مع الشاعر محمد بن عبدالله شرف الدين
شهاب غانم [c1]عليك سموني وسمسمونيوبالملامة فيك عذبوني وجروا المصحف وحلفونيوقصدهم بالنار يحرقونيحلفت ما أحبك فكذبونيوقبل ذا كانوا يصدقونيهم يحسبوني أضمرت في عينيفقلت الله بينهم وبيني [/c]ومن هذه القصيدة الطويلة والشهيرة والتي غناها كثيرون منهم الفنان محمد مرشد ناجي (أو المرشدي):[c1]قالوا فما لك حين تراه تخجليصفر وجهك إن بدا وأقبل وتستحي يوم تذكره وتفشل يغيب حسك إن ذكر وتذهلوانت قالوا اليوم عليه تغزلغزل رقيق في كل حين يقبل قروا بخطك له غزل حمينييهز حتى قامة الرديني[/c]وشاعر هذه القصيدة الغزلية هو محمد بن عبدالله بن الامام شرف الدين يحيى ، وهو كما يقول د. محمد عبده غانم في كتابه "شعر الغناء الصنعاني" أول شاعر زيدي.في أغلب الظن ينتمي إلى الأسرة الزيدية الحاكمة بين الشعراء الذين اولعوا بنظم الشعر الحميني.ويقول د. عبدالعزيز المقالح في كتابه "شعر العامية في اليمن" عن قصة هذه القصيدة : (وقد روت زوجته أنه كان كلفاً بغادة من ذوات الجمال، وكان يود الزواج منها ، لكنه لم يتمكن لأنها كانت لاتزال صغيرة السن .. قالت زوجته فرأيت من شواهد حاله أن قلبه متعلق بها ، وكنت أرى ذلك في صفحات وجهه وفلتات لسانه ، فلما غلب علي الظن أخذت المصحف واستحلفته فحلف، ونظم بعد ذلك هذه القصيدة.ويرى د. غانم ان الشعر الحميني الذي أسهم به أبن شرف الدين في الغناء الصنعاني، بالغ الأهمية من حيث الكم، وقد اختار له في كتابه 12 قصيدة، إلا ان د. غانم يرى أن أهمية ذلك الشعر الحقيقية تأتي في المقام الأول من ناحية الكيف والجودة التي يحلق بها الشاعر فوق معظم شعراء الحميني في الغناء الصنعاني، إن لم يكن فوقهم كلهم، ويرى أن بعض الشعراء المجيدين الذين جاؤوا بعده أمثال حيدر آغا، إنما جاؤوا بشعر ممتاز، لانهم استوحوا أسلوبهم منه، فقد كان يجمع بين اختيار المفردات وصياغة العبارة، ولكن ميزته العظمى تكمن في رقة عاطفته، كما أنه أول شاعر يستعمل أسلوب الحوار في سرد قصص لقاءاته الغرامية بين شعراء الغناء الصنعاني.أما الاديب اليمني والشاعر المعروف أحمد بن محمد الشامي فيقول في كتابه " من الأدب اليمني" وابن شرف الدين التلميذ الروحي للمزاح، أهمل المؤلف الاشارة إلى كثير من اشعار اغانيه، ولايظن القارئ اني كنت اريد من الدكتور غانم ان يسجل نصوص كل قصائد الغناء اليمني فدون ذلك خرط القتاد ليس بالنسبة إلى شعر الغناء الصنعاني فقط، بل وشعر غناء كل أمم الأرض، ولكن باعتباره قد ادعى الشمول، كنت أريد ان يفهرس لها على الأقل، ثم يقول: انه قد اختار منها مائة وسبعة عشر نصاً، وذلك كثير ولن يطلب منه المزيد .. وقد رد الدكتور غانم على هذه الملاحظة في مقدمة الطبعة الثانية من كتابه الذي اعيد طبعه بعد ذلك مرات كثيرة قائلاً: "أما أنا فقد اعلنت في مقدمتي أني قد اقتصرت في بحثي على الاغاني الصنعانية الذائعة بنوعيها الحكمي والحميني وكنت أظن أن صفة الذيوع تكفي إيضاحاً لمقصدي بأن تكون هذه الاغاني مما يذاع في محطات الاذاعة بصنعاء وعدن، ومما يتغنى به على العود غناء صنعانياً في سائر انحاء اليمن".ولد الشاعر ابن شرف الدين في كوكبان، المدينة الصغيرة التي تقع في الشمال الغربي من العاصمة صنعاء، وكان جده إماماً زيدياً حكم اليمن، وعمه المطهر اكثر افراد أسرة شرف الدين شهرة في تاريخ اليمن الوسيط.وعلى الرغم من أنه نشأ في أسرة انخرط افرادها في الصراع على الحكم ضد منافسيهم من الائمة وطالبي الامامة، إلا أنه كان يميل إلى الشعر والطرب وحياة السلم والدعة، وينفر من هذه الصراعات والحروب، وقد بين ذلك جامع ديوانه المسمى "مبيتات وموشحات" كما أنه كان في وضع مادي يغنيه عن الاضطرار إلى مدح الحكام".ويقول د. المقالح عن شرف الدين: أنه كان يكره الحروب، ينفر من منظر الدماء واصوات المدافع، ويعاني احباطاً في الحب والسياسة، وكان دائم الخوف من المدينة، ما يجعله شاعراً رومانسياً، ان صح مثل ذلك الوصف لعصره، وكانت قصائده نابعة من تجارب حب ذاتية في معظم الاحيان، ولكن هناك استثناءات قليلة مثل القصيدة التي كتبها على لسان الامام المطهر بن شرف الدين، الذي طلب منه ان ينظمها عندما زفت اليه الشريفة حورية بنت أحمد التهامية، وطلب منه ان يذكر محاسنها! فكتبها ولم يذكر اسمها في قصيدة منها قوله : "ممن لا أبوح باسمه، فطلب منه الامام ان يصرح بالاسم، فكتب قصيدة اخرى مشهورة في عالم الغناء الصنعاني، وممن غنوها المطرب أبراهيم الماس .. تقول :[c1]صادت فؤادي بالعيون الملاحوبالخدود الزاهرات الصباحنعسانة الاجفان هيفا رداحفي ثغرها السلسال بين الاقاحفويتنة في خدها وردهاسويحرة هاروت من جندهافي مزحها لاقت وفي جدهاافدي بروحي جدها والمزاحجنانية مثل القمر حوريةتزري بحور العين فردوسيةبحسنها لي ملهية مسليةان همت فيها ما علي من جناح[/c]وهي قصيدة طويلة من 12 مقطعاً وقوله:"جنانية مثل القمر حورية" فيه اشارة إلى اسمها "حورية" .. ونحن نعجب من ان ذلك الحاكم في مثل ذلك الزمن لم يكن يرى بأساً في الاشارة إلى اسم زوجته في قصيدة غزلية وان كتبت على لسانه:يقول ابن شرف الدين في قصيدة اخرى غناها شندي:[c1]يامكحل عيوني بالسهرانت البستني ثوب الضنى قالوا الناس بكرة في سحرفرقتك ياغزال المنحنىعاشقك رام يصبر ما قدرما فراق الحبيب إلأ عنا آه من رقتك ياذا القمرليتنا ما اعترفنا ليتنا ايها البدر كان الله معكبعدك أجرى دمي من أدمعيلو يتح لي اجي استودعكوتمسح بكفيك أدمعيوأقل لك "مع الله" واسمعكحين تقول: يا حبيبي الله معينغمتك مثل ترجيع الوترفي سماعي لها كل المنى رق من فرقتك قلبي وذابوأنت قلبك علي قاسي شديدلو ترى دمع عيني في انسكابكنت ترحم دموعي لو تحيدما عليك باس في رفع الحجابانظرك يا حبيبي من بعيدكيف ما حدت حتى بالنظريا حويلي المعاني والجنى[/c]و"تحيد" تعني تنظر، أما عبارة : " ما اعترفنا" فيرى د. غانم انها تعنى ما تعارفنا، ونحن نتبين من القصيدة ان النساء كن يلبسن الحجاب في زمنه ومجتمعه، أو على الاقل كانت معشوقته محجبة.وفي قصيدة اخرى يستعمل كلمة "سمسم" مرة اخرى كما في القصيدة في مطلع هذا المقال وهي توليد كلمة سم:[c1]عذيب اللمى عذب فؤادي وسمسمهوانحل بطول الهجر والصد مغرمهأنا أهواه ما أخفي قط اسمه وأكتمهوكيف اكتمه يا ناس والله يعلمهأحبه ولايدريوقد قل فيه صبريواخشى يبيح سريويدري بمكنوني رقيبي ويفهمهوحاشاه ما يرضى يبيح سر مغرمه[/c]وهي قصيدة طويلة:ومن قصائده التي غناها الفنان الشهير في مجال الاغاني الصنعانية علي أبوبكر باشراحيل أغنية مطلعها:[c1]لقيت في المسقى جدا المحلةفي مورد الما لي لقيفقلت له عرني سقاك اللهاني ظويمي شاستقيرمى التعالي ورنا بمقلهبالموت صارمها سقيوقال لاتحبس فشانزلهزل الرفاق ما حد بقيفقلت ان زل الرفيقشاكون رفيقك في الطريقوامسى معاكم في الفريق[/c]وشاكون" تعني سأكون بلهجة شمال اليمن، وفي عدن يقولون با أكون، ويلاحظ من القصيدة السابقة ولع أبن شرف الدين بهذا النوع من الغزل بالريفيات، وبولعه الشديد بأسلوب الحوار في قصائده ومن القصائد الاخرى التي غناها باشراحيل ايضاً قصيدة مطلعها:[c1]حميمية باتت تردد ألحانتبكي فتبكيني بدمع شنانفقلت بالله ياحمامة البانعليش تبكي من بكى فله شان لاتكتمي بالله يا حمامةوحدثيني ذا البكا علامهانتي عسى في الحب مستهامةمثلي تشاكينا الهوى والاشجان[/c]ومن قصائده التي غناها محمد الماس اغنية مطلعها:[c1]معشوق الجمالنهب فؤادي جمالهفي هجري أطالواذاب قلبي مطالهلا كان المطالله تقولوا أطالهابدى لي الملالويلاه من ذا مالهويه ياسين عليكمن نار وجدي وكربيما ذنبي إليكاسقمتني وأنت طبيقلبي في يديكبالله عليك هات قلبي[/c]ونرى في هذه الابيات اسلوبه السهل الرقيق، وعبارة " ياسين عليك" تعني يحفظك الله أو يقيل عثرتك ببركة سورة يس، وهي عبارة شائعة في اليمن.وفي قصيدة اخرى مطلعها " خلي جفاني بلا سبب" يقول:[c1]ما أحلى حبيبي وما أحسنهكالغصن إذا مال واستوىالله صاغه وزينهمثل الغزالة سوا سوافي داخل القلب مسكنهيسكن مع الحب والهوى[/c]وفي قصيدة يغنيها علي الجمالي يقول في مطلعها:[c1]يا من سلب نوم عيني طرفه النعاسوعذب القلب ما بين الرجا والياسوأغرى بي الشوق والأشجان والوسواس لاتشمت الناس بي يا منيتي في الناس[/c]ومن قصيدة مطلعها:[c1]السنا لاححرم على أجفاني لذيذ الهجوع[/c]يقول:[c1]ما على الناس مني وما عني يقول العذولما عليه باسيقول عشق ليلى وهام في الطول[/c]وفي قصيدة اخرى:[c1]المعنى يقول يا من سكن في فؤاديواحتجب في سعوده[/c]ومنها :[c1]كامنة في الحشا كالنار بين الرمادباردة من شديدهفالسعيد الذي لايبتلى بالودادلا بلى من يفيده[/c]ويلاحظ في القصيدتين الاخيرتين كيف ان عدد التفعيلات تختلف بين شطري البيت،ويستمر النظام خلال القصيدة:ومن أغانيه التي ذكرها صاحب كتاب "شعر الغناء الصنعاني" أغنية مطلعها:[c1]اخضر ليه تبخل علي بوصلكاخضر سباني بهجتك وخصركاخضر تماطل كم يكون مطلكاخضر سويدا مهجتي محلك[/c]و"اخضر" تستعمل بمثابة بديل لكلمة اسمر، أو أسمر داكن شديد السمرة.وقد ذكر الشامي قصائد لشرف الدين كانت تغنى مما لم يرد ذكرها في كتاب غانم، ومن تلك قصيدة مطلعها:[c1]يا مخجل البدر في التمام وشبه الشادن الاغنإليك قلبي المشوق ضاميعطشان إلى وجهك الحسن [/c]وقصيدة ذات لحن كوكباني يقول مطلعها:[c1]يا مغير الطلعة البدرفي آوان التمام [/c]وقصيدة مطلعها:[c1]شقيق القمر أسفربديجور أفنانه[/c]واخرى مطلعها :[c1]غاب عني وذكره لايغيبونزع وهو عن ذكري قريب[/c]واخرى مطلعها:[c1]يا مغير الغزالة والغزالهات روحي وجد لي بالوصال [/c]واخرى مطلعها:[c1]يا مخجل الشمس البدريادري العقد والمبسم[/c]وكل هذه، كما يقول الشامي، مما يغنى .. ونلاحظ من مطالع هذه القصائد أنها كانت تدور حول التغني بجمال ومفاتن المعشوقة.وكما ذكر المقالح، فإن للشاعر ايضاً شعراً فصيحاً متين السبك، جيد العبارة، ولكن شهرة شعره الحميني طغت على شعره الفصيح الذي لم ينشر حتى الآن في ديوان ، ومن قصائده الفصيحة قصيدة غزلية مطلعها:[c1]يا راقد الليل لم تشعر بمن سهرااسهرت عيني فعيني لاتذوق كرى[/c]وقصيدة في امرأة تركية تقول:[c1]هم الترك حبهمو يتلفاما والذي باسمه احلفجمالهموايسترق النفوسوحبهم للنهى يشغف[/c]ويقول د. المقالح إنه يظن أن مثل هذه الابيات مما يعد مدحاً للأتراك لابد أن يكون قد جر عليه سخط المثقفين في عصره، إذ كان الشعب يومها في معركة ضارية مع الاتراك .. ولكن الشاعر لم يكن ممن يأبهون بالسياسة وقضايا الوطن، فقد كان جل اهتمامه ينصب على الشعر والحب.كما أن للشاعر موشحات فصيحة في الحب والغزل مثل موشحه الذي مطلعه:[c1]قل لمن عربد في تيه الصباواحتسى من ريقه العذب المداماوتغنى فتثنى طرباوانتضى من طرفه السيف الحساما [/c]وقد كان شائعاً في زمنه أن يستخدم شعراء الصوفية عبارات الحب والغزل، وهم انما يكنون بها عن وصف الذات الالهية والسمات النبوية، أما ابن شرف الدين فإنما كان يقصد في غزله معشوقات محددات من النساء.