العنوان أعلاه، هو عنوان كتاب الدكتور شكري عزيز الماضي ، الصادر عن المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب الكويتي ضمن سلسلة عالم المعرفة العدد (355) سبتمبر 2008م. وتتكون خطة الكتاب من تصدير بعنوان ( الرواية الجديدة / المصطلح - الماهية - السياق ) وأحد عشر فصلاً تناولت فيها قرابة تسعة عشر نصاً روائياً عربياً من مصر والعراق والأردن والجزائر والمغرب ولبنان وسوريا ، وجل هذه التجارب الروائية الحديثة - بحسب المؤلف - قد بدأت في الظهور والانتشار في العقود الأخيرة من القرن العشرين وحتى السنوات الأولى من القرن الحادي والعشرين. أسئلة البحث : تتمحور إشكالية الدراسة في السؤال الأتي : ما المقصود بالرواية العربية الجديدة؟ ومن هذه الإشكالية تبرز عدة أسئلة هي : ما ماهية الرواية العربية الجديدة؟ وما خصائصها وأنساقها ؟ وما فلسفتها الجمالية الخاصة ؟ وما العلاقة بين منطقها الفني ومنطوقها ؟ وما علاقتها بنظام الواقع وبنظام التوصيل ؟ وما ألوانها وأطيافها ؟ وهل هي تطور طبيعي لمسار الرواية العربية الحديثة ؟ أم أنها حلقة جديدة تمثل انقطاعاً في ذلك المسار؟ وتلك الأسئلة هي الدافع الرئيس الذي يقف خلف كتاب الدكتور شكري عزيز الماضي. وقد استند المؤلف في اختباره للنصوص الروائية التي ظهرت في المرحلة الزمنية التاريخية المشار إليها ، إلى عدد من المعايير الجغرافية والموضوعية والفنية ، وإلى طبيعة القضايا الأدبية والنقدية التي تثيرها كل تجربة ، وما تنطوي عليه من ملامح وأصداء مشتركة كالحزن العميق والمرارة والأسى الذي يكشف هذه التجارب، والرغبة العارمة في تجاوز كل التقاليد الجمالية والمنظومات الفكرية والأيديولوجية ، وفي الموقف من السلطة والزمان والعالم.. الخ. [c1]منهج الدراسة[/c]أشار المؤلف إلى أن المنهجية التي تناول من خلالها الروايات، منهجية مرنة ومتحركة ، إذ تشتق أدواتها وخطواتها الإجرائية ومعاييرها من طبيعة التجارب الإبداعية العربية المحلية المدروسة لا من التيارات النقدية الوافدة .. ولذلك ابتعد الباحث عن الأحكام النقدية المباشرة أو الصارمة ، او البحث عن الحسنات أو العيوب، أو موطن الجودة ، باعتبار الرواية عملاً فنياً ، لاشريحة من الحياة او الواقع ، وأن الصياغة الفنية تعني أكثر مما يعني المحتوى، ولذا انصب اهتمامه على البحث عن الفنيات والتقنيات والأساليب واستخلاص الدلالات الفنية الجزئية والمبادئ والقيم الجمالية الكامنة في ثنايا التفاصيل البنائية والتشكيلات اللغوية .الصعوبة التي واجهت الدراسةتأسيساً على ما سلف ، فالبحث دون شك مضن ، لاسيما إذا أخذنا في الاعتبار جدة التجارب الروائية - قيد الدراسة - وخصوصية منطقها الفني. المصطلحات الأساسية في الدراسة : تتمثل هذه المصطلحات في مصطلح الرواية التقليدية والرواية الحديثة. [c1]الرواية التقليدية[/c] عوضاً عن الخوض في تعريفات ، أورد المؤلف أوصافاً للرواية التقليدية تستند إلى ماهيتها وظيفتها المتمثلة في التعليم والوعظ والإرشاد ، وبالتالي فهي مهمة بدلالاتها، وإن كانت فقيرة في البناء والمحتوى ناهيك عن أن ظهورها مثل دلالة أدبية مهمة تمثلت في وعي الذات الجماعية بضرورة البحث عن أشكال تعبيرية تكون قادرة على تجسيد حساسية جديدة أو ذوق فني جديد. وقد خاض المؤلف في الصفات النوعية للرواية التقليدية كغياب التجربة المتكاملة وطغيان الأفكار والعبر الجاهزة داخل الشكل الروائي وحرصها على التوثيق والتسجيل ، وغياب الشخصيات واهتمامها بالوقائع والأحداث التي ترتبط بالمصادفة أو القضاء والقدر أو تدخلات السارد ، ولغتها التقريرية، ودور الراوي الذي يقوم بمهمة السرد والذي يتدخل ليفسر ويعلق أو يخاطب القراء مباشرة .. وكل ذلك بوصفها نتائج رؤية تقليدية للفن والإنسان والعالم ، ولذا بناؤها العام وأدواتها تعيد إنتاج الوعي السائد. وكل ذلك ، لاينفي إسهاماتها في إلانة اللغة أي تخليصها من لغة السجع والبلاغة الشكلية .. وكذلك إسهامها في خلق قاعدة من القراء. الرواية الحديثة : نهضت عوامل عدة في ظهور الرواية الحديثة كانتشار التعليم والمدارس والمطابع ودور النشر والصحافة والمكتبات والكهرباء والاحتكاك والتواصل مع تجارب الرواية الأجنبية وتعقد العلاقات الاجتماعية والاقتصادية ونمو السكان، وتعاظم المد الفكري والنهضوي والثقافي والقومي ونضج الحركات الوطنية ونجاحها في تحقيق بعض أهدافها.. مما سبق، نستطيع استشراف ماهية الرواية الحديثة، بوصفها تعبيراً عن وعي فني متطور وتجسيداً لمفاهيم أدبية ونقدية جديدة تتصل بوظيفة الرواية وماهيتها وصلتها بالواقع وعلاقتها بالمتلقي. وتسعى الرواية الحديثة إلى التعبير عن العلاقات الاجتماعية القائمة ، أو الإسهام في (خلق) علاقات جديدة ، فهي تصدر عن وعي جمالي يتخطى حدود الوعي السائد، ويتجاوزه إلى آفاق جديدة، باعتبار أن التحديث في تجاوز وتخط دائم. ولما سبق، فإن مهمة الرواية الحديثة هي تجسيد رؤية فنية ، أي تفسير فني للعالم، والرؤية كشف جديد لعلاقات خفية، ومن خلال هذا الكشف الجديد تتولد المتعة أو التشويق والجاذبية. وتهتم الرواية الحديثة بالثوابت والباطن الجوهري، فهي تتغلغل إلى جذور الظواهر، وتصور العلاقات من الداخل ، وهذه الوظيفة تحدد ماهيتها لا العكس، بمعنى الاهتمام بالموقف العرضي والطارئ والسطحي والهامش. بناء الرواية الحديثة: أهم ما يميز بناءها ذاك التصميم الهندسي، القائم على البداية والذروة والنهاية، والترابط بين الأحداث والتفاعل بين الحدث والشخصية الذي يؤدي إلى نمو الأحداث وفق مبدأ السببية، كما يؤدي إلى تطور الشخصية وتناميها، وكل هذا يؤدي إلى التوازن في العلاقة بين الحدث والشخصية والزمان والمكان ، وهو ما يسم البناء بالتماسك والترابط والتدرج الفني، وتأتي تقنيات الرواية الحديثة تلبية لرؤيتها ووظيفتها وتؤدي الأساليب السردية دوراً رئيساً في توازن البنية الروائية برمتها. والحصيلة هي أن الرواية الحديثة بنية فنية دالة ، وتشكيلها الفني تجسيد لرؤية وتوقية للعالم ، على الرغم من تعدد الرؤى الفنية وتنوعها، والتباينات في ما بينها التي تصل حد التناقض أحياناً. [c1]الرواية الجديدة[/c]خلخلت هزيمة حزيران 1967م كل البنى العربية ومنظومة القيم السائدة ، ومنها القيم الفنية والجمالية ، بل كانت هزيمة حزيران الحد الفاصل بين مرحلتين في حياة الرواية في الوطن العربي وبوصف الرواية الجديدة مغاراً للرواية الحديثة معنى ومبنى، فقد تعددت تسمياتها فأطلق عليها رواية اللارواية ، والرواية التجريبية، ورواية الحساسية الجديدة، والرواية الطليعية والرواية الشيئية والرواية الجديدة، ورواية الواقعية القذرة أو الرواية التي تبحث عن شكلها بحسب فيصل دراج. ولعل مرد ذلك ، أنها لاتندرج في أفق محدد ووحيد ، لأنها بطبيعتها البنائية وفلسفتها وهدفها تتمرد بحزم ضد هذا التحديد أو التصنيف إضف لذلك تعدد ألوانها ومفاهيمها، ناهيك عن تباينها ربما تعارضها أو تناقضها فيما بينها إلى درجة أن هذا التباين والتناقض قد نجده بين روايتين لكاتب واحد.[c1] الخصائص والسمات العامة للرواية الجديدة[/c]من البداهة القول، إن الرواية الجديدة ، تعبير فني عن حدة الأزمات المصيرية التي تواجه الإنسان، تسعى لتأسيس ذائقة جديدة أو وعي جمالي جديد، مستندة إلى جماليات التفكك تماهياً مع تشظى الأبنية المجتمعية، وفقدان الإنسان وحدته مع ذاته.ولا تملك الرواية الجديدة لغة واحدة ، بل نلحظ أحياناً تمرداً على اللغة وتراكيبها المألوفة وقواعدها ، ثم إن الشكل في الرواية الجديدة ليس قالباً جاهزاً يلقى على التجربة فيحتويها ، بل الشكل شيء ينمو من خلال التجربة ويخضع لمتطلباتها ، بمعنى أن الشكل تجريبي يخلقه كل من المؤلف والقارئ ، ولذلك فالتصميم المتناثر للرواية الجديدة ينطوي في داخله على دوائر دلالية جزئية تمكن القارئ من استخلاص الدلالة الكلية للرواية وأهدافها من خلال علاقتها بحركة الواقع/ العالم. وليس مهمة الرواية الجديدة أثارت انفعال القارئ، أو دفعهإلى توهم الحقيقة، ولا إلى الاندماج مع العالم الروائي أو بعض شخصياته، وإنما مهمتها دفعة إلى التفكير من جديد في كل ما يقرأ.. وما سلف، لا ينفصل عن مهمة الراوي التي تكمن في إثارة الشك والتساؤلات، أي أن الرواية الجديدة تصدم القارئ بأسئلتها الفنية ، أكثر مما تجذبه وتهز وعيه الجمالي وذوقه وأكثر مما تدغدغ عواطفه ، وتجعله يعيش في عالم متمسك بفوضاه، وهي تؤكد له مراراً (بصورة مباشرة أو بأساليب عديدة) أن ما يقرأه لا يمثل الواقع ، بل هو مجرد عمل متخيل. ولا يمكن في الرواية الجديدة الحديث عن (بؤرة النص) أو ( البؤرة المركزية) كما يطلق عليه المؤلف في بحثه عن (محمد أحمد عبدالولي، والرواية العربية في اليمن) مجلة (الثقافة الجديدة) ، العدد 11، أغسطس - سبتمبر 1994م ص 16) وذلك لأن بؤرتها - إن كانت لها بؤرة - تتمثل في التعدد والتنوع ، فمثلاً نجد البنية السردية عند الطاهر وطار تنهل من جماليات الرعب ( الشمعة والدهليز) ومن الأجواء الغرائبية في ( الولي الطاهر بنود إلى مقامه الزكي) ومنها ما يستلهم الأنواع السردية القديمة والحديثة لتوليف بنية سردية هجينة، كما عند أميل حبيبي في ( الوقائع الغريبة في احتفاء سعيد أبي النحس المتشائل) أو رسم دوائر سردية تجسد من خلالها علاقة جديدة بين مفهوم الكتابة ومفهوم القراءة في تقاطعها مع حركة الواقع مثل ( مملكة الغرباء) عند إلياس خوري ، أو بنية سردية تتمرد على الحدود والقيود وتثير إشكالية التجنيس كما في ( الديناصور الأخير ، قصيدة - رواية) الفاضل العزاوى ... الخ. هذا ، ومع التأكيد على تعدد أبنية الرواية الجديدة وتنوع رؤاها ، فإننا نسمع فيها نغمة هامة خافتة تسعى إلى رثاء الإنسان وهجاء العالم ، وعلى الرغم أنها - أي التجارب الروائية الجديدة - لا تعالج موضوعات محددة ، لكنها تثير قضايا جمالية ، وفلسفية جديرة بالتأمل والحوار ، وتختفي فيها البطولة .. والأبطال ويكاد يتلاشى الإنسان أو يتحول إلى مجرد اسم أو رقم أو شيء أو صوت أو ضمير ، لكنها ترسم من خلال ذلك إشارات الاستفهام الناصحة بالاحتجاج على أوضاع الإنسان العربي المتردية. وإضافة لذلك، تشترك التجارب الروائية الجديدة في جرأتها في تجسيد أبنية سردية جديدة، أبنية تصاغ بطرائق فنية حصيفة ، طرائق تشجع على كسرها أكثر من إتباعها ، وترسي - على صعيد جماليات التلقي - مبادئ جمالية أهمها كسر ( الجدار الرابع ) الفاصل بينها وبين قرائها، وتحطيم مبدأ الإيهام. تلك كانت الملامح والأصداء التي تشترك فيها التجارب الروائية الجديدة ، التي تناولها الكتاب للناقد شكري عزيز الماضي، التي أطلقت عليها (الخصائص والسمات) للرواية الجديدة واختتم المؤلف عمله القيم والمهم والمضني ، بخلاصة استلهما من قراءة للنصوص الروائية المشار إليها، وما تشترك به من تقاليد جمالية بتمرده على التقاليد الراسية ، ومنطلقة من مفهوم جديد للكتابة الروائية، بوضعها فعلاً لا يكتمل إلا بفعل القراءة، أي فعل يهدف إلى الكشف والتعرية أو إثارة الدهشة لا المتعة والتساؤلات لا الانفعالات ، والتأمل لا الحماسة، والصدمة لا الاجترار. وأشارت الخاتمة أيضاً إلى أن التجارب الروائية الجديدة تتيح أفقاً أوسع للقراءات المتعددة ، بوضعها انجازاً فنياً يضاف إلى مسار الرواية العربية، مختتماً كتابة بالإشارة إلى أن أهمية هذه التجارب الروائية تكمن في أنها ستظل شاهدة على صورة المجتمع العربي في نهاية القرن العشرين وأوائل القرن الحادي والعشرين ، صورة مجتمع مفكك مترهل مبعثر .. ومؤكداً أن الصعوبات والمخاطر والتحديات التي تواجه هذه التجارب الجديدة عديدة، وأهمها: إغواء الرفض المطلق الذي يؤدي إلى القفز على الواقع الأدبي لا إلى التخطي المنشود، وإغراء التجديدات التقنية والشكلية المطلوبة لذاتها ، التي تؤدي إلى التضحية بالقارئ العادي- الذي أهمل في الآونة الأخيرة- والاستناد أكثر مما ينبغي ، إلى الذرائع الفنية الفلسفية التي تؤدي إلى حصر الاهتمام بالنخبة المثقفة .وفي تقديرنا ، تزداد التضحية بالقارئ تفاقماً ، لصعوبة الاشتغال على هذه التجارب الروائية الجديدة سينمائياً، ونظراً لطبيعتها وبنيتها العصية على الكاميرا.
أخبار متعلقة