محمد حسين بيحاني يتناول هذا الكتاب اقاصيص لعدد من اجيال القصة اليمنية المعاصرة ويضع في الحسبان ذلك النوع من الرصد الذي يضع خطوط التطور والانحدار التي يقدمها ويغزلها بين يدي القارئ الدكتور احمد علي الهمداني لمجموعة كبيرة من الاقاصيص اليمنية المعاصرة التي كتبت في عقود زمنية مختلفة وتمتد المساحة الزمنية التي يحتويها هذا الكتاب من مطلع الاربعينات حتى مطلع التسعينات أي من البدايات الأولى الكلاسكية السنتيمينتالية الرومانسية والواقعية حتى الصيحات الاخيرة في عالم الاقصوصة المعاصرة وهو على هذا النحو يرصد تجربة خمسين عاماً من حياة القصة اليمنية الشيء الذي يضع امام الباحث والقارئ خطوط التطور والانحدار من خلال نماذج معينة تمثل الاجيال المتعاقبة في الأدب اليمني المعاصر عامة وفي حركة القصة اليمنية المعاصرة خاصة كما يشير الدكتور " أحمد علي الهمداني وذلك من خلال المقدمة التي يقدمها. في الحقيقة لم يضع هذا الكتاب في الحسبان ذلك النوع من الرصد اذ هو يدرس في كل باب من ابوابه اقصوصة معينة منفصلة عن السياق العام لمجرى القصة اليمنية في هذا العقد او ذاك وفي هذه الفترة او تلك وان كان لا يغفل تماماًَ حركة القصة في ظروفها الاجتماعية التاريخية المحددة ولا يعزلها عن السياق الادبي والفني العام ولا يفصلها عن حركة الواقع الاجتماعي التاريخي غير ان هذا الكتاب يحاول ان يكشف عن البعدين الموضوعي والفني لكل قصة على حدة وهو الشيء الذي قد يساعد على اكتشاف اتجاه عام في الاعتماد على ابعاد فنية وموضوعية معينة او مختلفة في كل عقد ينتمي اليه هذا القاص او ذاك ولن يلمس القارئ ذلك اذا لم يقرأ الكتاب كاملاً . يتناول هذا الكتاب اقاصيص لعدة ممثلين لكل جيل من اجيال القصة اليمنية المعاصرة ولكل عقد من العقود التي مرت بها تجربة القصة اليمنية والقاص اليمني قد يكون الاختيار احياناً عابراً او مزاجياً ومصادفة لكنه يبدو معبراً كل التعبير عن المراحل التي قطعتها القصة اليمنية في رحلتها على مدى خمسين عاماً. يجد القارئ في هذا الكتاب اقاصيص محسن خليفة ، صالح الدحان ، حسين سالم با صديق ، عبدالمجيد القاضي ، عبدالله سالم باوزير ، زيد مطيع دماج ، محمد مثنى ، عبدالله علوان ، محمد عمر بحاح ، علي صالح عبدالله ، صالح با عامر ، ابراهيم الكاف ، شوقي شفيق ، نجيب مقبل وغيرهم كثر وهي اسماء واقاصيص من مختلف مناطق اليمن الشيء الذي يجعل هذا الكتاب دراسة في القصة اليمنية المعاصرة وهو لا يقتصر على تناول اقاصيص الرجال وحدهم وانما يعالج كذلك نماذج من اقاصيص المرأة اليمنية يجد القارئ هنا اعمال زهرة رحمة الله رمزية عباس الارياني وشفاء منصر . في الحقيقة هذا العدد الهائل من الاسماء التي مارست كتابة الاقصوصة وهذا السيل الكبير من الاقاصيص الذي غرقت في داخله الصحف والمجلات اليمنية لم يتبعه نقد على الحجم نفسه وعلى المستوى نفسه لقد تأخر النقذ عن مواكبة القصة وتخلف عن اللحاق بها وكانت المحاولات الاولى عبارة عن خواطر وذكريات لا نقد يقوم على مداميك علمية رصينة ولم يعجز النقذ عن تبني القصة في مرحلة البدايات وحدها وانما ظل دائماً يلهث خلفها ولم يسبقها في كل مراحلها المختلفة ومن هنا لم تستطع القصة اليمنية ان تتجاوز مخاض الولادة وعثرات البدايات وشطحات التأصيل والتأسيس الا في وقت متأخر جداً اذ ان الراعي الحقيقي الناقذ الموجه لم يولد بعد واذا ولد فهو غير متخصص الشيء الذي فتح الباب واسعاً امام الهواة وامام كتاب القصة انفسهم وامام الشعراء ونقاذ الشعر كي يمارسوا النقذ القصصي ويتحولوا الى نقاد قصة ومن هنا تعايشت الاشكال الفنية القديمة والجديدة في تجارب الكتاب المختلفة وفي تجربة كاتب بعينه . ومن هنا لا نستطيع ان نجد شكلاً معيناً للاقصوصة اليمنية يحدده النقد القصصي العاجز عن قيادة القصة وتوجيهها الى مسارات مختلفة وطرائق متعددة . وعلى الرغم من ان القاص اليمني استطاع ان يستوعب التجربة القصصية العربية والعالمية في زمن غير طويل فاننا يمكن ان نحدد مرحلتين اساسيتين في تاريخ القصة اليمنية المعاصرة المرحلة الاولى هي مرحلة ما قبل السبعينات وتمتد هذه المرحلة منذ البدايات الاولى حتى مطلع السبعينات وتستوعب هذه المرحلة الاولى الاساسية البدايات الاولى التأسيس والتأصيل وهي مرحلة مكنت الابداع او الانتاج القصصي من التوغل في حركة الادب اليمني استطاعت فيها الاقصوصة ان تنال رضى الجميع وتحوز على اعتراف الجميع وجعلت من القصة منافساً حقيقياً للشعر وان لم تستطع ان تتغلب عليه وتسبقه في كثير من المعايير ولعل المرحلة الثانية هي مرحلة ما بعد السبعينيات وهي مرحلة تمتد من مطلع السبعينيات حتى يومنا هذا حتى كتابة هذه المقدمة وتمتاز هذه المرحلة بالتنوع والتعدد كما تمتاز بالكتابة تحت كل الاتجاهات وخلف كل التيارات التي عرفتها القصة العربية والعالمية الحديثة والمعاصرة . القصة .. الاقصوصة .. الرواية القصة شكل ملحمي نثري ويعرف بعض الدارسين القصة على انها شكل متوسط ملحمي نثري من حيث حجمه واستيعابه الحياة وهي اصغر من الرواية لكنها اكبر من الاقصوصة ولا يصبح حجم العمل في هذه الحالة من الخصائص الشكلية الخارجية المحضة ويكون الايجاز في القصة مقارنة بالرواية مشروطاً باستيعابها سلسلة معينة من المشاهد على ان الرواية تنشئ لوحة متعددة الجوانب لنظام ونمط حياتي متكامل تقدم بذلك حدثاً معقداً و متكاملاً في داخله كتب ليف تولستوي حول روايته " الحرب والسلام " : " لا استطيع ان اطلق على عملي قصة لانني لا اقوى ولا اقدر ان اجبر شخصياتي على ان تتصرف من اجل اثبات او تفسير فكرة معينة ما او مجموعة افكار " . ويحدد البعض الاخر من الدارسين وهو تحديد يبدو اقل اقناعاً الاقصوصة على انها تصور حادثة واحدة من حياة البطل وان القصة تصور مجموعة من الحوادث وتصور الرواية حياة كاملة . غير ان هناك اقاصيص تستوعب حياة كاملة " تشيخوف " يونيتش " وهناك روايات قائمة بالاساس على حادثه واحدة والكثير منها يصور يوماً واحداً في حياة البطل ( كاتايف " الزمن الى الامام " ) ( جويس " او ليس " ) على هذا النحو يصبح التمييز او التمايز بين الاشكال او الفصل البسيط بين الاقصوصة القصة والرواية على اساس الحجم مثار جدل واشكال لقد اطلق بوشكين على اعماله " قصص بيلكين " وهي من حيث حجمها واستيعابها الاحداث كان ينبغي ان تدرج في خانة الاقصوصة واطلق غوركي على عمله الملحمي الكبير " حياة كاليم سامجين " قصة وهي التي من حيث حجمها تتجاوز تقريباً الروايات الروسية جميعها . وهناك تعريف اخر يميز بين القصة والرواية على اساس انها اشكال تمتلك خصائص ومواصفات جوهرية متميزة لا على انها اشكال نثرية مختلفة في حجمها وعلى هذا النحو يميز الدارسون هذه الاشكال في مختلف الاداب الاوروبية . " تاكسي لمن جاء تعبر " و " انت شيوعي " : " تاكسي لمن جاء تعبر " اقصوصة الكاتب والصحافي صالح الدحان المعروف على مستوى الوطن اليمني كله وقد نشرت هذه الاقصوصة في مجموعته " انت شيوعي " الصادرة عام 1957م وهي اول مجموعة قصصية تجد طريقهعا الى النشر في اليمن وفي الجزيرة العربية والخليج وتحتوي هذه المجموعة على خمس اقاصيص هي : تاكسي لمن جاء تعبر ، انت شيوعي .. شيء اسمه النفاق لا غير و ايش اسمك واين حسن .. تحمل هذه الاقاصيص مضامين اجتماعية سياسية حادة تتغلغل في قضايا الحياة اليومية ومواضيع الوجود اليومي قضايا البيئة ومواضيع الحياة في اليمن ولا تقف قضايا هذه الاعمال ومواضيعها في عدن المكان الذي صدرت فيه هذه المجموعة وانما تتعدى الحدود الوهمية وتتجاوزها الى مناطق اليمن المختلفة . يقول د . عبدالعزيز المقالح في اضاءته التي كتبها حول هذه المجموعة : " ان عنوان المجموعة يؤكد الوعي المتقدم للرفيق صالح الدحان ويثبت انه استطاع منذ وقت مبكر ان يكشف ان اعداء الحياة وعصابة محاكم التفتيش قد اضافوا كلمة اخرى الى قواميسهم القديمة التي تضم كلمات : كافر ، وزنديق ، وعصري ، وهذه الكلمة هي " شيوعي " وذلك ليرهبوا بها كل عاشق للعدل والحرية وكل طامح الى تحرير الانسان من عبودية القهر والاستلاب " . كتب د . عبدالحميد ابراهيم : " ان اول مجموعة يمنية يدل عنوانها " انت شيوعي " عليها ان كاتبها صالح الدحان هو في الاصل كاتب سياسي وكان ينشر في الصحف العدنية في تلك الفترة وكانت قصصه تلك مساهمة منه في الموجة السياسية ثم سكت عن القصص حين هدأت الموجه او هدأ نصيبه منها لانه اساساً مرتبط بالقصة كفن يخدم ظروفاً طارئه فاذا زالت الظروف زال اهتمامه بها .. " وعلى هذا النحو تصبح القيمة الاجتماعية السياسية لهذه المجموعة اكبر من قيمتها الفنية ودلالتها الجمالية اذ يبدو ان صالح الدحان هو الذي فتح موضوع الهجرة الداخلية على مصراعيه في القصة اليمنية المعاصرة .
|
ثقافة
دراسات في القصة اليمنية المعاصرة
أخبار متعلقة