مع الأحداث
في أسبوع واحد أشار مدير وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية مايكل هايدن مرتين الى الوضع الصعب الذي يعاني منه تنظيم «القاعدة» في الوقت الحاضر. فقد اكد في حديثه الى وكالة «اسوشييتد برس» قبل بضعة ايام ان القضاء على اسامة بن لادن، سواء عن طريق الاغتيال او الاعتقال، لا يزال على رأس اولويات جهازه. وألمح الى ان هذا الاحتمال بات قريباً، في معرض الحديث عن الصراع على خلافة زعيم «القاعدة».ثم تجاوز ذلك في حديثه الاخير أمس الى صحيفة «واشنطن بوست» الاميركية، ليفاخر بالنجاحات التي تحققها الولايات المتحدة في حربها مع «القاعدة»، والتي ادت الى عجز هذا التنظيم عن القيام بعمليات داخل الاراضي الاميركية خلال السنوات السبع الماضية، كما كان يخطط. ولا تشمل النجاحات الاميركية شل قدرة «القاعدة» على تنفيذ عمليات خارجية فقط، بل ايضاً حرمانه من حرية الحركة في الموقعين اللذين كان يعتبرهما ارضه الطبيعية بعد 11 سبتمبر. فمنذ ذلك التاريخ، سيطرت الحرب على «القاعدة» في كل من افغانستان والعراق على اهتمام الاجهزة العسكرية والاستخبارية الاميركية، كما سيطرت على سلوك ادارة جورج بوش وقراراتها على مدى ولايتيه الرئاسيتين بكاملهما تقريباً.في هاتين الحربين اللتين شكلتا مسرح المواجهة، يعتبر هايدن ان تنظيم «القاعدة» هُزم. في افغانستان بات قادته محاصرين في مناطق القبائل على الحدود الباكستانية، حيث يفترض ان تكون اقامة بن لادن وايمن الظواهري. ويتزايد في هذه المناطق نشاط المقاتلات الاميركية. كما ان التعاون مع الحكومة الباكستانية الذي لا بد منه لنجاح العمليات الحدودية لا يزال قائماً. ومع ان مدير الـ «سي آي أي» رفض الحديث عن طبيعة الاتفاقات التي توصلت اليها واشنطن مع حكومة اسلام اباد الجديدة، فإنه أكد ارتياحه الى التعاون القائم بين البلدين في المجال الأمني.اما في العراق، فقد كان مقتل أبي مصعب الزرقاوي ثم تحول العشائر السنية ضد نشاط «القاعدة» عاملين مهمين في التحسن الامني وتراجع العمليات الارهابية التي ينفذها هذا التنظيم. يضاف الى ذلك ما يراه هايدن من تحسن في قدرات القوات المسلحة العراقية من جيش وقوى أمنية، مما ساعد القوات الاميركية على تخفيف دورياتها المسلحة في الشوارع وبالتالي من نسبة العمليات التي كانت تتعرض لها.غير ان اهم ما يستنتجه هايدن في حديثه عن ضعف تنظيم «القاعدة» هو تراجع التعاطف الشعبي معه في العالمين العربي والاسلامي، ويخص السعودية تحديداً في هذا الحديث، في تأكيد على النجاحات الأمنية والسياسية والفكرية التي حققتها السلطات السعودية، سواء في مجال مواجهة العناصر الارهابية وقمع نشاطها او في مجال الحرب الثقافية والاعلامية على الافكار الضالة التي تحملها هذه العناصر وتنادي بها. لكن هذه النجاحات لا بد لها كي تكتمل من مساهمة الادارة الاميركية مساهمة جدية في نزع الاسباب التي تدفع الى استغلال حالة النزاع المتحكمة بالعلاقة بين الغرب والعالم الاسلامي. فبقدر ما يكون هناك تفهم لمشاعر الشارع العربي والاسلامي في ما يتعلق بقضاياه القومية، وبقدر ما يأخذ الخطاب السياسي الاميركي، والغربي عموماً في اعتباره هذه المشاعر، ولا يتحرك من منطلقات معادية لها، يصبح اي تحرك محلي اكثر فعالية وسهولة في مواجهة الفكر الارهابي ومن ينادون به.صحيح ان قلة نادرة من المسلمين تنظر الى «فكر» القاعدة على انه النموذج الذي ترتضيه لمستقبلها ولعلاقاتها بالعالم. وصحيح ايضاً أن اي نجاح ضد «القاعدة» هو نجاح لقيم الاعتدال والتعايش بين الثقافات عموماً، لما يحمله هذا التنظيم من «فكر» معاد لقيم العصر. لكن مثل هذا النجاح بحاجة ايضاً الى اتصاله بقيم العدالة وحل النزاعات القائمة على قاعدة رفع الظلم واعادة الحقوق الى اصحابها. في هذه الحال يمكن القول ان حديث الانتصار على الافكار الارهابية ليس مجرد محطة في معركة انتخابية اميركية، بل انه يشكل مدخلاً الى عالم اكثر قدرة على الحوار والتفاهم بين شعوبه، واقل ميلاً الى خوض الحروب المدمرة التي تزيد من اشتعال الاحقاد وتنامي الارهابيين.[c1]* عن/ جريدة “الحياة” اللندنية[/c]