لقد نال الشطر الجنوبي استقلاله وسقط مع هذا الاستقلال المشروع البريطاني الاستعماري التشطيري، وأثبت الشعب الأبي أنه أقوى من كل مؤثرات الثقافة الانفصالية التي كرس الاستعمار كل جهوده في غرسها طيلة فترة بقائه لمدة 128 سنة ... فقد ظل حضور التاريخ الوحدوي ماثلا في وعي الحركة الوطنية في مختلف مراحل نضال شعبنا، التي بلغت ذروتها في حرب التحرير التي أنجزت الاستقلال ...وعلى الرغم من أن استقلال الشطر الجنوبي جاء في ظروف حرجة بالغة الخطورة إذ كان النظام الجمهوري في صنعاء يتعرض لأعتى هجمة شرسة استهدفت إسقاطه وذلك عقب عودة القوات المصرية من اليمن، الأمر الذي لم يكلل فيه انتصار الثورة في الشطر الجنوبي بإعلان مشروع يمني وحدوي فوري مع الشطر الشمالي من الوطن، ولكن جماهير الشعب في الشطرين هبت هبة رجل واحد لفك الحصار المضروب على صنعاء، ومضت في تصعيد المقاومة الشعبية، ورفع الجاهزية القتالية في أعلى مراحلها على مدى حرب السبعين يوما حتى انتصرت إرادة الشعب، وحل السلام في ربوع اليمن.. وأضحى النظامان السياسيان في شطري اليمن أمام استحقاقات الوحدة التي ظلت هي الحقيقة الكبرى المستحوذة على جدول أعمال النظامين السياسيين في الشطرين، مهما تباينت وجهات النظر، فثقافة الوحدة هي الثقافة المقروءة، وهي لغة التفاهم الوحيدة، وهي الأقوى من الاتجاهات الإيديولوجية الدخيلة، ومن الطائفية والمناطقية...وقد كانت أولى بوادر العمل الوحدوي بين الشطرين في نوفمبر/تشرين الثني 1970م، عندما اتفقت قيادتا الشطرين في اجتماع تعز، على ضرورة البدء باتخاذ إجراءات وخطوات وحدوية إدارية كانت تستهدف تكوين اتحاد فيدرالي! وعزي هذا الطرح إلى وجود واقع متباين في نظامي الحياة الاجتماعية والسياسية في الشطرين خلال عهود الاستعمار والاستبداد ..وقد ظهرت مؤثرات وعوامل صراع لإعاقة العمل الوحدوي، لكنها في كل الأحوال لم تكن أقوى من تيار الوحدة والإرادة الشعبية التي مضت تكتسح هذه الألغام، مهما كلفها ذلك من تضحيات عرضت الطاقات الوطنية والموارد للإهدار الناجم عن التجزئة.. ولئن بدت خطوات الوحدة بطيئة ومتعثرة من حين لآخر لكنها اكتسبت الرسوخ، والصلابة الشديدة في وجه كل المحاولات المضادة لمسيرة الوحدة.. فقد كان لاحتماء جماعات وقوى من كلا الشطرين بالشطر الآخر، دور في توتير العلاقات بينهما بلغت حد الأزمة التي أفضت إلى حدوث صدام مسلح بينهما عام 1972، على جولتين، الأولى في 1 فبراير/شباط 1972،والأخرى في سبتمبر/أيلول من العام نفسه، نجم عنهما اتفاقية القاهرة التي تم التوقيع عليها بين القيادتين التنفيذيتين في الشطرين في مقر جامعة الدول العربية في 28 أكتوبر 1972، تجاوبا مع جهود لجنة التوفيق العربية المشكلة بقرار من مجلس الجامعة العربية في 13 سبتمبر 1972م، من أجل تسوية الخلافات بين شطري اليمن..وقد شكلت صياغة اتفاقية القاهرة نقطة وسطا بين تصورين لمشروعين للوحدة من قيادتي الشطرين، وكيفية إنجازها، وأعقبها بيان طرابلس في 28 نوفمبر 1972 الصادر عن لقاء رئيسي الشطرين القاضي عبد الرحمن الإرياني وسالم ربيع علي، ويعتبر جزءا مكملا لاتفاقية القاهرة ، حيث تضمنت المادة التاسعة منه إنشاء تنظيم سياسي، كما يعتبر تفسيرا لبعض بنود اتفاقية القاهرة، وشاملا مجموعة من الأسس التي تسترشد بها اللجان المشتركة في عملها لإنجاز عملية الوحدة. ومما يميز الاتفاقية والبيان نصهما على قيام دولة واحدة تذوب فيها الشخصية الدولية لكل من دولتي الشطرين في شخص دولي واحد، وربط هذا النص بإنجاز مشروع دستور دولة الوحدة، الأمر الذي أعاد العمل الوحدوي إلى مفهومه الاندماجي، وأسس لمشروع إعادة الوحدة بالوسائل السلمية، وإسقاط الخيار العسكري، والوحدة على الطريقة البسماركية ... وأدى الاتفاق والبيان إلى توالي اجتماعات الممثلين الشخصيين لرئيسي الشطرين فضلا عن لقاءي قمة، أحدهما في الجزائر في أيلول/ سبتمبر 1973، والأخر في تعز-الحديدة، في تشرين الثاني/نوفمبر 1973 وقد تم فيهما الاتفاق على إعطاء فترة زمنية كافية لإنجاز اللجان الفرعية أعمالها، تجاوزت الفترة المحددة في اتفاقية القاهرة، كما تم الاتفاق على إيقاف أعمال التدريب والتخريب في كل أنحاء اليمن، وإغلاق معسكرات العناصر المخربة، والاتفاق كذلك على إيجاد صيغ للعمل المشترك في المجالات الاقتصادية. وأخذت لجان الوحدة في التشكل، ثم في عقد اجتماعاتها لتحديد مهامها والاتفاق على وضع برامج زمنية لأعمالها وفقا لاتفاقية القاهرة وبيان طرابلس.. ثم ما لبثت أن توقفت أعمالها حوالي ثلاثة أعوام تأثرا بالظروف والأحداث الداخلية في كلا الشطرين وبخاصة إثر حادث اغتيال محمد علي عثمان عضو المجلس الجمهوري، نائب رئيس الوزراء في الشطر الشمالي، ووجهت اتهامات صريحة إلى سلطات الشطر الجنوبي، وظل الوضع متوترا، ووصل الأمر بإعلان الشطر الشمالي استخدام القوة لإنجاز الوحدة . . وفي ظل هذا الوضع المتأزم، قامت حركة 13 يونيو التصحيحية عام 1974م.. ومهد ذلك إلى نزع فتيل الأزمة . واستعادت قيادتا الشطرين الظروف المهيئة للتفاهم فيما بينها بإسناد قوى التيار الوحدوي، والتقاء النظامين في تحديث سلطة الدولة، وإدراكهما للأخطار الإقليمية والدولية التي تهدد أمن البحر الأحمر ومدخله الجنوبي، فضلا عما كان لقيادة الشطر الشمالي من دور قومي ملموس في وضع رؤية عربية للأمن في البحر الأحمر، فكان الترتيب لقمة قعطبة في 15 فبراير/شباط 1977م التي وقعت على اتفاق أنهى فترة القطيعة، وأعاد النشاط إلى لجان الوحدة . وقد اعتبر اتفاق قعطبة مكملا للاتفاقات السابقة ومنفذا لبنودها، ومستحدثا مجلسا مشتركا برئاسة رئيسي الشطرين، وهو بمثابة مجلس تخطيط وتنسيق ومتابعة لرسم وتوجيه الخط العام للسياسة اليمنية داخليا وخارجيا إبان فترة الإعداد واستكمال اللجان المشتركة أعمالها.. فضلا عما تضمن الاتفاق من إيجاد علاقة عضوية للنشاط الدبلوماسي للشطرين، وأن يمثل أحدهما الآخر في البلدان التي لا يوجد لأي منهما فيها سفارات، إلا أن اغتيال الرئيس إبراهيم الحمدي في 1977/10/11 قبل يوم واحد من توجهه إلى عدن لاستكمال اتخاذ خطوات أخرى، حال دون الاستمرار في التطبيق العملي لاتفاق قعطبة .ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ[c1]العمل الوحدوي (1978م-1990م)[/c]إن عملا عظيما كمشروع الوحدة لا بد أن تحف به المخاطر، وأن يواكبه الكثير من التضحيات، ولا سيما حين تستبد المخاوف المتبدلة بأصحاب الشأن وأولي الأمر ، وصانعي القرار، وحين تسود الانطباعات الخاطئة والمفاهيم المغلوطة علاقات النظامين، بل والعلاقات الداخلية لكل شطر على حدة.. وحين تلتقي هذه السلوكيات السلبية مع رغبات إقليمية، وصراعات دولية يزداد حجم المعاناة، وغالبا ما ينتهي إلى أزمة متفجرة.. ولكن أيا من هذه الأخطار والأزمات لا تقوى على حرق ملف الوحدة، فالممسكون به يدركون أن ما يتعرض له النظامان من اضطرابات وعدم استقرار سياسي يتصل اتصالا وثيقا بعرقلة مسيرة الوحدة، لذا ظل السعي نحو إعادة الوحدة أقوى من كل التحديات . فقد حدثت تطورات دامية في كلا الشطرين جرى فيها اغتيال الرئيس أحمد الغشمي وتم انتخاب الرئيس علي عبد الله صالح رئيسا للجمهورية في 17 يوليو 1978 في ظرف كانت فيه البلاد في حالة غليان اتجهت فيها أصابع الاتهام في اغتيال الغشمي إلى قيادة الشطر الجنوبي، في الوقت الذي أخذ فيه الصراع على السلطة في عدن يشتد بين فريق يقوده سالم ربيع علي وفريق يقوده عبد الفتاح إسماعيل الذي تغلب على فريق ربيع الذي اتهم باليسار الانتهازي والنزعة الفردية وانتهى بمقتله.. ولكن حسم الصراع الحزبي لم يدفع في اتجاه تنشيط أعمال لجان الوحدة، فقد أدى الولاء الإيديولوجي للماركسية إلى نشوب حرب شباط/آذار 1979 بين الشطرين أسفرت عن وساطة للجامعة العربية، وعقد قمة الكويت، وصدور بيان الكويت في 30 آذار/مارس 1979 الذي أكد فيه الرئيسان علي عبد الله صالح، وعبد الفتاح إسماعيل على تصميم الشعب في الشطرين على إقامة دولة الوحدة في أسرع وقت ممكن، وحث اللجان على إنجاز مهامها، وبخاصة اللجنة الدستورية التي حدد لها فترة أربعة أشهر لإعداد مشروع دستور دولة الوحدة، والالتزام باتفاقية القاهرة وبيان طرابلس . وقد أعقب تلك القمة عقد قمة صنعاء في 1979/10/4، تم فيها التأكيد على بذل جهود مشتركة لتحقيق التكامل الاقتصادي بين الشطرين، وإعطاء مهلة إضافية للجان الوحدة لاستكمال أعمالها . لقد أسفرت الصدامات المسلحة عن تولد اقتناع لدى الطرفين بأن أسلوب القوة والعنف لإنجاز الوحدة غير ممكن، الأمر الذي ترتب عليه البحث عن صيغ مناسبة تقوم على الحوار السلمي، وهو ما شهده عقد الثمانينات الذي اتسم بعقد لقاءات متتالية كرست الحوار، وأسفرت عن خطوات عملية ملموسة على طريق إعادة تحقيق الوحدة.. فما كان يتفق عليه في عقد السبعينات، ولا ينفذ بصورة جيدة، أضحى في الثمانينات يحظى بالاهتمام وقابلا للتنفيذ.. ·1 فقد عقد لقاء صنعاء في حزيران/يونيو 1980، وتم فيه الاتفاق على إقامة المشاريع الاقتصادية المشتركة، وإزالة المواقع العسكرية في مناطق الأطراف في الشطرين، وحث لجان الوحدة على إنجاز أعمالها. ·2 وفي لقاء تعز في 15 أيلول/سبتمبر 1981 ، اتفق على تشكيل لجنة لتنفيذ المادة (9) من بيان طرابلس 1979، الخاصة بتشكيل التنظيم السياسي الموحد.. ·3 وفي 30 كانون الأول/ديسمبر 1981، انعقدت قمة عدن، وتم فيها إنشاء المجلس الأعلى برئاسة رئيس الشطرين لمتابعة سير تنفيذ اتفاقيات الوحدة بين شطري الوطن، وللإشراف على لجان الوحدة وكذا إنشاء اللجنة الوزارية برئاسة رئيسي الوزراء.. وقد عقد المجلس اليمني الأعلى أربع دورات في كل من صنعاء، وعدن : دورة أغسطس 1983 في صنعاء، دورة فبراير 1984 في عدن، دورة ديسمبر 1984 في صنعاء، دورة ديسمبر 1985 في صنعاء . كما عقدت اللجنة الوزارية ثلاث دورات.. وكان لتلك اللقاءات أثرها النفسي في تعميق الثقة بين القيادتين، وانعكاسها على المواطنين بالارتياح. إلا أن هذا الوضع المطمئن لم يدم طويلا، فقد تفجرت أحداث العنف في 13 يناير 1968، بين أعضاء النخبة الحاكمة في الشطر الجنوبي، وخروج الرئيس علي ناصر محمد أحد طرفي الصراع من الشطر الجنوبي، ومعه عدد كبير ن قيادات الحزب، ورجال الدولة، إلى الشطر الشمالي، مما أدى إلى توقف المباحثات واللقاءات عمليا لما يقارب العامين تجمدت معها الاتفاقات التي اتخذت من قبل، غير أن الأمور لم تذهب إلى حد الاحتدام بين الشطرين، فقد كان تصرف الأخ الرئيس علي عبد الله صالح خلال تلك الأحداث المؤسفة حكيما، حيث رفض-ورغم كل المغريات- التدخل وبشكل قاطع، في الصراع الدائر بين طرفي الصراع، بل دعا إلى حل الخلافات بالاحتكام إلى الحوار، الأمر الذي كان له أثره الإيجابي في احتواء آثار الصراع وتهيئة مناخ الثقة الذي أمكن من خلاله استئناف الحوار والعمل الوحدوي مع الجناح المنتصر في قيادة الحزب الاشتراكي الذي تسلم السلطة في عدن . وقد تزامنت معاودة الحوار الوحدوي مع إعلان الشطر الجنوبي عن اكتشاف النفط في منطقة تماس مشتركة، وشكل ذلك إضافة متغير جديد إلى مجموعة المتغيرات الحاكمة لعلاقات الشطرين. وكان انعقاد أول قمة عقب أحداث يناير 1986 في تعز في نيسان/أبريل 1988 اتفق فيها على اتخاذ خطوات أكثر جدية في استكمال الجهود المشتركة لاحتواء ومعالجة آثار أحداث يناير 1986، والالتزام الكامل بما تم الاتفاق عليه في مجال العمل الوحدوي قبل تلك الأحداث، والتأكيد على أهمية المشروعات الاستثمارية المشتركة، ومنها ما يتعلق بالثروات الطبيعية في محافظتي مأرب وشبوه، وتلاها قمة صنعاء (3-4 مايو/أيار1988) وقد كان لقاء القمة هذا لقاء تفصيليا لما اتفق عليه في قمة تعز، وقدرت فيه منطقة الاستثمار المشترك بمساحة قدرها 2200كم مربع، كما اتفق على تنشيط عمل لجنة التنظيم السياسي الموحد، ووضع تصور مشترك للعمل السياسي الموحد في أقرب وقت ممكن، وإعداد برنامج زمني لإبرام دستور دولة الوحدة، والاتفاق على إلغاء النقاط القائمة بين الشطرين، واستبدالها بنقاط مشتركة وتسهيل حركة تنقل المواطنين بين الشطرين والمرور بالبطاقة الشخصية، وعدم فرض قيود على المواطنين، والبحث عن مصادر تمويل لربط الطرق بين الشطرين وقد أنجزت جملة من الأعمال الوحدوية التي تم الاتفاق عليها وأهمها إنشاء شركة مشتركة للاستثمارات النفطية والمعدنية، وتسمية أعضاء لجنة التنظيم السياسي الموحد، وتبادل الشطرين مشروعات حول شكل دولة الوحدة، وطريقة إنجازها. كما عقدت لجنة التنظيم السياسي الموحد دورتها الأولى في تعز في 2 نوفمبر تشرين الثاني 1989 واتفقت على مناقشة أربعة بدائل للتنظيم السياسي . 1-دمج المؤتمر الشعبي العام، والحزب الاشتراكي اليمني في تنظيم سياسي واحد . 2-الإبقاء عليهما في وضع مستقل وإتاحة حرية التعدد السياسي والحزبي . 3-حل المؤتمر الشعبي العام، والحزب الاشتراكي اليمني، وترك الحرية لقيام التنظيمات السياسية . 4-تكوين تحالف جبهوي يضم المؤتمر والحزب والقوى الوطنية مع احتفاظ كل منها باستقلاليتها. لقد اتسمت هذه الفترة بمتغيرات محلية و إقليمية ودولية كان لها دورها في تقرير موعد إعلان قيام دولة الوحدة . ففي الشطر الجنوبي جرت عملية مراجعة شاملة لتجربة النظام في سياق البريسترويكا في الاتحاد السوفيتي التي انتهت بانهيار المعسكر الاشتراكي فيما بعد، وأدى انخفاض الدعم الذي كان يتلقاه الشطر الجنوبي من الاتحاد السوفيتي إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية وإثقال خزينة الدولة بمديونية بلغت 6 مليارات دولار... في الوقت الذي شهدت فيه المنطقة العربية قيام تكتلات إقليمية كان فيها الشطر الشمالي عضوا في أحدها هو مجلس التعاون العربي . وقد التقطت القوى الوحدوية، وجماهير الشعب هذه المتغيرات، وكونت ضغطا وحدويا قويا ماج به الشارع السياسي وعزز الجهد الشعبي من الجهد الرسمي ويسر على قيادتي الشطرين الانطلاق نحو الخطوات الأخيرة لإعلان الوحدة . وقد عبر لقاء قمة عدن في 1989/11/30م عن ذلك خير تعبير، فقد نجم عنه اتفاق تم فيه تصديق القيادتين على مشروع دستور دولة الوحدة. وإحالة مشروع الدستور على المجلسين التشريعيين خلال ستة أشهر بإجراء الاستفتاء الشعبي، والانتخابات التشريعية الموحدة لدولة الوحدة . وفي ضوء لقاء قمة عدن أوفدت قيادتا الشطرين العديد من الوفود المشتركة إلى الأقطار العربية الشقيقة وبعض الدول الكبرى الصديقة، لتقديم صورة واضحة عن حقيقة دولة الوحدة، بهدف تحييد الأطراف الإقليمية الدولية وتخفيف حدة العوامل المضادة لقيامها، والتهيئة لاستقبالها وتقبلها في المحيطين العربي والدولي بما من شأنه تعزيز العلاقات مع هذه الدول والإسهام في تحقيق الاستقرار الإقليمي وأردفتها بقيام القيادتين والشطرين بإجراء الاتصالات الهاتفية لعدد من القادة وبالزيارات لعدد من قادة الدول واستقبال بعضهم. وشكل ذلك النشاط المتكامل حشد التأييد الإقليمي والدولي لدولة الوحدة فضلا عما يترتب عليه من نتائج طيبة تمثلت في تعزيز الثقة بين جماهير الشعب وقيادته بما مثلته من جدية السعي المشترك نحو تحقيق الوحدة، والدخول في مرحلة العد التنازلي الوشيك لإعلانها، فضلا عما خلصت إليه الوفود من نقاط أخذتها قيادتا الشطرين بنظر الاعتبار، وبصفة خاصة ما وقفت عليه من ملاحظات بعض القادة العرب حول التجارب الوحدوية العربية السابقة، وتركزت تلك الملاحظات في ما يلي: أولا:ضرورة الالتزام بسرية موعد إعلان الوحدة حتى اللحظة الأخيرة، تحسبا واستباقا وإبطالا لاحتمالات حدوث محاولات لعرقلة إعلانها في موعدها من جانب من يرون في تحقيقها تعارضا مع رغباتهم. وقد ترتب على هذه الملاحظة اختزال الفترة الزمنية المعلنة بعام إلى ستة أشهر . ثانيا: ضرورة التأكيد على الترابط العضوي بين الوحدة والديموقراطية والتعددية الحزبية والسياسية، باعتبار أن هذا الترابط يشكل سياجا منيعا لحماية دولة الوحدة، وقد أضحى نظام الدولة فور قيامها ديمقراطيا تعدديا يكرس المشاركة السياسية والحزبية والشعبية . ثالثا: ضرورة التسريع في دمج القوات المسلحة حتى لا تغدو مدخلا لتهديد دولة الوحدة . رابعا: العمل على خلق المؤسسات الحديثة لدولة الوحدة وتجنب فوقية القرار ضمانا للحيلولة دون حدوث خلافات جانبية قد تتسبب في اضطراب العلاقات التي تربط بين بناة دولة الوحدة قياديين وقوى وجماهير . ولا يغيب عن البال ما كان يحاك من محاولات للقيام بإجهاض للوحدة في طورها الجنيني وما حدث من غزل إقليمي، ارتفعت فيه نغمات العزف على وتر الاستئثار بالنفط، وتركيز الاستفادة من عائداته في الشطر الجنوبي ذي العدد السكاني المحدود والسعي إلى ان يأخذ شكل النظم السياسية لدول الخليج النفطية . وكان قد حدث جدل داخل أعضاء قيادة الحزب الاشتراكي، حول موعد إعلان قيام دولة الوحدة، وانقسم إلى فريقين فريق رأى رأي قيادة الشطر الشمالي بضرورة سرعة الحسم، والاستفادة من الظروف المواتية، وفريق لم يعول على ذلك ورأى-لأمر ما-أن يأخذ توقيت غعلان الوحدة مداه من التأني ، والتريث، والطبخ على نار هادئة، وقد تقاطعت أو اتفقت هذه الرؤية مع الذين يضمرون النوايا المشبوهة التي تحاول تمييع موعد الإعلان، غير أن الحسم كان سيد الموقف،وعلى أساسه تتالت اجتماعات القمة اليمنية، عقب قمة عدن في إيقاعات وحدوية متسارعة، حيث عقدت خمسة لقاءات هي : ·4 قمة صنعاء من26-22 ديسمبر/كانون الأول 1989م . ·5 قمة مكيراس في 19 فبراير/شباط 1990م . ·6 قمة صنعاء من 20-19 إبريل/نيسان 1990 وقد أخذت قيادتا الشطرين في هذه القمم على عاتقها التغلب على مختلف الصعوبات، وحسم العديد من القضايا محل الخلاف، وأبرزها الموقف من العمل الحزبي داخل القوات المسلحة بعد دمجها في دولة الوحدة، وكذا دمج الأجهزة الأمنية في جهاز واحد. والاتفاق على البديل الثاني في التنظيم السياسي الموحد، الذي يتيح ممارسة التعددية الحزبية، وأسفرت قمة صنعاء في إبريل 1990 عن اتفاق بالغ الأهمية لإعلان قيام دولة الوحدة الذي تضمن الاتفاق على إعلان الجمهورية اليمنية في موعد بقي سرا لم يكشف الستار عنه إلا يوم 22 مايو 1990 يوم إعلان الوحدة المتضمن إعلان تسع نقاط أخرى لتنظيم الفترة الانتقالية ومن هذه النقاط: الاتفاق على تحديد الفترة الانتقالية بعامين وستة أشهر، وتشكيل مجلس النواب بدمج أعضاء مجلس الشورى والشعب في مجلس نواب واحد، وتشكيل مجلس الرئاسة وتكليفه بإجراء الاستفتاء على مشروع الدستور قبل 1990/11/30م وتشكيل مجلس استشاري. كما كان على قيادة النظام السياسي في الشطر الجنوبي أن تسارع إلى اتخاذ عدد من القرارات تكيفا مع مقتضيات دولة الوحدة، فقامت بإعادة العلاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية، في نهاية إبريل نيسان 1990، والتخلص من الخبرات الأمنية الكوبية والألمانية الشرقية التي يقدر عددها بحوالي 900 خبير واكتملت حلقات العمل لبلوغ يوم الوحدة .
العمل الوحدوي (1967 –1978م)
أخبار متعلقة