القاهرة / 14 اكتوبر/ وكالة الصحافة العربية :لعبة الموت ·· أو ما يسمي الانتحار الجماعي ، فكرة قديمة ابتدعتها عدة طوائف عقائدية في الغرب من منطلق أن لديهم شيئا داخليا مختلفا وهدفا واحدا هو الموت، يقدمون عليه بطقوس دينية وهم في حالة رغبة عقائدية شديدة في الموت· وفي الآونة الأخيرة ، شهد الانتحار الجماعي تطورا ملحوظا ، حيث اعتمد اتباعه علي استخدام وسائل الاتصال الحديثة، وخاصة الشبكة العالمية للمعلومات الإنترنت، لنشر هذه المعتقدات من خلال قائمة من المواقع الإلكترونية التي تستهوي الشباب، والتي تعرف بمواقع للانتحار الإلكتروني الجماعي ·وتلك اللعبة التي يتم الترويج لها الآن، من خلال هذه المواقع هي أشبه بألعاب المسابقات، لا تحتاج لممارستها من الأدوات سوي مشنقة منزلية، حيث يقوم اللاعب بإدخال رأسه في عقدتها، ثم إحكام المشنقة حول رقبته مع قطع الحبل قبيل الوفاة ، وربما تكون هذه المشنقة بواسطة المنديل حتي يسهل قطعه، لتبقي مرحلة المشنقة المعدة من الحبال للمحترفين فقط في اللعبة·وانتشار هذه المواقع يدق ناقوس الخطر في عالمنا العربي ، في ظل توافر الظروف المواتية لانتشار هذا الفكر الذي يتصادم والشرائع السماوية، وتتمثل هذه الظروف في ضعف الوازع الديني والعقائدي عند النشء، بالإضافة إلي الفراغ الثقافي والإحباطات التي يتعرض لها الشباب، جراء البطالة وغياب العدل الاجتماعي·تقول د· ثريا البدوي أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة : إن مسألة إقدام مجموعات من الشباب علي التفكير في الانتحار بشكل جماعي بعد فترة من التعايش والتحاور داخل بعض غرف الدردشة، التي تخصصها بعض المواقع الإلكترونية لهذا الغرض بالذات، أمر يستحق التوقف والتأمل فيما حدث من تطور علي الصعيد التكنولوجي خلال السنوات القليلة الماضية، لتوقع ما يمكن أن يحدث· وتشير إلي أنه قبل خمسين سنة مضت ، كان هناك خطان يسيران سويا بشكل متواز، وهما خط تكنولوجيا العصر والخط الآخر يتمثل في القيم الجديدة التي تتواكب بدورها وما ِاستجد من تكنولوجيا حديثة، ولكن في العقد الثامن من القرن المنصرم بدأت تختل هذه العلاقة بسبب تسارع التقدم في مجال تكنولوجيا العصر بشكل مذهل ومرعب، لدرجة أنه يقال أن ما حدث من تقدم بشري خلال ربع القرن الماضي ، يربو علي ما شهده العالم من تقدم في مختلف المجالات قبل تلك الحقبة وحتي نزول سيدنا آدم علي الأرض·كما أن هذا التطور السريع المتلاحق في تكنولوجيات العصر لم يواكبه في منظومة القيم والأخلاقيات والعقائد المتعارف عليها في كل المجتمع، وقد خلف ذلك بدوره مشكلات عديدة تتعلق بتعامل الإنسان مع الإنترنت بعقلية متخلفة تقليدية لم يطرأ عليها تجديد لتتواكب وهذه التكنولوجيا المعلوماتية المتقدمة، حيث لم يحدث تطوير في منظومة الأخلاقيات والعقائد لتتواكب وهذا التطور التكنولوجي المعلوماتي·هذا المناخ جعل الشاب يشعر بحيرة شديدة وتذبذب رهيب عند محاولة المواءمة بين العقيدة الجامدة وتكنولوجيا تقدم أمور جنسية، وبتأثير الضعف العقائدي والثقافي والشعور بالحرمان يبدأ في الميل إلي الاتجاه المخالف لطبيعة البشر، فيتذبذب ويكفر ببعض مسلمات الحياة، فتكون الفرصة سانحة أمام تلك المواقع المغرضة التي تبدأ علي الفور في فتح حوار معه حول دوره في الحياة وأهمية اللذة، وتبدأ تلك المواقع في تعليمه فنون تعذيب النفس، ثم يتطور الأمر ليصل إلى ممارسة أدوار صعبة للغاية، كمن يرضي على نفسه أن يشنق للشعور بنشوة الموت، وفي حالات أخري يتطور الأمر ليتحول إلى انتحار جماعي·[c1]الرقابة لا تجدي[/c]ويري د· حمادة مسعود إخصائي الجرائم الإلكترونية أن انتشار الإنترنت بين الشباب العربي أدي إلي ظهور جرائم جديدة ، ومنها المواقع المتخصصة في الدعوة إلي الانتحار الجماعي، والتي يلجأ إليها الشباب كنوع من التسلية، أو لأسباب دينية مثل إحدي الجماعات التي دعت للانتحار يوم 9 سبتمبر عام 1999 ، بدعوي أن هذا اليوم هو يوم القيامة، فيما تزداد مثل هذه الدعوات بشكل واضح الآن في اليابان والولايات المتحدة الأمريكية· ورغم وجود تشريع في تونس يعرف بـ مرسوم الإنترنت، إلا أن هذا المرسوم هدفه معاقبة الأفراد في حالة مخالفة تعليمات التعامل مع الإنترنت، في حين أن المسؤولية الحقيقية يجب أن تكون علي صاحب الموقع وليس مستخدم الموقع، ويكفي أن نعرف أن الولايات المتحدة تطبق 4 تشريعات لحماية الأطفال والقصر من الاتصال غير اللائق عبر الإنترنت· [c1]أسباب متعددة[/c]وبحسب د· إيمان شريف الخبيرة بقسم بحوث كشف الجريمة بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، فإن زيادة معدلات الانتحار الجماعي عبر الإنترنت له أسباب متعددة، أبرزها غياب مؤسسات المجتمع المدني، فتلك المؤسسات هي المسؤولة عن تنشئة الفرد تنشئة سليمة أو تنشئة منحرفة ، ورغم أن الانتحار نوع من الانحراف السلبي للخلاص من الحياة، لكن أغلب حالات الانتحار عبر الإنترنت لا تكون بهدف الخلاص من الحياة، بل للتسلية وقضاء وقت الفراغ ومحاولة الاقتراب من حالة الموت وليس الموت كما يظن البعض، وبالتالي يكون السبب وراء ذلك الاندفاع الشبابي و الرغبة في التعرف علي كل جديد بدون وعي ثقافي ديني·[c1]مراض نفسية[/c]وأوضح د· أحمد فكري أستاذ الطب النفسي أن الإيمان بهذا الفكر الأعوج المتعلق بالانتحار الجماعي أو المساهمة في الترويج له ينتج في الغالب عن أمراض نفسية، حيث أكدت العديد من الدراسات أن قرابة 90 % ممن يقدمون علي الانتحار في الأساس مصابون بأمراض نفسية·وتتعدد أسباب هذه الأمراض النفسية المؤدية للانتحار، ما بين مشاكل اجتماعية واقتصادية، غير أن أهم الأسباب التي ينتج عنها، إقدام الشباب علي التواصل مع مواقع الانتحار عبر الإنترنت، هو غياب دور الأسرة وضعف الروابط الاجتماعية وغياب القدوة بين الشباب·ولمواجهة ذلك، يجب العمل علي إعادة الحب والدفء وروح التفاهم والحوار إلي الأسرة ،وأن تكف وسائل الإعلام عن نشر الرذيلة والفساد وتعود إلي دورها الرشيد المتمثل في الحث علي الأخلاق الكريمة المنبثقة عن المنظومة الأخلاقية التي ترفض الانتحار، وما يتعلق به، وما يتشابه معه من أعمال، كلعبة الموت وغيرها من الوسائل التي تبتدعها المواقع الإلكترونية، وكذلك يجب أن تمارس المؤسسات الأهلية دور الشريك الأساسي في مواجهة هذه الظاهرة ، عن طريق التعريف بمخاطر الاستخدام غير الرشيد للإنترنت الذي يعد أخطر نتاجات الثورة التكنولوجية موضحين فوائد هذه التقنية ومضارها·أما د· سعيدة أبو سوسو أستاذ علم النفس الاجتماعي فتؤكد أن هناك ضغوطا كثيرة يعاني منها الشباب العربي، وللهروب منها يلجأ إلىالإنترنت، رغبة في تقليد الشباب الغربي المتقدم، علي حد وصف وسائل الإعلام العربية·ومحاولة تقليد الشباب العربي للغرب ترتبط بسمات الشخصية، فلو كان هؤلاء يتمتعون بشخصية إيجابية ولديهم القدرة علي تقدير المخاطر، سوف يستطيعون التفرقة بين الإيجابي والسلبي، ولكن لو كانت شخصية الشاب بها نوع من التذبذب وعدم الاتزان، سيكون من السهل تأثره بما يعرض عليه في الإنترنت من دعوات للانحلال أو ممارسة العنف أو الانتحار الجماعي ، بيد أن إقبال الشباب علي الانتحار تأثرا بدعوة مجنونة عبر الإنترنت، إنما يدل علي أن شخصية الشباب بات بها نوع من الخلل، وأن الشباب يعانون من ضغوط أسرية واضطرابات في الصحة النفسية·وتوضح أن للإعلام دورا مهماً في التأثير على شخصية الشباب حيث يميل الشباب إلى التقليد، خاصة في الأفلام التي تحتوي علي مشاهد قتل وسرقة واغتصاب وانتحار أو العاب خطيرة مثل لعبة ماري الدموية، والخطير أن هذه المشاهد البعيدة عن قيمنا وعادتنا تخلق الاستعداد لدى الشباب لتقليدها، ومن ثم يكون من السهل تأثره بأي دعوة يتلقاها من خلال الإنترنت تدعوه لممارسة القتل أو الاغتصاب أو معايشة جو الانتحار، إن التنشئة السليمة للشباب على القيم النبيلة والأخلاق الحميدة وزرع الوازع الديني داخل الشباب، تعد السبيل الأوحد لمواجهة مثل هذه الدعوات، لأن الرفض الداخلي النابع من اقتناع الفرد أجدي من الرفض الخارجي الذي تمارسه الأسرة أو المجتمع على الشباب ·[c1]عبدة الشيطان [/c]وفي رأي د· عزة كريم الخبيرة التربوية فإن بزوغ قضية الألعاب الإلكترونية المدعمة لفكرة الانتحار الجماعي عبر الإنترنت، يجعل الفرصة مواتية أمام كل المهتمين بالدراسات الأسرية؛ لإعادة هيكلة هذه العلاقة داخل الأسر مرة أخرى بعد ما شابها من عوار خلال الفترات الأخيرة، نتيجة غلبة الفكر المادي وتكّون جزر منعزلة داخل كل أسرة، فكانت الفرقة بين الأبناء ووالديهم·وعلى خلفية ذلك، ظهرت بعض الهيئات والمنظمات، بل والأفراد الكارهين للحياة بشكل عام، والذين لا ينتظرون من الحياة إلا لذة واهية يبحثون عنها بكل السبل، حيث قامت هذه المنظمات بتبني مواقع الانتحار عبر الإنترنت التي تصف للشباب طريقة تساعدهم للوصول إلى المرحلة بين الحياة والموت، وأحدثها لعبة الموت، ومن قبلها لعبة تشبه اليوجا صارمة في قواعدها تلزم من يبدأ فيها أن يكملها وهذا الإلزام نفسيا، رغم أن هذه القواعد غالبا ما تعرض بعض مرضى القلب وضغط الدم لمخاطر جسيمة وصلت في بعض الحالات إلى الموت بالسكتة القلبية أو الجلطات الدماغية ، والمثير في الأمر هو بزوغ جماعات علي بعض المواقع الإلكترونية تدعو إلى الانتحار والخلاص من هذه الحياة الكئيبة البائسة، للوصول إلى حياة أخري أكثر سعادة وجمال وللأسف يتبع هذه الجماعات الكثيرون من مختلف مناطق العامة·والحل هنا يكمن في ضرورة أن تعيد الهيئات التربوية والتعليمية وضع المناهج الدراسية للاهتمام بأسلوب الفكر النقدي؛ ليتعلم النشء كيفية قراءة كل ما يعرض عليه من معلومات بشيء من النقد، فيأخذ ما يناسبه ويترك ما لا يناسبه، فالمشكلة التربوية تتمثل في غلبة أساليب التعليم بالإلقاء التي تجعل المتلقي مجرد جهاز تسجيل يتقبل ولا ينتج ردا، وهذا ما يؤدي بدوره إلى إلغاء الفكر النقدي عند الأبناء، وبالتالي لا يستطيعون مواجهة هذا الطوفان من الأفكار المسمومة، ويقبلون عليها بدون وعي، خاصة أنها تنطوي على الإثارة والغرابة الشديدة، وبالتالي يمكن القول أن الأمر لا يعدو أن يكون ثقافة وافدة مغرضة مدمرة لأبنائها، يسعي البعض من الكارهين للحياة والرافضين للأديان نشرها· وأوضحت أن الإقدام علي الانتحار أمر لا يقوم به إلا قلة قليلة يكون لديهم استعداد نفسي، ومؤهلين، خاصة في مجتمعاتنا العربية التي يغلب عليها التدين، فالإحباطات اليومية في البلاد العربية كالبطالة والإحساس بالدونية والظلم الاجتماعي كلها أمور باتت أصيلة وجزءًا من ثقافتنا الحياتية التي تواجه ملايين الشباب العربي، ولكن قليلا منهم من يلجأ إلى الانتحار بالإقدام على الاشتراك في مثل هذه الألعاب، ومن ثم الأمر لم يعد ظاهر حتى الآن بل هي حوادث فردية ولكن الاهتمام بها أمر ضروري لخطورتها البالغة·
|
ثقافة
لعبة الموت ·· تعود علي طريقة دوت كوم
أخبار متعلقة