البلدي بعد الأمة في الكويت
يبدو أن نجاح أربع نساء كويتيات في انتخابات مجلس الأمة قد فتح شهية بنات جنسهن للتدافع إلى تجربة حظهن في مجلس آخر يجري الإعداد لانتخاباته هذه الأيام وهو المجلس البلدي. فقد تقدمت مرشحتان لخوض انتخابات المجلس البلدي الاثنين الماضي، وهو يصادف اليوم الأول لفتح باب الترشيح لتلك الانتخابات التي ستجرى الشهر القادم. وكانت الاثنتان ضمن 36 مرشحاً تقدموا في ذلك اليوم ليجربوا حظوظهم في انتخابات لا تلقى الكثير من الحماس عند الناخب الكويتي، إذ لا تتجاوز نسبة المشاركين فيها 40% من إجمالي من يحق لهم الانتخاب. ونتمنى أن يكون عنصر ترشيح المرأة هذه المرة ودخولها حلبة التنافس محفزاً للجمهور الكويتي رجالاً ونساءً للمساهمة في تلك العملية الانتخابية، رغم أنها ستأتي في قائظ الكويت الذي لا تحتمله الأبدان!!والحق، أن انتخابات المجالس البلدية في الدول المتقدمة تحظى بأهمية أكبر بكثير من الانتخابات النيابية وذلك لارتباط المجالس البلدية بحياة الناس اليومية، مثل الاهتمام بالنظافة والإنارة ومراقبة الأسواق والمحلات وغيرها الكثير من الأمور التنظيمية التي يضيق المجال لسردها. ولعل دور «البلدية» المدني والحضاري هو ما جعلها من أوائل المؤسسات الرسمية والشعبية في دولة الكويت. ففي زيارة لمصلح الكويت الشيخ يوسف بن عيسى القناعي للبحرين في عشرينات القرن الماضي، لاحظ وجود «بلدية» في مدينة المنامة، فأعجبته الفكرة ونقلها إلى الكويت ليوافق حاكمها آنئذ ـ الشيخ أحمد الجابر ـ عليها ولتتجسد في إنشاء بلدية في العام 1930. وقد انتخب مجلس لإدارتها من كبار التجار كان برئاسة أحد أفراد الأسرة الحاكمة، وظلت الانتخابات تجري كل سنتين لاختيار مجلس جديد إلى العهد النيابي الحالي بعد العام 1962، حيث أصبحت انتخاباته كل أربع سنوات، على نظام الدوائر القديم المقسم إلى عشر دوائر انتخابية. وقد ارتأى المشرع أن لا يتشكل كل أعضاء المجلس البلدي بالانتخاب، بل يكون البعض منهم بالتعيين، وذلك حفاظاً على «فنية» عمل هذا المجلس واحتياجه إلى مهنيين (كمهندسين) مضطلعين بمشاكل البناء والبيئة وغيرها من الأمور المدنية. وفي المجلس الأخير، عينت الحكومة من جانبها مهندستين لتكونا نائبتين في المجلس لأول مرة. وتجري الاستعدادات للمجلس البلدي في ظل انهماك الشيخ ناصر المحمد في تشكيل وزارة جديدة، يأمل الجميع منها الاستمرار، خاصة وأنها تأتي في ظل معطيات جديدة أفرزتها نتائج الانتخابات الأخيرة. ويجري الحديث هذه الأيام في أن الوزارة الجديدة ستكون من «الفنيين التكنوقراط» لحاجة المرحلة إليهم، خاصة أن المنطقة بل العالم برمته يعيش أزمة اقتصادية لا شك أن لها بعض التأثيرات السلبية علينا والتي يلاحظها الجميع ولا تخطئها العين. إضافة إلى ذلك، حاجة الكويت إلى تفعيل مشاريعها التي تعطلت بسبب التجاذبات السياسية، حيث كانت سبباً في توقف تنفيذ تلك المشاريع رغم أهميتها الاقتصادية لمستقبل البلاد. ولا شك أن الانتخابات الأخيرة التي جرت في الكويت كانت لها إفرازات من الصعب التغاضي عنها، ولعل أبرزها ميل الكويتيين نحو الاعتدال ونبذهم للطرح المتشنج الذي كان يوتر الجو ويقف حجرة عثرة في سبيل تعاون السلطتين، حيث كانت من نتائجه تعطيل الحياة النيابية وعدم إكمالها دورتها الطبيعية الممتدة لأربع سنوات، ومن ثم الدعوة إلى انتخابات جديدة مبكرة!! لقد صوت الكويتيون للاستقرار والتعاون بين السلطتين من أجل أن يجنوا ثمار المشاركة الشعبية، استقراراً وتطوراً ونماءً ورفاهية. ثم ان نجاح المرأة الكويتية بفوزها بأربعة مقاعد وحصولها على مراكز متقدمة، يبين مرة أخرى اعتدال الكويتيين وعدم اعتدادهم بالطرح المتطرف خاصة وأن الحملة الانتخابية شهدت هجوماً كاسحاً من الأصوليين على المرشحات بكل الوسائل ومنها إصدار فتاوى تحرم التصويت لهن وتأثم صاحبه إن فعل ذلك!! ونجاح الكويتيات يبين تلك التغيرات العميقة الموجودة في المجتمع الكويتي، حيث باتت المرأة تتفوق في نسبتها في قوة العمل الوطنية، وأعداد النساء العاملات في القطاع الحكومي يفوق أعداد الرجال، فضلاً عن أن دور المرأة في نطاق الأسرة يشهد تبدلاً منذ مدة، فقد باتت مساهماً لا غنى عنها في اقتصاد المنزل، وشريكاً في تحمل أعباء الحياة الزوجية. أما آخر تلك الحقائق، فهي ضمور الحركة الدينية التي كان لها حضور قوي في المجالس السابقة فضلاً عن حضورها في الشارع وفي المجتمع المدني ممثلة في النقابات والجمعيات المهنية وفي اتحاد الطلبة. إن تراجع تمثيل الإخوان المسلمين والسلفيين والجماعات الشيعية السياسية يمثل تحولاً في المزاج العام يهيئ أرضية لتجاوز كثير من المشكلات التي كان يضعها هؤلاء عرقلة لعمل الحكومة من قبيل إثارتهم لموضوع الاختلاط في الجامعة حينما كانت تطرح ميزانيتها للنقاش والإقرار!! وخلاصة القول ان نتائج الانتخابات الأخيرة ولدت تفاؤلاً كبيراً في الشارع الكويتي يتمنى الجميع أن ينعكس ذلك التفاؤل في أداء الحكومة والمجلس القادمين، وأن تظهر آثاره في انتخاب المجلس البلدي، الذي سيكون فيه حظ المرأة أفضل بكثير من حظها في انتخاباته السابقة. [c1]عن / صحيفة «البيان» الإماراتية[/c]