قبل أكثر من ربع قرن..في مبنى إتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين بعدن ..عندما كان للاتحاد (شنة ورنة )..وكان يضم نخبة من ألمع الأدباء والكتاب الذين أنجبتهم اليمن ..أما قيادته فإن الكلمات مهما كبرت فأنها تتقزم امام قاماتهم العملاقة !!كنا أربعة ..الرائع عمر الجا وي ..النغم الجميل محمد عبده زيدي ..شاعر الحب والوطن عباس الديلمي.. كا نت هذه أول مرة نلتقي فيها (الزيدي وأنا ) بعباس الديلمي /شخصيآ ،بعد أن التقينا بإبداعاته والتقى بإبداعاتنا من قبل .. وأذكر أن الأستاذ عمر الجاوي الذي كان ماسكا زمام الحديث ونحن نستمع اليه كتلاميذ يستمعون إلى فيلسوف صيني من زمن العلم والفلسفة ..أذكرانه قال ضاحكآ:تعرفون أنكم الثلاثة تكملون بعضآ !!..يعني يكتب الديلمي نصوصآ غنا ئية ،ويلحنهاويغنيها محمد عبده زيدي ..وتقوم أنت يا عبد القادر بتقديمها في سهرة الألحان التلفزيونية مع إستضافة الديلمي ..والزيدي ..أعتقد أنها ستكون سهرة مميزة !! قلت : لو تحققت هذه الأمنية بالنسبة لي .. فأنني على استعداد أن لاأقدم أي سهرة فنية بعدها لمدة عام كا مل لانه سيكون من الصعب تقديم سهرة بمستواها المتميز !!ورغم أننا أفترقنا تلك الليلة على وعد ان يكتب الديلمي نصوصا غنائية ، يلحنها ويغنيها الزيدي، واقدمها في سهرة فنية .. الا ان الوعد بكل اسف لم يتحقق!بعد ذلك اللقاء قابلت الشاعر عباس الديلمي في مناسبات مختلفة في عدن وصنعاء .. وكان اعجابي به يزداد كل عام .. اعجابا بالشاعر والاديب والاعلامي المتميز .. وحباً للانسان الرائع الراقي رجل المواقف العظيمة!قال عنه اديب اليمن الكبير عبدالله البردوني:وليلى عباس الديلمي هي هذه الرائعة الممتدة تحت عيون النجوم ووجه الشمس يتغنى بالارض التي تنبض في قلب كل حسناء .. وتشمخ في جبهة كل بطل .. وتترقرق في عيون الحلوات .. وتغني في عروق الزنود السمر .. وهذا النوع من الغزل اصيل في تاريخنا.لقد حقق عباس الديلمي أمل ابيه وأمل الادب فيه فكان صادقاً مع نفسه وفنه!أما شيخ الصحافة اليمنية الاستاذ صالح الدحان فقد قال: عباس الديلمي مفرط في تواضعه، جم في تأدبه .. عملاق دون ادعاء ، وشامخ في كبريائه دون استعلاء مستبسل في الدفاع عن حياض فكره بتواضع الدارس والمثقف.. ليتمكن من بلوغ ذرى الابداع خطوة خطوة![c1]يقول عباس الديلمي عن احبائه الذين ساهموا في تقديم الدعم ليحقق كل هذا النجاح والتطور والشهرة:[/c]* شكراً لفخامة الرئيس علي عبدالله صالح الذي تعلمنا منه كيف نغني للوطن والوحدة والديمقراطية .* شكراً لوالدي الذي بذر في روحي حب القصيدة.* شكراً لكل صبية وامرأة جعلت من علاقتي بحياة الوديان والمراعي مدرسة أولى أو حضانة تذوق الاغنية الشعبية وايقاعاتها ومحاكاتها.* شكراً لاخي احمد الذي عرفني بالفنانين القديرين علي الآنسي واحمد السنيدار ليمنحني كل منهما مجذافاً صغيراً اجذف به في شاطئ الاغنية.* شكراً للشعراء الكبار : عبدالرحمن الآنسي، محمد عبدالله شرف الدين، العباس بن الاحنف، الحسن بن هانئ (ابي نواس) .. فمن تراثهم تعلمت كيف اكتب طلب الدخول الى عالم الاغنية.* شكراً لمدينة تعز الملهمة .. وصنعاء الساحرة.* شكراً لاذاعة صنعاء في فترة السبعينات حيث مكنتني من سماع رجع صدى صوتي ولا زلت تلميذا تعثر في في ساحة القصيدة.* شكراً لنصف روحي أم الفضل* شكراً للصديقين الاولين العزيزين : الموسيقار سهيل عرفة وابنته امل عرفة .. على مشاركتهما الطيران في سماء الاغنية.* شكراً لكل من ألهمني .. وكل من شاركني ويشاركني الغناء.ولكن يا عباس لماذا الغنائيات؟ فيجيب أبو الفضل: الاغنية التي لا تحتفظ بنفسها الا في اشرطة الكاسيت واوراق الوراقين ولا تحفظها القلوب وتتناقلها المشاعر والالسن من جيل الى جيل لا تستحق ان تعيش، لانها ان عاشت تكون كالمولود العليل وان مشت كانت كالمعاق الذي لاتنفعه العصا .. او العكاز!![c1]يضيف الديلمي الى كلامة المعبر عن اصدق المشاعر:[/c]** منذ ان وقفت امام هذا المعنى وانا اتردد في تنفيذ مايقترحة على اصدقائي بطبع ماكتبته من اشعار غنائية فمنذ وجدت نفسي مدفوعاً لادخل ساحة القصيدة من بوابة الاغنية وانا في السادسة عشرة من عمري اي قبل ثمانية وثلاثين عاماً وانا اتردد عن طبع غنائياتي .. وهذا ماجعلني في عام 1973م عندما لاحت امامي فرصة الطباعة ادفع بمجموعة من بداياتي الشعرية الى المطبعة بعنوان ( اعترافات عاشق) واترك الغنائيات بعيدة عن اسنة المطابع.[c1]** ولكن .. متى انهى عباس هذا التردد؟[/c]عندما وقفت امام مقولة لحيكم من دا غستان تقول : " لكي يعرف الانسان نفسة يحتاج الى كتاب .. ولكي يعرف الاخرين يحتاج الى كتاب" .. حينها عزمت على التقدم الى الناس بكتاب يعرف بي .. فاخترت الغنائيات من بين ستة كتب معدة للطباعة منها ثلاثة دواوين شعرية!![c1]** ولكن .. لماذا اختار الديلمي الاغنية لتعرف الناس به ؟[/c]يقول عباس:لاسباب كثيرة منها ان الاغنية كانت بوابتي الى عالم القصيدة واجنحتي الى خارج حدود اليمن !!ولانها هويتي التي ابرزها لمن يريد ان يعرف من انا ومن اين .. كيف احب واعشق .. اكره واغضب.. اعادي واصادق.. واسالم واحارب.. بل كيف يفعل اليمانيون ذلك كون الاغنية لاتولد اولاً في قلب شاعرها لتعبر عنه وحده! ولكنها تولد في اكواخ الفقراء وقصور المترفين .. في سهر العيون وسحر الابتسامات .. في خنادق المقاتلين واوجاع العشاق وسعادة المحبين..واصرار المناضلين .. الخ !!هي سحابة محملة بالماء والنار .. تكونت من ضمير المجتمع وامطرت في قلب الشاعر الذي يطلقها صدى معبراً رجعه ذلك اللحن الذي جعل منها نقطة التقاء جماعي لاكثر من جيل!!هكذا انظر الى الاغنية منذ تعاملت معها صغيراً وكانت كأس حبي الاول والوسيلة التي ما ان نما الى علم والدي الشاعر اني اتخذها منفداً الى بحر القصيدة حتى نصحني بان اجعل منها اداة الغوص في بحر اللغة وقواعدها وفقهها ..ولكن .. الى اي مدى استجاب عباس لنصيحة والده ( الشاعر القاضي؟ ) [c1]* وماذا ارادت الاغنية ان تعلمه؟[/c]* الأغنية شاءت ان تعلمني كيف أحب أولاً واتحمل مشاق اصطياد لآلئ تصلح لأن تكون أغنية وعقداً نفيساً على جيد من أحب !!لقد علمتني الأغنية أن لا اقع فيما علمتني الاحتراز من اي شيء قد يسرقني اويبعدني عنها !!ان اقول : الاغنية .. القصيدة .. امام الصحافة .. امام السياسة .. امام السلم الوظيفي وامام كل المغريات المادية.. ولن اندم على ذلك ابداً !![c1]** ياعباس .. كل هذا العشق للأغنية؟[/c]لست اول ولا آخر من كانت هذه قناعته ونظرته الى الاغنية .. وقديماً قال العبقري الصيني (كونفوشيوس): لست ابالي بمن يضع شرائع الناس مادمت اضع اغانيهم!!هكذا انظر الى الاغنية واجد فيها التعويض عن كل شيء ولا استطيع ان اتصور مجتمعاً حياً بدون اغنية جيدة.. حتى المحارب الشجاع والعامل المتفوق والعاشق الفذ.. لابد له من اغنية !![c1]** وماذا ايضاً يا ابا الفضل ؟[/c]لقد وضعت في ديوان ( الغنائيات) ما استطعت جمعه .. وكان حرصي أن تكون في مقدمة ذلك بداياتي الاولى ( نجوم الليل) و( شاهيم طول الليالي) و( مشي دلا) وأغنية ( ياطبيب الهوى) أول ما اختطه قلمي من غنائيات ولهذا تركتها كما هي بضعفها ، وتعثر خطواتها .. وتركتها كما هي لانها المتحدث الصادق عن بدايتي .. وفيها قرية الذاري وواديها الجميل اللذان زوداني بخامة شعرية شكلتها مدينة تعز .. ولأنها تكونت على هيئة اغنية شعبية تسمى ( المعينية) اول مالامس قلبي بأثر بالغ .. وانا استمع الى اجمل اصوات الوادي، تترنم بها وتقول :[c1] حنّ قلبي ، رعد ياناس ماحد يلومهان صبر مارقدوان صاح شاعت علومه[/c]لقد بادرت لا اعرف لماذا، ودنما اختيار- الى الكتابة او الغناء بنفس الوزن والرجع والحنين والشكوى- وجعلت من هذا بداية علاقتي مع الاغنية قبل سنوات على دراستي للفلسفة ووقوفي امام مقولة الفيلسوف افلاطون العظيم:ان الموسيقى غذاء للنفس وتبعث الاتزان والفطنة وهي عطية آلهة الفنون الحرة التي تحول مافينا من شاذ متنقل الى محكم ثابت .. وترد كل تنافر الى جناس متناسب .. وتبصرنا طريق الهدى.وقبل ثلاثين عاماً على قراءاتي لمقولة العبقري الداغستاني رسول حمزاتوف:( من لايعرف الأغنية فعليه ان لايعيش في منزل .. بل في زريبة !!).
|
رياضة
غنائيات عباس الديلمي
أخبار متعلقة