتجاهات التي تقود إلى حماية أنفسنا ومجتمعنا ومن يزورنا من نتائج عدم الحزم في تطبيق الأنظمة. ولعل تجارب الدول المتقدمة في ما يتعلق بالتدخين (ومنعه في الأماكن العامة بسبب تأثيره على غير المدخنين) لأكبر دليل على أن النظام لم يسن إلا ليطبق، وإذا فرض وطبق فإن ذلك ليس ترفاً وإنما من أجل تحقيق أهداف ملحة، فما ذنب طفل أو امرأة أو شيخ، عندما يكونون في الأسواق أو المطارات، ثم يتعرضون لخطر لا ناقة لهم فيه ولا جمل؟ فالتدخين السلبي لا يقل خطره عن تأثير الدخان على المدخن نفسه. أكرر فرحي بما بدأه رجال المرور من ملاحقة المخالفين وردع المتمادي منهم ممن لا يقدر الأضرار التي تحدث عن تلك المخالفات، التي يتلذذ بممارستها بعض الشباب الطائش غير آبهين بما ينجم عنها من أضرار جعلتنا من أكثر الدول في عدد الإصابات التي تحدث سنوياً على الطرقات. بقي شيء آخر ملح وهو وضع القيود على ممارسة القيادة أثناء الحديث بالهاتف وعكس ذلك، بحيث يجازى من يتكلم بالهاتف وهو يقود السيارة، لأن أضرار ذلك معروفة، فالمتكلم سينصرف ذهنه ثم عيناه عن ما حوله، وبالتالي يضر بالطريق ومن عليه أو يسير فيه ممن لا يتكلمون أثناء القيادة. ولعل حظر ذلك في الدول المجاورة لنا، ما يساعدنا على أن نسير على خطاهم إن لم نكن في المقدمة، وليس لدي شك في أن كثيراً من الذين يمارسون الكلام بالهاتف أثناء القيادة سوف ينصاعون للنظام إذا وجدوا ألا مفر من ذلك، أما من أصر على ممارسة استعمال الهاتف أثناء القيادة فليقبل الجزاء الذي تتطلبه الأنظمة وعندئذ نحجم مصدراً للأذى نمارسه بسبب غياب العقل على ممارسيه.* عن / صحيفة ( عكاظ ) السعودية