تدور بين الشعر والرواية معركة خفية يحاول كل واحد منهما أن تكون له الغلبة والسيادة في الساحة الأدبية ولمؤيدي كل طرف وجهة نظر في ذلك منها أن الشعر كان وسيظل ديوان العرب الأول ولن يستطيع احد أن يزيحه عن مكانته تلك التي يتبوؤها منذ قرون طويلة يرى آخرون أن الرواية استطاعت أن توجد لنفسها حضوراً في الساحة الأدبية بتطرقها إلى موضوعات تعكس جانباً من حياة الناس وواقعهم فهل يعني ذلك أن الرواية قد تصبح ديوان العرب الأول؟؟!لقد أصبح ذلك السؤال مطروحاً بقوة في الأوساط الأدبية معتبرين أن الرواية استطاعت ان تزاحم الشعر الذي أرخ الحياة العرب بدءاً من عيشهم في خيام الصحراء حتى وقتنا الحالي مرجعين ذلك إلى عدم الإقبال على شراء الدواوين الشعرية التي أصبحت بنظر البعض غير ذات جدوى خاصة بعدما كثر الدخلاء على الشعر واسموا أنفسهم بالشعراء في الوقت الذي تشهد فيه الرواية اقبالاً متزايداً بتناولها جوانب عدة منها التاريخية السياسي السيرة الذاتية وغيرها من الجوانب التي تشد القارئ إليها وتضيف لرصيده المعرفي والثقافي الكثير وفي محاولتنا للكتابة عن الرواية العربية وسعينا لمعرفة نشأتها وجدنا أنفسنا نقف أمام محطات عدة ساهمت كل واحدة منها في وصول الرواية العربية إلى ما أصبحت عليه الآن.لا يختلف اثنان على ان “ ألف ليلة وليلة” نموذج واضح على تأثير القصة العربية في الثقافة الغربية إجمالاً والرواية تحديداً وذلك عندما اتجه الروائيون الغربيون إلى التراث القصصي العربي أثناء عملية الاستشراق والترجمة التي غذت العالم الغربي وتركت أثراً واضحاً على الإعمال الروائية الغربية من خلال اقتباسهم بعض مقاطع الأحداث التي جاءت في “ ألف ليلة وليلة” مثل العواصف البحرية الغرق، ومصارعة الكائنات الخيالية مما يعني أن “ ألف ليله وليلة” حظيت باهتمام واسع من قبل الاوروبيين كالكتاب والقراء أكثر بكثير مما حظيت به في العالم العربي الذي لم يدرسها بكافة تفاصيلها ويتعمق في فهم كل جزء منها.على أن هناك رأياً آخر يرى أن بداية أو أصالة الفن القصصي العربي لا تعود إلى “ ألف ليلة وليله” وإنما هناك خلفيات مهدت لنشوء الفن القصصي العربي منها الأدب النثري الذي يعبر بأسلوب نثري عن قصص”عنترة بن شداد” “ سيف بن ذي يزن” وغيرها من قصص العصر الجاهلي التي مزجت بين الواقعية والأسطورة وهي تصور الحروب التي خاضها ملوك العرب مع جيرانهم وكذا أخبار الأمم الأخرى التي كانت تجاورهم وتربطهم علاقات فيما بينهم واستمر تأثير هذا الفن إلى العصر الإسلامي ويعتبر القرآن الكريم خير دليل على ذلك فمن خلاله عرف العرب المسلمون قصص الأنبياء والأقوام التي سبقتهم وأسباب زوالهم كما أن فيه سورة تحمل اسم “ القصص” كذلك كان يوجد في عصر الرسول الكريم رجل يدعى “ تميم الداري” يروي للرسول وصحابته القصص وبعد خروج الإسلام من نطاق الجزيرة العربية نتيجة الفتوحات الإسلامية واتصالهم بثقافة الأمصار المفتوحة ساهم ذلك في إثراء الثقافة العربية ومن بينها الفن القصصي.كل تلك الأشياء التي جئنا على ذكرها سالفاً يمكن اعتبار المرجعيات الأساسية للفن الأدبي القصصي في العالم العربي ووصولاً إلى الأدب القصصي العربي الحديث وفي هذا الصدد لابد من الإشارة إلى أن كثيراً من المصادر تشير إلى أن رواية “ وي! إذن لست بافرنجي” للبناني خليل خوري التي صدرت عام 1859م هي أول نص روائي عربي عرفه الأدب العربي الحديث. وعندما شرع الروائيون العرب بالكتابة نظروا للروايات الغربية كمثال يحتذي به فسعوا إلى تقليده متجاهلين حقيقة هامة وهي أن الغرب تأثر بالتراث العربي وبـ “ ألف ليلة وليلة” تحديداً كذلك كان لاتصال العرب بالغرب في بداية القرن التاسع عشر اثر كبير عليهم فعمدوا إلى ترجمة بعض الروايات الغربية مع محاولة جعلها تتلاءم مع مجتمعنا العربي الشرقي الأمر الذي يمكن القول عنه إنه الرواية العربية كانت في حالة تبعية للرواية الغربية واستمرت على ذلك الحال لسنوات طويلة إلى ان ظهر بعض الأدباء العرب الذين استطاعوا كتابة روايات امتازت بأنها أكثر قرباً للواقعية العربية متحررة من التقليد الغربي وكان أشهرها رواية “ زينب” لـ محمد حسين هيكل التي نشرت قبل الحرب العالمية الأولى ومنذ تلك الفترة توالت على الساحة الأدبية العربية وتحديداً بين الحربين العالميتين أسماء عربية استطاعت أن تضع اللبنات الأولى للرواية العربية بشكل صحيح حتى وان كان فيها نوع من طغيان الخصوصية أو السيرة الذاتية لهم مثل رواية “ سارة” للعقاد” “الأيام” لـ طه حسين”عصور من الشرق” لـ توفيق الحكيم، ومع هذا فأن الرواية العربية بدأت تأخذ منحى جديداً وتكتسب نضجاً أكبر في التعبير عن الواقع بكل تفاصيله.
في بداية خمسينات القرن العشرين على يد الأديب الراحل نجيب محفوظ الذي أبدى رايه في التبعية التي كانت تعيشها الرواية العربية للغرب بالقول” إن الصلة كانت مقطوعة بين الماضي والحاضر العربي وإن الاحتكاك بالحضارة الأوروبية المنتصرة الوافدة مع قوة الاستعمار دفع الروائيين العرب إلى التأثر بالرواية الغربية وتقليدها”.حيث يمكن القول أن الرواية العربية استطاعت أن تنجز نموذجها المستقل عن الرواية الغربية مستمدة أشكالها من المعيشي المحلي والتراث العربي لتكون بذلك خطاباً عربياً منجزاً يمكن أن يقرأه القارئ العادي والمثقف ويرى بعض المختصين بالشأن الأدبي أن الرواية لم تعد رهينة التوثيق التقليدي وإنما أصبحت أداة بحث يمكن من خلالها استكشاف العالم والتاريخ والإنسان، كما أن السرد هو الوسيلة التي يستعين بها الجميع في التعبير عن أنفسهم وعن غيرهم وفي هذا الإطار يرى الراحل ادوارد سعيد بأن “ الأمم ذاتها تتشكل من سرديات ومرويات” بمعنى آخر أن الرواية العربية قامت بوظائف متنوعة جعلتها في مقدمة الأنواع الأدبية التي تحظى باهتمام كبير.وعودة إلى ذي بدء أيهما سيكون ديوان العرب الأول الشعر أم الرواية؟؟يرى البعض أن الشعر قادر على الصمود في وجه الرواية فالأبيات الشعرية يمكن حفظها وترديدها في أكثر من مجال فيما لا يمكن للناس حفظ مقاطع من رواية ما على الجانب الآخر يرى أنصار الرواية أن الرواية العربية استطاعت أن تصل للعالمية من خلال ترجمة بعض الروايات العربية إلى أكثر من لغة عالمية كما أن العرب استطاعوا الحصول على نوبل من خلال الروائي الراحل نجيب محفوظ فيما لم يستطع الشعر تحقيق هذا المنجز.وهكذا يظل السجال قائماً بين أنصار الرواية والشعر يدافع فيه كل طرف عن رأيه ومبرراته.[c1]المصادر:-- الرواية الآن وتساؤل ملح (جمال سعد محمد)- خصوصية الرواية العربية (د. حسين المناصرة)- الرواية تفجر سيلاً مما سكتت عنه الفنون الأخرى (عبدالله إبراهيم)[/c]
![إدوارد سعيد إدوارد سعيد](https://14october.com/uploads/content/0803/7SWPM9S5-QEJ327/adward.jpg)
إدوارد سعيد