كما تتجلّى العروس احتفلتُ وأمي وأختي وزميلاتي بذهابي ولأول مرة إلى أرضي «فلسطين»، بكيت وضحكت، حزنت.وفرحت شعرت بكل التناقضات التي يمكن أن تعتري قلب أي شخص مقبل على المجهول. ذهبت ابحث عن قصص تعكس مآسي أبناء الوطن، فوجدتني جزءا لا يتجزأ من هذه القصص.لا اعرف فلسطين الأرض والوطن إلا من حكايات أمي وأبي وجدي وجدتي وعمي أبو زهير. فكانت رحلتي هذه عصارة ذاكرة لا املكها. ساعات قليلة مرت وأنا في طريقي إلى الأردن ولكأنها بدت لي وكأنها دهر، فبالرغم من قصر المسافة إلا أن ساعة الزمن توقفت وكأنها تتحداني وتعاند شوقي وشغفي إلى وطني فلسطين. علاقتي بفلسطين تشبه إلى حد كبير علاقتي بالخالق، اشعر به، أناجيه ولكني لا أتلمسه, صورتها رسمت في خلدي دون أن أراها، ورثت قضيتها من أجدادي دون أن احصل على أوراق ثبوتية، ، لم المسها ولكني الآن أراها قريبة, رغم أنها بعيدة، وكأن الحلم لم يكن حلماً وأراد الواقع أن يجسدها أمامي ليطمئن قلبي. احمل جواز سفر بريطانياً وهوى عربيا وقلبا فلسطينيا، ملت إلى الإعلام لا اعرف لماذا وهو الذي يجردك من كل أحاسيسك وأهوائك، وربما هذا هو السبب: ربما أردت أن اخفف من على عاتقي حملا أثقل كاهل دول بأكملها فما بالك بابنة الشتات؟!لم أكن اعرف أن ذلك لم يكن سوى حل مؤقت فما أن وقفت أمام العودة المؤقتة أيضا حتى وجدت نفسي انظر إلى فلسطيني بعين بعيدة عن السلطة الرابعة، انظر إليها بعين أمي وأجدادي، بكيت ؛ضحكت حزنت وفرحت وشعرت بكل التناقضات. كان أمامي العديد من التحديات وفي مقدمتها كيفية التعامل مع عدوي وجها لوجه.فلطالما حمتني السلطة الرابعة من مثل هذه المواجهة المباشرة ليقتصر اللقاء عبر صور تمر وتغيب. كوني لاجئة فلسطينية في لبنان، لم تتطور علاقتي مع العدو فبقي المحتل الغاشم القاتل المغتصب للأرض والوطن والروح والهوية. لم تختلف الشعارات في لبنان رغم دخول مصر والأردن في اتفاقات مع إسرائيل ورغم اعتراف أوسلو بها. وحتى خلال فترة إقامتي في لندن لم أواجه مدنيا، سياسيا أو عسكريا إسرائيليا هناك، وبقيت علاقتي معه اللا علاقة.وها أنا بعد طول سنين أجد نفسي في مواجهة لا اعرف كيف يجب أن تكون أو ستكون ملامحها. دائما ما كنت افهم، ولا أتفهم، غياب حقوقنا المدنية كلاجئين فلسطينيين في لبنان في ظل الحسابات السياسية والطائفية والاجتماعية، لكني لم استطع استيعاب أن أكون لاجئة لا بل سائحة في بلدي الأم. فكيف لغريب أن يقرر إن كان لي أن اعبر إلى تراب الوطن أو لا. كيف له أن يسألني عن أصلي وفصلي وأنا الأصل والفصل والتاريخ.خفت هذا اللقاء، خفت أن أرى اضطهاده لي ولأبناء شعبي وان أسكت، وخفت أن يقابلني بابتسامة لا يمكن أن تقابل إلا بالصمت.بالرغم من أن الطبيعة مشابهة عند الحدود الأردنية الـ ........ إلا أني رأيت أو ربما ارتأيت أن تلالنا تختلف في شكلها، فكانت جميعها وكأنها قائمة على جذوع متجذرة في الأرض في رسالة لكل من يقرب هذه الأرض الطاهرة إننا باقون ولن نقتلع مهما حصل. ما إن اقتربت واقتربت حتى مدتني التلال المترامية على الطريق بنوع من القوة والإصرار. وكان من بعدها اللقاء..... [c1]* عن / موقع “العربية.نت”[/c]
|
اتجاهات
رحلة في ذاكرة لا أملكها
أخبار متعلقة