إعداد / د . محمد أحمد الدبعي :من المؤسف حقاً وخاصة في الأرياف البعيدة عن مراكز المدن والتجمعات السكانية الكبيرة، أن نجد قابلات يجهلن الكثير عن أساليب ووسائل الولادة الصحية النظيفة، كغسل اليدين جيدا بالماء والصابون عند التوليد وتهيئة مكان ملائم لأدائهن لهذا العمل، وبذلك يتحن ويهيئن الوسائل المناسبة لنقل عدوى جراثيم الكزاز الوليدي للمولود وللأم أيضا أثناء التوليد، ناهيك عن استخدامهن لأدوات حادة غير نظيفة وغير معقمة لقطع الحبل السري للوليد، مثل (السكين – الموس غير الجديد – المقص) أو غيرها من الأدوات واستخدامهن لخيط عادي دون تعقيمه بغليه بالماء لمدة نصف ساعة على الأقل، وقيامهن بإضافة مواد على سرة المولود بعد قطع الحبل السري (كالسمن – الملح – الرماد – الكحل) دون أن يعين خطورة ما يجنين به على الأمهات ومواليدهن لتسببهن بنقل عدوى المرض إلى المواليد.فالكزاز مرض خطير وقاتل يصعب معالجته، يصيب الأطفال حديثي الولادة نتيجة تلوث الحبل السري بجراثيم هذا المرض حيث تتميز هذه الجراثيم بأنها لاهوائية قادرة على العيش والتكاثر في الأوساط المختلفة بوجود الهواء أو من دونه، فلافرق بين هذا أو ذاك. كما أنها تتحمل الجفاف وارتفاع درجة الحرارة لمدة طويلة.وتعتبر أمعاء الحيوانات والإنسان مستودعا للجرثومة، وبخروجها مع روث الحيوانات أو الإنسان فإنها تعيش في التراب والغبار وعلى الأشياء والأسطح غير النظيفة.وبواسطة الحويصلات السامة التي تحمي جراثيم الكزاز (الكولستريديم تيتاني) لفترة طويلة دون أن تتأثر بمختلف الظروف القاسية، مثل (الجفاف – البرودة – حرارة الجو العالية) ويمكنها التأقلم على العيش في المواد الملوثة (كالتراب – روث الحيوانات – الرماد..)، وعلى سطح الجسم ذي النسيج الميت أو على الجروح الناتجة عن التعامل مع أداة حادة (كقطع الزجاج – المسامير – السكاكين – الشوك ..).تبدو حالة الوليد المتلقي لعدوى الكزاز طبيعية بعد الولادة، لاتبدو عليه أعراض المرض. حيث لاتبدأ بالظهور إلا بعد أيام قليلة من الإصابة في اليوم الثالث على الولادة وحتى اليوم الثامن، وكل ذلك بسبب الممارسات الخاطئة وغير الصحية أثناء التوليد – كما أسلفت – كقطع الحبل السري أو الختان باستخدام أداة غير نظيفة ولامعقمة، مثل (السكين – شفرة الحلاقة المستخدمة – المقص الملوث)، أو نتيجة ربط الحبل السري بخيط غير معقم لم يتم غليه في الماء لمدة نصف ساعة على الأقل، أو مداواة موضع القطع بمواد ملوثة (كالتراب – الرماد – السمن – الكحل..) فتنتقل سموم جراثيم الكزاز بسهولة إلى جسم الوليد ومنه وصولا إلى جهازه العصبي، ما بين اليوم (3 – 8) بعد الولادة. وبذا تبدأ الأعراض بالظهور، فتتصلب عضلات الوجه والفكين والرقبة ومن ثم الجسم كاملا وتنقبض أصابع اليد بإحكام، مع ارتفاع درجة حرارة الجسم والتعرق وتسارع ضربات القلب وضعف عملية التنفس. وتسوء المشكلة أكثر وأكثر لدى ظهور نوبات التشنج في الجسم وعجز الطفل عن فتح فمه وعن الرضاعة.وبالتالي لايتمكن الطفل الضحية – مطلقا – من العيش وقد وصل إلى مرحلة صعبة خطيرة، يعجز خلالها عن فتح فمه وعن الرضاعة، أو لدى عجزه تماما عن التنفس.وعليه، لاأفضل من الوقاية تلافيا لتلك المآسي والآلام من خلال استخدام الأدوات النظيفة والمعقمة عند الولادة وعند قطع الحبل السري للوليد حتى لاينتقل المرض إليه وإلى أمه.وهذا يعني توافر شروط ومعايير الولادة النظيفة، ومتطلباتها، كالفراش النظيف وقطع القماش النظيفة، وأن تكون يدا المولدة نظيفة، فلاتقوم بالتوليد إلا بعد غسلهما بعناية فائقة بالماء والصابون، ولايكون قطع الحبل السري إلا بأداة معقمة، كالموس الجديد، وأيضا ربطه يجب أن يكون بخيط نظيف ومعقم بغليه في الماء قبل استخدامه لمدة نصف ساعة على الأقل، وألا يتم وضع أي مادة ملوثة على سرة المولود مثل (الملح - التراب – الكحل – السمن) أو غيرها من المواد.الجانب الآخر الضروري والذي لاغنى عنه هو التحصين الروتيني للأطفال دون العام باللقاح الخماسي في مواعيد أخذ الجرعات، على النحو المدون في كرت التطعيم الممنوح للطفل من المركز الصحي أو الوحدة الصحية، إلى جانب تحصين الفتيات والأمهات في سن 15 – 45 عاما ضمن التطعيمات الروتينية المستمر اعطاؤها بشكل دائم في المرافق الصحية ومراكز الأمومة والطفولة.وأذكر أعزاءنا القراء بأن هناك حملة تحصين للتخلص من الكزاز الوليدي جاري تنفيذها حاليا في (60) مديرية بمحافظات (الضالع – إب – الحديدة – لحج)، وهي تستهدف النساء والفتيات ممن ينتمين إلى الفئة العمرية من (15 – 45 عاما)، المتزوجات وغير المتزوجات والحوامل أيضا في أشهر الحمل المختلفة بلا استثناء.حيث تتخذ فيها الفرق الصحية المقدمة لخدمة التحصين المرافق الصحية والمدارس ومواقع متعددة ثابتة وأخرى متحركة لأداء مهامها النبيلة.فبأخذهن لقاح الكزاز يحصلن على حماية من المرض، لاسيما وأن اللقاح معطل لجراثيم المرض، سليم وفعال. كما يؤدي إلى حماية تعتمد على عدد الجرعات فإذا أخذت النساء منه خمس جرعات، فمعنى هذا أنهن سيحصلن على وقاية وحماية من المرض مدى الحياة، وكذلك يولد أطفالهن محميون ضد الكزاز الوليدي لفترة وجيزة تمتد إلى شهرين بعد الولادة.ولقاح الكزاز عبارة عن سائل في عبوة تحوي الواحدة منها على عشر جرعات، ومقدار الجرعة الواحدة منه نصف ملي .. تسحب في حقنة صغيرة، ومن ثم تحقن بها المرأة في أعلى الذراع الأيسر (العضد).ويمكن للعامل الصحي استخدام عبوة اللقاح المفتوحة لمدة شهر ما دامت ضمن فترة الصلاحية، شرط أن يحافظ عليها باردة عند درجة حرارة تتراوح ما بين (2 – 8 درجات مئوية) وأيضا بعيدة عن التلوث.أما الآثار الجانبية للقاح فهي نادرة جدا، فقد تحدث حمى خفيفة في اليومين التاليين للتطعيم وفي حالات نادرة يحدث ألم موضعي وإحمرار خفيفين.وأعود لاؤكد بأن الجرعة الواحدة من اللقاح لاتكفي لتأمين الوقاية الكاملة من الكزاز الوليدي مدى الحياة، بل يجب تحصين كل النساء في الفئة العمرية من (15 – 45 عاما) ضد مرض الكزاز الوليدي، بالجرعات الخمس منه.بالاضافة إلى أنه لاتعاد الجرعة أو الجرعات مطلقا بسبب الفواصل الزمنية الطويلة بين الجرعة والأخرى، مهما طالت وتباعدت، وليس للنساء المستهدفات التخلي عن بقية جرعات اللقاح إذا تأخرت البعض عن أخذ الجرعة. فالأحرى أن تستكمل كل الجرعات دون أن تعاد أي منها، لنضمن بذلك المضي قدماً في تطبيق استراتيجية التخلص من داء الكزاز الوخيم.* المركز الوطني للتثقيف والإعلام الصحي والسكانيبوزارة الصحة العامة والسكان
لنتخلص من مرض الكزاز الوليدي بتحصين النساء في سن (15 – 45)
أخبار متعلقة