لا ندري كيف يمكن للمرء أن يعيش دون قلب، ودون رحمة، ودون عاطفة، ولا كيف تمكن البعض، وخصوصاً الأطباء، من مغادرة طبيعتهم وفطرتهم الإنسانية التي فطر الله الناس عليها، فيتحول الآدمي منهم إلى مجرد آلة تحصيل صماء لا تحس ولا تفكر، ولا تشم، ولا تطعم، ولا ترحم همها الفلوس، ودينها الفلوس، وحياتها الفلوس، وموتها الفلوس!!هذا النموذج تكاثر وانتشر.. أحدهم قال لي بصريح العبارة: كنت في السابق سخيفاً!! قلت له لماذا؟ قال: كنت إذا عجز المريض عن دفع الكشف اكشف عليه مجاناً، وأشتري له الدواء من مالي الخاص، قلت له والآن..؟ قال: لا أكشف عليه إلا إذا دفع!! قلت له قد يتضرر مريضك!! قال بكل غطرسة: يموت!! المقابر واسعة!! قلت له وضميرك..؟ قال: ولا به ألم.. ولن يهتز لي رمش!! لا تقل عجباً!! فهذا قد حصل، ويحصل، وسيحصل.. قبل أيام فقط جاءت امرأة عجوز من الريف إلى عدن.. رفيقها المرض “فشل كلوي أعاذكم الله وعافاكم” وكفيلها العوز والحاجة.. وقوتها الأمل في مروءة أصحاب المروءة.. ورحمة ملائكة الرحمة..دخلت إحد المستشفيات الحكومية.. أجرت الفحوصات والكشوفات.. فأبتسم لها الأمل، وظنت الخير فيما حولها.. ودخلت إلى الطبيب المختص.. لم يلتفت الطبيب كثيراً إلى أنينها.. كتب لها ورقة كأنها وصفة.. وأخبر من يرافقها أن يأتي بها لاحقاً إلى عيادته الخاصة مع التأكيد على ذلك لأنها ـ كما قال ـ تحتاج إلى عملية جراحية.سأل أهلها عن كلفة العملية في المستشفى.. وتفاءلوا خيراً لأن كلفة العملية رمزية “خمسة آلاف ريال” ولأن الطبيب طيب ومهتم.. وما أن دخلوا غرفة الطبيب في عيادته الخاصة.. وعرفوا منه غرض المجيء إلى هذا المكان، حتى تلاشت الآمال.. واسودت الدنيا.قال لهم الطبيب: أنا سأقوم بإجراء العملية.. ولكن ليس في المستشفى الحكومي.. بل في مستشفى “....” الخاص.. وأضاف أن العملية لن تكلف سوى ثلاثين ألف ريال فقط لا غير!! قالوا له: ولماذا في المستشفى الخاص؟! فرد عليهم بحزم: أنا لا أعمل العمليات في المستشفى الحكومي!! تريدون أهلاً وسهلاً!! ما تريدون.. مع السلامة.. ابحثوا عن غيري!!هذا مثل من زحمة الحياة.. ونموذج من نماذج تحصل لغيرنا.. وقد تحصل لنا.. ليس فقط للحصول على فرصة لإزالة الألم.. ورفع البأس والمعاناة.. بل قد تكون أحياناً لذلك.. وبمئات آلالاف ولا يحصل المريض سوى على مزيد من المرض.. ولا يحصل الأليم سوى على مزيد من الألم والمعاناة.أحدهم تجشم عناء السفر إلى صنعاء.. وأهرق ماء الوجه للحصول على المال للوصول والكشف والعلاج والإقامة.. دخل عيادة الدكتور البروفسور “ وغيره من الكذب والخزعبلات” أجريت له العملية لتشخيص ما أصاب قلبه وجسده.. كتب الطبيب له الدواء.. ومع الدواء كتب له دواء مضاداً لهذا الدواء.. ومفاقماً للمشكلة الحاصلة في القلب.. وظل المريض قرابة السنة ونصف السنة يشرب الدواء.. متحملاً كلفته المرتفعة..وتأثيره الهدام لفعل الدواء الآخر ولما بقي فيه من صحة.تدهورت صحة المريض.. فأخذ يتخبط.. يبحث عن وسيلة للوصول إلى المنقذ في صنعاء.. وبعد تعب وعناء.. دخل المستشفى لإجراء العملية التشخيصية مجدداً وقبل إجراء العملية خضع للفحص.. قالت له الطبيبة التي تعمل هذه الفحوصات والكشوفات قبل إجراء العملية بساعات: يا عم مشكلتك الكبيرة تكمن في غلطة الطبيب الذي وصف لك هذا الدواء.. وأشارت إلى نوعين من قائمة الأدوية.. قالت: هذان الدواءان عطلا عمل الأدوية الأخرى وزاد الطين في قلبك بلة “تقصد أنهما أديا إلى تعطيل عمل بقية الأدوية، وإلى زيادة المشاكل في القلب”.لم يأخذ المريض كلامها على محمل الجد.. بل واصل السير وأجرى العملية، وكان يوم أربعاء، واصل تعاطي الأدوية كالعادة لأنه لم يستطع مقابلة الطبيب.. لكنه لم يتعاط الأدوية التي حذرته الطبيبة منها.. الضغط مرتفع.. نبضات القلب جد سريعة.. فلما كان يوم السبت قابل الطبيب وكان الضغط قد تحسن.. وانتظمت نبضات القلب في حدود السبعين.شعر البروفسور بأن المريض قد علم بحقيقة الأمر.. اضطرب حاله.. كتب وصفة مرتبكة ثم ودع المريض كمن لم يكن بينه وبين محدثه سوى السلام عليكم!!هذا هو حال كثير من الأطباء.. وكم دخل المستشفيات من المرضى على أقدامهم.. وخرجوا على الجنائز.. أما السبب فهو أصل العجب.. وهو أن القانون ما زال عاجزاً عن المحاسبة.. ولأن ضمائر الكثيرين قد ماتت وعششت بدلاً منها الأطماع والجشع..حتى تحول كثير من ملائكة الرحمة إلى ملائكة عذاب ونقمة.. فاحذروا وأنتم تدخلون المستشفيات.. وأكتبوا الوصايا. قبل أن تحل البلايا.
اكتبوا الوصايا قبل أن تحل البلايا!!
أخبار متعلقة