على مشارف القلوب
القلوب أسرار كما يقال ، فيها الحب وفيها الكره ، فيها الرقة وفيها القسوة ، فيها التقوى وفيها الفجور ، لكنها قبل ذلك باعتقادي أكبر سر من أسرار القلوب .الحديث عن القلوب هو حديث بالتالي عن عالم مليء بالأسرار والألغاز الكثيرة وإختيار ضيف اللقاء من وسط أساتذة جراحة القلب المفتوح سيكون حواراً مغموراً بالإثارة والجذب والتشويق في سبيل الوصول إلى بعض الحقائق المتعلقة بملك الاعضاء وجوهر الانسان وهو القلب .عن أوجاع القلوب وآلامها وعن هيبة المضغة التي يرتبط مصير الانسان ومستقبله بها ( صلاحاً وفساداً) وعن صدأ القلوب وفسادها وظروف جراحة القلب وضغوطها النفسية المرتبطة بها على فريق الجراحة وعن مشاهد العملية التي قد يتأثر بها جراح القلب والمشاعر الانسانية والروحية التي قد تتملكه أثناءها وغيرها من الاسئلة والمحاور التي كانت محل حديثنا مع خبير جراحة القلب المفتوح بمركز الأمير / سلطان بن عبدالعزيز لطب وجراحة القلب بالمملكة العربية السعودية الدكتور / عماد عبدالله بخاري ااثناء زيارته مؤخراً لبلادنا على رأس فريق جراحي متطوع لإجراء بعض العمليات الصعبة مجاناً وهذه حصيلة الحوار .النتائج جيدة> دكتور عماد . أهلاً وسهلاً بكم في اليمن حبذا لو تكرمتم باعطائنا فكرة عن نتائج زيارتكم لبلدنا اليمن ومشاركتكم في برنامج طيبة لجراحة القلب المفتوح؟- بادىء ذي بدء إسمحوا لنا أن نعبر من خلالكم عن عميق حبنا وشكرنا لأهلنا وإخوتنا في اليمن قيادة وحكومة وشعباً على ماتشرفنا به من حفاوة وترحيب وعلى حسن الضيافة وطيب الإقامة في وسطكم ، أما عن مشاركتنا في البرنامج فقد حضرت الى بلدي اليمن برفقة عدد من الزملاء في فريق طبي لجراحة القلب المفتوح أمثال الدكتور / عبدالحميد سمر قندي إستشاري تخدير القلب ورئيس القسم في جامعة الملك سعود في الرياض بالمملكة العربية السعودية ومعي أيضاً من ضمن الفريق الاخوة الاطباء الدكتور / أسامة الامير والدكتور / عادل والدكتور / عبدالله أخصائي التخدير وهناك فنيون وممرضون من مركز الامير سلطان لأمراض وجراحة القلب وقد جرى الترتيب لهذا البرنامج من قبل مؤسسة طيبة الخيرية في اليمن بالتنسيق مع مؤسسة مكة في المملكة العربية السعودية ، وكانت هناك قائمة طويلة من المرضى منتظرين لإجراء العمليات الجراحية ، فأرسلت لنا هناك بالمملكة للتنسيق والقدوم الى مركز القلب لأمراض وجراحة القلب في مستشفى الثورة لإجراء العمليات وكان هناك تعاون وثيق بين مؤسسة طيبة والهيئة الادارية بمستشفى الثورة وعلى رأسها الدكتور / أحمد العنسي جزاه الله خيراً ووفقه الى كل خير ، وطبعاً تم استعراض القائمة الطويلة للمرضى وقمنا بأختيار مجموعة منهم وبدأنا في إجراء العمليات الجراحية من أول يوم بحيث كنا نجري بحوالي (3-4) عمليات في اليوم الواحد وكلها من العمليات المعقدة الكبيرة وبفضل الله عز وجل المرضى بحالة طيبة وجيدة والنتائج ممتازة بحمد الله.الخصوصية الاولى هل كان للحالات المرضية التي استقبلتموها في اليمن خصوصية معينة مقارنة بالحالات التي تستقبلونها في المستشفيات السعودية أو غيرها ؟- الحقيقة أن الكثير من المرضى قدموا الى صنعاء من مناطق مختلفة وبعضهم كان في وضع متقدم جداً والمرض قد أشتد عليهم بشكل شديد وهذا لعله يمثل خصوصية لمرضى القلب في اليمن لأن بعض مناطق العالم يجرون العمليات الجراحية لمرضى القلب في مراحل مبكرة قبل أن يستصعب المرض ويشتد على المريض لكن بفضل من الله سبحانه وتعالى ولطفه حتى وإن كانت الاحوال مستعصية والمرض مشتد لكن لازالت النتائج طيبة حيث أن جميعهم بخير وصحة وعافية إن شاء الله تعالى ، والبعض خرج من العناية المركزة وعن قرب يتجهون الى بيوتهم سالمين إن شاء الله تعالى .صورة معكوسة > بالنظر الى نوعية إصابات القلب في اليمن تتقدم حالات تلف الصمامات قائمة الحالات ثم تليها إنسداد الشرايين وفي المرتبة الثالثة التشوهات والعيوب الخلقية في القلب ، هل يتطابق هذا الترتيب مع ماهو سائد في العالم أم أنه إضافة أخرى للخصوصيات في اليمن ؟- هذا الترتيب الموجود الذي ذكرته لاحظته - للأسف هنا- وكان موجوداً لدينا في المملكة العربية السعودية قبل فترة من الزمن لكن الصورة الآن على المستوى العالمي معكوسة ، فمرضى الشرايين ،وعدد منهم رشحوا لإجراء عملياتهم هنا من حوالي (52) مريضاً منهم صمامات (11) ، وهذه النسبة في العالم الخارجي الاوروبي والامريكي حتى في السعودية في الآونة الاخيرة معكوسة تماماً .الوقاية أولاً > كيف جرى إذاً - تعديل هذا الترتيب وتلك النسب العالمية ؟- الحقيقة أن القضاء والوقاية من روماتيزم القلب كان هو المحور الرئيسي على مستوى العالم فقد كان هناك وعي كبير جداً في مقاومة روماتيزم القلب منذ الطفولة ، فمعرفة نظرية روماتيزم القلب الذي ينتقل من إلتهاب بسيط متكرر في اللويزات الى صمامات القلب واستمرار هذا الإلتهاب في صمام القلب على مر السنين حتى يشتد المرض وينهك هذا المريض طفلاً وشاباً وكبيراً في السن معرفة نظرية هذا المرض أدى الى الوقاية منه بشكل كبير في معظم أنحاء العالم لذلك أنا أرجو - الحقيقة- أن يسهل المولى عز وجل وييسر أسباب القضاء عليه في مراحل مبكرة بالوقاية واستخدام المضاد الحيوي عند اللزوم وتوفر العيادات والاطباء والادوية والصيدليات في كل مناطق هذا البلد العزيز حتى يكون هناك علاج لهذه الظاهرة .مستويات راقية > من خلال زيارتكم لمركز القلب في صنعاء ، كيف وجدتم مستويات الاداء في المركز ؟ وهل اصبحت مماثلة لمراكز القلب في المنطقة ودول الجوار؟- بالتأكيد .. رأينا مستوى جيداً وعالياً وراقياً ، أبدأ علي رأس الهرم بذكر معالي وزير الصحة والدكتور أحمد العنسي والدكتور هشام عثمان والفريق الطبي كاملاً وجدناه أولاً في مستويات أخلاقية ورائعة وعالية جداً وفي تعامل وتعاون وتفان رائع من الجميع في أداء الخدمة وثانياً في مستويات علمية وعملية متميزة سواءً أطباء واستشاريي التخدير او أطباء استشاريي جراحة القلب ، أو من أطباء القلب وأطباء الاشعة الصوتية وكذلك الامكانيات بفضل الله عز وجل متوفرة بشكل جيد وممتاز .وطبعاً لابد دوماً وأبداً أن يكون هناك مجال للتطوير والتحسين وهذا في كل مكان وفي أفضل الاماكن توجد نظرية التطوير والتحسين وهي المتحدث عنها الدكتور / أحمد العنسي عندما كان يقول : إننا نريد المستوى أن يكون في أعلى وأعمق وحتى يكون في مستوى عالمي أكثر وأكثر إن شاء الله تعالى .المرضى والمركز > ماهي الملاحظات التي خرجتم بها عن المركز والتي يمكن أن تفيد أشقاءكم بالمركز لتطوير طب القلب في اليمن ؟- المركز الذي وجدناه أرجو أن يكون في مصاف المراكز الجيدة على مستوى العالم ، لكن إذا تيسر لنا أن يكون هناك مراكز أخرى مماثلة في اليمن فذلك أفضل لأن المرضى أكبر بكثير من طاقة هذا المركز ، المرضى أكبر بكثير من طاقة مركز واحد على مستوى الجمهورية .وإذا كان هناك مركز آخر على سبيل المثال واحد في الشمال وآخر في الجنوب وثالث في الشرق ورابع في الغرب فهذاسيساعد كثيراً في تخفيف الضغوط على مستشفى الثورة ، حتى وإن كان هناك تنسيق بين تلك المراكز أجمعها ويكون المستشفى هنا هو الجهة المركزية .الحد الاوسط > هل هناك نسبة عالمية تحدد سقف معين لكل مركز ؟- هنالك حد أدنى ، وبعد ذلك هنالك نسب من غرف العمليات والطاقم الطبي والاجهزة الموجودة الحد الادنى لأي مركز يريد أن يكون ناجحاً في عمله في أمراض القلب وجراحته علي الاقل (002) مائتي حالة في السنة ، لكن هنالك مراكز تجري ألف حالة في السنة وهناك من يجري خمسة آلاف حالة في السنة ، وعلى سبيل المثال كنت في زيارة قريبة للهند وهناك رأيت مركز جيداً مشابهاً لمركز مستشفى الثورة ويجري حوالي خمسة آلاف حالة سنوياً ، ومركز مستشفى الثورة هنا يجري مابين ألف إلى ألفين حالة في السنة وهذا شيء طيب بفضل الله تعالى ، وهناك دراسات صدرت في بريطانيا عن عدد العمليات التي يمكن اجراؤها وتعليق ذلك بعدد السكان ولكن هذه الدراسات يمكن الحديث فيها عندما نمتلك الحد المطلوب من المراكز حتى نتحدث عن الوصول الى الحد الامثل فنحن نريد أن نصل الى الحد الاوسط وبعد ذلك نطمح الى الحد الاعلى .للجراحة أيضاً خصوصية> ونحن نتحدث عن الخصوصيات - دكتور - دعني أسألك عن خصوصيات محددة يتطلب توافرها في جراح القلب وفريق عمله ؟- نعم ، الجراح يحتاج لأن يكون من النوع المثابر الدؤوب الحريص المخلص الامين الدقيق ، وأن تكون قراراته وتصرفاته علمية ، لأن أي ابتعاد عن التصرف العلمي الامين قد يؤدي بهذه الروح وهذه النفس البشرية الى الهلاك ، فهذه الخصوصية ضرورية بالذات ومطلوبة في جراحة وتخدير وطب القلب .خوف وإطمئنان > يتعامل الطبيب الجراح مع عضو بهذا الحجم من الهيبة والاهمية والمسئولية ، ماهي المشاعر التي تتملكه والفريق الجراحي أثناء الوقوف على مشارف القلوب وبين عتبات الصدور ؟-الشعور الاول .. هو الاحساس بثقل الامانة ، أمانة هذا الطبيب الذي وثق فيه المريض واعطاه صدره واعطاه قلبه ليفتحه ويتعامل معه لإنقاذه ، والثاني .. هو الخوف من الله عز وجل ، والثالث .. الثقة والاطمئنان الى الله سبحانه وتعالى لأن الله عز وجل هو الذي يحيي ويميت وهوالذي ييسر أسباب الشفاء ، وهذه حقيقة لا أقولها عن مجرد قناعة نظرية فقط ، بل وعلى مر السنين وتراكم الخبرات أقول وفي أكثر من مرة سبحان الله ، إذا كان الله عز وجل يسر أسباب الشفاء تجد العملية ميسرة غاية في التيسير . معدل الوفيات > كم تصل هذه النسبة ؟- تصل نسبة الوفيات في جراحة القلب الى (2) وهي نسبة عالية ، فإذا أخذنا على سبيل المثال نسبة وفيات القلب على مستوى أمريكا كلها من (4-6) بالمائة ، لكن في المراكز الممتازة الجيدة هي حوالي (2) وبفضل الله عز وجل لدينا في مركز الامير سلطان لجراحة القلب نسبة الوفيات بحوالي (2) وهذا يعني أن نسبة (89) هي نسبة النجاح ، وهذه الارقام لاتعطي من حالة او اثنتين او عشرة او ثلاثين او خمسين وإنما تعطى بمئات الحالات وآلاف الحالات .تعامل حكيم > كيف يتعامل جراح القلب مع قلوب مرضاه أثناء العملية ؟- التعامل يجب أن يكون دقيق ورقيق وحكيم لأن أي إنفلات عن المسار الصحيح للعملية تخديراً وجراحة وعناية قد يودي الى الوفاة وهكذا بدون أي مقدمات فلذلك كان لابد من الدقة الكاملة المتناهية وهذا بالتالي يؤدي الى شعور هائل بعظمة الامانة الملقاة على عاتق الطبيب المعالج .مشاهد ومشاعر > ظروف جراحة القلب المفتوح ومفاجأتها وضغوط العمل هل تتسبب في حدوث انعكاسات نفسية على الطبيب ؟- الشعور النفسي في الغالب إيجابي إذا كانت الجراحة جيدة ، وكما هو معلوم أن جراحة القلب في لحظات كثيرة سمعنا أنها تحد كبير ، وفي لحظات كثيرة ومواقف كثيرة جداً مرت علينا إنها دعوات مرضى ومصابين ، وكثيراً بفضل الله عز وجل - سمعنا الدعوات ، وهذه الدعوة عندما تأتي للإنسان بعد إجراء عملية كبيرة لإنقاذ روح إنسان فتخفف عنه جميع متاعبه ومصاعبه التي واجهها في إجراء تلك العملية الجراحية وهذا يؤدي الى بهجة وراحة وطمأنينة ، ولكن بالمقابل هنالك دموع وآلام وجراح وهي ترجع مرة أخرى الى النسبة العالمية (2) بأن تكون هناك مصاعب ومشقات ومضاعفات ووفيات .فعندما تأتي المضاعفات وقد بذل الطبيب قصارى جهده على الاسس العلمية العالمية المعروفة الموثقة في الكتب وفي المحاضرات والمؤتمرات العالمية التي يحرص كل طبيب على حضورها والتعلم منها إذا كان بذل كل جهده ولكن حصلت هذه المضاعفات لايبقى الاّ الاستسلام لأمر الله تعالى ويبقى التأثر النفسي كالمشهد الطبيعي المعروف عند حدوث أي مضاعفات او وفاة لكن الأمر أولاً وأخيراً الى الله سبحانه وتعالى .التفاعل الايجابي > ألا يمكن أن تنسحب تلك الظروف والتحديات الصعبة التي يواجهها الجراح في عمله على حياته النفسية والاسرية ؟- المطلوب من الطبيب أن يتفاعل مع تخصصه إيجابياً ، يعني هذا التخصص هو الذي أختاره مادام أنك عرفت ماذا أخترت ؟ فيجب أن يكون المستوى العلمي والاخلاقي والعملي حتى الحالة الاجتماعية على مستوى هذا الاختيار ، مادام أن الاختيار كان صعباً ينطبق قول المتنبي ( وإذا كانت النفوس كباراً تعبت في مرادها الاجسام) فالتعب شيء حاصل والتأثر النفسي إن كان إيجابياً او حتى سلبياً في بعض الاحيان شيء حاصل لكن يجب أن يكون التفاعل معه تفاعلاً معتدلاً وإذا يسر الله عز وجل للإنسان أسرة تجلب السكون والاطمئنان فهذا من توفيق الله عز وجل وهنا يأتي قول المثل المعروف ( وراء كل رجل عظيم امرأة ) او بالاصح وراء كل طبيب ناجح أسرة تدعم سبل نجاحه.أسرار القلوب > يقول أن القلوب خزائن الاسرار ، فهل من أسرار يمكن أن يدركها الجراح عن هذا العضو ؟- هنالك ملاحظات قد يلاحظها الطبيب او العالم او المخدر او أي متخصص ، ولكن هنالك عالم آخر لا نستطيع مهما بلغنا من العلم أن نسبر أغواره ، وهنا كثيراً ما تأتي بعض الاسئلة عن زراعة القلب ، وعن الارواح التي تسكن تلك القلوب ، عن النفوس ، عن التقوى ، عن الحب ، عن العاطفة ، عن الكره ، هذه الاسرار تغور كلها ويمكن إختصارها كلها في آية قرآنية واحدة ، لأن هذه الاسرار يخبرنا بها خالق الاسرار وعالم الاسرار سبحانه وتعالى ( يسئلونك عن الروح ؟ قل الروح من أمر ربي ) وبناءً على ذلك فالقلب هو وعاء تلك الروح ، والروح هي التي تحب من خلال ذلك الوعاء و،ذلك المنزل فإذن القلب هو منزل هذه الروح البشرية ومركز استقرارها والروح التي تسكن ذلك القلب هي التي تحب وتكره وتبغض وتعمل وتتقي وربما تفجر لاسمح الله وربما تكفر لاقدر الله .هذه الروح هي التي يخبرنا الله عز وجل عنها بقوله ( يسئلونك عن الروح قل الروح من أمر ربي ، وما أوتيتم من العلم إلاّ قليلاً ).نحن نتعامل مع تلك المضغة كمضغة ، كعضلة ، ككهرباء ، كصمامات ، كشرايين لكن الذي سكن في ذلك القلب كما ثبت في كثير من المناقشات والمحاورات العلمية - هو الروح- وقد أثير جدل واسع بين علماء الشرع وعلماء الطب عن علاقة القلب والروح التي لايعلم أمرها إلاّ الله عز وجل ، وملخص كل ذلك أن القلب هو السكن او الوعاء لتلك الروح التي فيها تلك الاسرار .تيسير الاسباب > تتعاملون في جراحة القلب المفتوح مع أنواع مختلفة من القلوب ، فيها القاسي وفيها الرقيق وفيها الصغير البريء فهل تؤثر طبائع القلوب تلك على سير العمل الجراحي فيها ؟- طبعاً .. أحياناً يحصل تسهيل وتيسير كبير جداً من ميسر الاسباب سبحانه وتعالى ولو لاحظنا هذا في بعض الاحيان .. فقد تجد أن العملية تكون صعبة وفيها مخاطر وفيها مصاعب ولكن ييسرها رب العالمين سبحانه وتعالى ، على سبيل المثال نحن هنا في زيارتنا هذه توقفنا عند بعض العمليات نجريها أم لا ؟ وكان أحد الاطباء المحليين الذين استشرناهم في إجراء هذه العمليات كان يقول كلمة جميلة وطيبة ( توكل على الله سبحانه وتعالى ، لعل الله ييسر الاسباب ، هؤلاء المرضى هم في أمس الحاجة والله عز وجل يجيب دعوة المضطر ، وكنت من الناحية العلمية متردداً يعني هل مثل هذه العملية تجرى أم أنه قد فات الاوان ؟ فأجريناها ولكن سبحان الله تيسرت الامور من عند رب العالمين وخرج المريض من العناية المركزة وحالته ممتازة بفضل الله عز وجل فميسر الاسباب هو الله سبحانه وتعالى وتعلق القلوب به ييسر أسباب نجاح العملية ولكن من الناحية العلمية الموضوعية يجب ألاّ يكون هناك تقصير في كل جزئيه من أجزاء العملية مهما كان المريض ، حتى ولو كان بعيداً عن الدين او حتى كافراً لأن هذه مسئولية وأمانة .الاستخارة قبل الجراحة > كتور/ عماد .. هل وجدت نفسك يوماً ما بحاجة لأن تصلي صلاة الاستخارة قبل إجراء العملية ؟- نعم .. وفعلتها في أكثر من مرة ، بل أحياناً أسجد سجود شكر بعد إجراء مثل تلك العمليات عندما يكرمنا الله عز وجل بنجاحها .> ما الذي تفعله قبل أن تمسك بمشرط الجراحة ؟- ذكر الله عز وجل ضروري دائماً وأبداً ، لكن مع ذكر الله عز وجل تحضير جميع أسباب النجاح أيضاً .القلوب تصدأ> من خلال إشتغالكم في جراحة القلب المفتوح ، هل شاهدتم صدأ القلوب كما ذكره الرسول صلى الله عليه وسلم ؟- أمنت به صلى الله عليه وسلم ، صدأ القلوب في البعد عن ذكر الله تعالى نؤمن به كما قال صلى الله عليه وسلم ولكن رأينا نحن في مجالنا الطبي البشري الدنيوي ، رأينا قلوباً مريضة فيها تغيرات تنحرف عن الفطرة ، من الفطرة الغذاء المعتدل من الفطرة عدم السمنة ، من الفطرة المحافظة على الصحة وعدم التدخين ولكن كم رأينا وكم من قلوب مريضة للأسف الشديد نرثي لحال أصحابها فنجد كميات هائلة من الشحوم وكميات هائلة من الكولسترول وكميات هائلة من سموم التدخين داخل تلك القلوب ، أما الصدأ المعنوي والبعد عن ذكر الله سبحانه وتعالى فهي أحاديث صحيحة نؤمن بها ونجد أثرها في عمل الانسان وحتى ربما يجد هذا الانسان أثرها في حياته عندما يلقى الله سبحانه وتعالى .للانتكاسة أسباب > يتخوف بعض المرضى بعد إجراء عمليات القلب لهم من العودة الى مجالات عملهم فهل من مخاطر في ذلك وهل من الممكن أن تنتكس صحة قلوبهم مرة أخرى بعد إجراء العملية ؟- للأسف .. لازال بعض المرضى يتخوفون إذا أجريت لهم عمليات القلب ، يظنون أن حياتها كلها يجب أن تتغير .. وهذا غير صحيح .فالمريض عندما يأتينا لإجراء عملية القلب المفتوح يكون وقتها يعاني من عجز او قصور في أداء القلب - هذا العضو الذي تترتب عليه بقية الاعضاء - لكن عندما نجري له العملية ونقوم بإصلاح صمامات القلب او الشرايين او العيوب الخلقية في القلب يعود القلب الى نبضه الطبيعي وأداء وظائفه السليمة - كما كان في السابق - وبدون أي تأثيرات تذكر ، ويكون بمقدور المريض الذي أجريت له عملية قلب مفتوح بعد قضاء الاجازة المرضية طبعاً - العودة الى حياته وممارسة هواياته وأنشطته وأعماله بشكل طبيعي ولكن بالتدرج أيضاً ، وهناك أمثلة عديدة لأناس أجريت تلك الجراحة لهم وهم يشغلون أعمالاً ومناصباً هامة وحساسة وعادوا بعد ذلك إليها دون أي مخاوف او تأثيرات ومثال ذلك نائب الرئيس الامريكي الحالي ديك تشيني والرئيس الامريكي السابق بيل كلينتون فقد أجريا عملية القلب مثل كل الناس وعادا لممارسة شغلهما في قمة الرئاسة الامريكية ومتابعة مهامهما واعمالهما التي تنتظرهما وسط الضغوط والاعباء التي تحيط بمنصبيهما وغيرهم كثير .أما بالنسبة لأمر الانتكاسة التي قد تحدث لبعض مرضى القلب الذين اجروا تلك الجراحة فلا صلة لها بالاشتغال والعمل وإنما تنتكس صحتهم لسببين إما العودة لأسباب مرض القلب مرة أخرى كالتدخين والسمنة وعوامل الخطورة المتعارف عليها وإما إهمال أخذ الادوية المقرر استخدامها بعد العملية بانتظام ومنها الادوية المميعة للدم مما يتسبب في إرباك عمل القلب وعودة المشاكل من جديد .عن الجديد> ألا توجد دكتور بدائل جديدة في جراحة القلب المفتوح تغني عن فتح القفص الصدري للمريض أو إيقاف قلبه عن النبض أثناء العملية ؟- نعم .. فقد شهدت جراحة القلب المفتوح مؤخراً بعض التطورات الحديثة التي يمكن اعتبارها طفرة متقدمة في جراحة القلب فهناك على سبيل المثال جراحة القلب النابض التي تغني عن إستخدام جهاز القلب والرئة الصناعي في العملية او اللجوء لإيقاف نبض القلب.وهناك ايضاً جراحة المناظير التي كان لها حضوراً قوياً في الماضي القريب ثم عادت وهدأت بعض الشيء كما أن هناك ايضاً في جراحة القلب إجراء العملية باستخدام الرجل الآلي وهو تقنية متطورة جداً في جراحة القلب لاتزال في بداياتها الاولى وبحاجة للمزيد من الوقت للتطوير والتحديث وتكرار التجارب ، لكنها عموماً تعد طفرة نوعية متقدمة في جراحة القلب في العالم وبفضل الله تعالى يوجد في المملكة العربية السعودية ثلاثة مستشفيات تمتلك هذه التقنية الجراحية الحديثة وتستخدمها في جراحة القلب .الجراحة الآلية> هل يتقلص عدد أفراد الفريق الجراحي عند استخدام الرجل الآلي في جراحة القلب ؟- بالعكس .. يزداد الطاقم الجراحي لأن هذه التقنية - كما ذكرت- حديثة وفي البدايات الاولى والرجل الآلي لايقوم بإجراء العملية الجراحية بمفرده او من تلقاء نفسه وإنما هو مجرد آلة بحاجة الى من يتمكن من السيطرة عليها وإدارة أذرعها الطويلة بحكمة وخفة لإجراء العملية وباستخدام الرجل الآلي لن يكون الجراح محتاجاً لأكثر من فتحة صغيرة في صدر المريض لاتتجاوز (6-8) سنتيمتر فقط واستخدام الوريد الفخذي لإجراء الجراحة اللازمة لكن هذا لايغني في الوقت الحاضر عن وجود اعضاء الفريق الجراحي داخل غرف العمليات وحتى يتقلص عدد الطاقم الجراحي او بالاصح حتى نصل لمرحلة تقليص طاقم جراحة القلب نحن بحاجة للمزيد من الوقت وللمزيد من الخبرة والكفاءة وللمزيد من التحديث والتطوير المستمر .فهذه التقنية الجراحية حديثة ومتقدمة وتحتاج الى حسن إدارة وسيطرة مطلقة عليها ، كما تحتاج الى متابعة ومراقبة مستمرة وإنتقاء شديد لنوعية الحالات التي ستخضع لهذه الجراحة .هناك معنيان> دكتور عماد - حبذا لو نتحدث قليلاً عن فساد القلوب والاسباب المؤدية لذلك ؟- الواقع أن فساد القلوب له معنيان أحدهما فساد معنوي والآخر فساد عضوي مادي فالاول يكون ببعد القلب عن ذكر الله وعن القرآن وعدم تعلقه بخالق الاكوان ومسبب الاسباب ويكون ايضاً بفراغ جوهره من حب الله عز وجل وحب رسوله وحب الناس .أما الفساد العضوي وهو محل اهتمامنا فيكون بانحراف اصحاب تلك القلوب المريضة عن الفطرة السوية في الحياة فتجد القلوب تمرض وتفسد لامتلائها بسموم واوساخ التدخين التي يستنشقها اصحابها او نتيجة تكدس الدهون والشحوم فيها نتيجة ارتفاع نسبة الكولسترول في الدم فالسمنة والبدانة تفسد القلوب وهي سبب رئيسي لأمراض القلوب وأحد عوامل الخطورة على القلب ، ومن أسباب فساد القلوب ومرضها ايضاً إرتفاع ضغط الدم ومعدلات السكر والضغوط النفسية وللأسف الشديد فإن عوامل الخطورة التي ذكرناها تتسبب في إرتفاع وتزايد معدلات الاصابة بامراض القلب بين السكان في منطقة الخليج واليمن .النسبة المخيفة> كم يبلغ نصيب تأثير العامل النفسي في مرض القلوب وفسادها؟- الضغط النفسي المعيشي يزيد من احتمالية إصابة مرض القلب بحوالي (051) مائة وخمسين بالمائة وهذا يذكرنا بأن بعض الشخصيات او بعض النفسيات مهيأة لحدوث مرض في القلب.هي حقيقة صفة إيجابية أن يكون الانسان طموحاً وأن يكون الانسان عاملاً مجداً مجتهداً ولكن إذا أفتقد هذا الى الاطمئنان النفسي والتوكل على الله سبحانه وتعالى ربما انطبق عليه كما يقول الغربيون في مصنفاتهم الشخصية الطموحة الجادة أعني إذا زاد هذا الشيء عن حده فربما أدى الى زيادة احتمال حصول مرض في القلب فأؤكد أن الطموح والعمل والجد والاجتهاد والسعي نحو المراتب العالية في الدين و الدنيا شيء طيب ومطلوب ولابد منه ولكن إذا أفتقر الى التوكل على الله سبحانه وتعالى يقع في خانة الشخصية الموصوفة في المراجع الطبية بأنها الاقرب الى حدوث مرض في القلب .مفتاح الصحة > دكتور عماد .. ماهي الوصفة السحرية التي تقررها لصحة القلوب ودفء نبضها علي مدى الحياة ؟- الوصفة السحرية هي الاعتدال والوسطية في كل الامور وهما مطلوبان لحياة الانسان ، مطلوب في الجد وفي العمل وفي البيت وفي الوظيفة وفي العلاقات العامة مطلوب في كل شيء .فالاعتدال .. حقيقة هو مفتاح أساسي لصحة وحياة القلوب والتوسط ايضاً كذلك مطلب ضروري في الغذاء في الرياضة في كل شيء وأثره على الصحة معلوم .في الاخير > وأنتم تختتمون زيارتكم لليمن وقبل الوداع ما الذي يمكن قوله في نهاية هذا الحوار ؟- أولاً أشكر حسن الضيافة والاخلاق الراقية والتعامل الجميل فقد أحسسنا حقيقة أننا في بيتنا ومع إخواننا وأهلنا وأحسسنا بروعة في اللقاء وبتفان في العمل وبأشياء كثيرة يصعب الحديث عنها ولكن ملخصها أن الفريق الذي أتى معي كلهم قال بلا إستثناء / نحن رهن الاشارة لبلدنا وأهلنا في اليمن لإجراء مثل تلك العمليات وأداء هذا الواجب في أي لحظة / وأشكر حكومة اليمن وشعبه الطيب وعلى رأسهم رئيس البلاد فخامة الرئيس / علي عبدالله صالح وجميع المسئولين ومؤسسة طيبة ومؤسسة مكة كما لايفوتني أن أشكر - هنا بالتأكيد صاحب السمو الملكي / الامير سلطان بن عبدالعزيز - ولي العهد نائب رئيس الوزراء ووزير الدفاع - الذي معظمنا ينتمي لمؤسسته مركز الامير سلطان لأمراض وجراحة القلب .أشكر جميع الاخوة هنا وأتمنى من الله سبحانه وتعالى أن يحفظ اليمن وأهلها وأن ييسر زيارات متكررة وأن نرى في السنين القادمة مراكز كثيرة لجراحة القلب في أرقى مستوى عالمي مطلوب وأن يوفق مؤسسة طيبة ، ويوفقكم جميعاً على مشاركتكم وتغطيتكم الطيبة .
عمليات جراحة القلب المفتوح