إنتاج الوقود زراعيا من عوامل الغلاء
واشنطن/14 أكتوبر/راسل بلينش وبرايان لاف: تلاحقت ارتفاعات أسعار المواد الغذائية واتجهت شعوب أسيا للمطالبة بتحسين نصيبها من الغذاء مع تعاظم ثروتها وأصبح المزارعون عاجزين عن مجاراة الطلب. وباختصار فإن العالم يواجه أزمة غذائية وصلت إلى حد الغليان في بعض المناطق. وفي مختلف أرجاء العالم يحتج الناس وتستجيب الحكومات لهذه الاحتجاجات بفرض قيود على الأسعار والصادرات غالبا ما تؤدي إلى نتائج عكسية ليظهر نوع جديد من سياسات الندرة أصبح فيه ضمان الإمدادات الغذائية تحديا رئيسيا من تحديات القرن الحادي والعشرينوانخفضت مخزونات العالم من القمح إلى أدنى مستوى منذ 30 عاما بسبب سوء الأحوال الجوية في الدول المنتجة وزيادة كبيرة في الطلب من دول العالم الثالث التي تشهد تنمية متسارعة. وتتزايد أسعار الحبوب منذ خمس سنوات فيما يمثل نهاية لعقود من الغذاء الرخيص. ومن العوامل التي ساهمت في المشاكل الغذائية موجات الجفاف وتراجع الدولار الأمريكي واتجاه أموال الاستثمارات إلى السلع الأولية واستخدام الأراضي الزراعية في إنتاج الوقود. لكن من المرجح أن تكون عوامل النمو السكاني وتزايد ثروة الصين ودول ناشئة أخرى هي العوامل الأطول أمدا. ومن المتوقع أن يصل عدد سكان العالم إلى تسعة مليارات نسمة بحلول عام 2050 وأغلب الزيادة التي تصل إلى 2.5 مليارات نسمة ستعيش في العالم النامي. وهذه الدول هي التي تطالب شعوبها بمزيد من منتجات الألبان واللحوم التي يحتاج إنتاجها لمساحة أكبر من الأرض. وقال انجل جوريا رئيس منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية «هذه انتكاسة إضافية للاقتصاد العالمي في وقت نعاني فيه من اضطرابات كبرى. لكن المأساة الكبرى هي أثر ارتفاع أسعار الغذاء على الفقراء.» ففي المكسيك موطن جوريا خرج عشرات الآلاف إلى الشوارع العام الماضي بسبب ارتفاع أسعار خبز التورتيلا الذي ارتفع بشدة مع ارتفاع سعر الذرة. وارتفعت أسعار الغذاء العالمية بناء على سجلات الأمم المتحدة بنسبة 35 في المائة على مدار عام حتى يناير لتتسارع وبدرجة ملحوظة وتيرة الاتجاه الصعودي الذي بدأ على استحياء في عام 2002. ومنذ ذلك الحين ارتفعت الأسعار بنسبة 65 في المائة. وفي عام 2007 وحده ارتفعت أسعار منتجات الألبان بنحو 80 في المائة والحبوب بنسبة 42 في المائة وفقا لمؤشر الغذاء العالمي الذي تصدره منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة. وقالت مؤسسة تشاتام هاوس البريطانية للأبحاث في يناير «الارتفاع الأخير في أسعار السلع الغذائية الأساسية في العالم أكبر من مجرد زيادة قصيرة الأجل. وسيتعين على المجتمع أن يقرر مدى قيمة الغذاء وكيف ... يمكن التوفيق بين قوى السوق وأهداف السياسات المحلية.» وبالفعل تجد دول عديدة نفسها في مواجهة هذه الخيارات. فبعد معارضة طويلة بدأت حكومة المكسيك تبحث رفع حظر على المحاصيل المعدلة بالهندسة الوراثية للسماح لمزارعيها بالتنافس مع الولايات المتحدة التي أصبح إنتاج الذرة المعدلة وراثيا ذات الغلة العالية هو العرف السائد فيها. ويفرض الاتحاد الأوروبي وبعض الدول في إفريقيا حظرا مماثلا ربما يعاد النظر فيه. وفرضت عدة دول من بينها مصر والأرجنتين وقازاخستان والصين قيودا للحد من صادرات حاصلات زراعية لتلبية احتياجات أسواقها المحلية. ومن الممكن أن يدفع رد الفعل التلقائي هذا للازمات الغذائية المزراعين إلى تقليل الإنتاج ويهدد بتقويض جهود مستمرة منذ سنوات لفتح التجارة العالمية. وقال جواكيم فون براون المدير العام لمعهد أبحاث السياسات الغذائية في واشنطن «إذا تبنت دولة بعد أخرى سياسة (تجويع الجار) فما سيحدث في نهاية الأمر هو تقلص حصص التجارة من الإنتاج العالمي الإجمالي من المنتجات الزراعية وهذا بدوره يجعل الأسعار أكثر تقلبا.» وفي الأرجنتين أدى فرض ضريبة حكومية على الحبوب إلى إضراب المزارعين مما أربك صادرات الحبوب. ويوم الجمعة أعلنت فيتنام والهند وكلاهما من كبار مصدري الأرز مزيدا من القيود على المبيعات في الأسواق الخارجية مما أدى لارتفاع سعر الأرز في أسواق المعاملات الآجلة في الولايات المتحدة. وتراجعت أسعار سلع غذائية أخرى من مستويات قياسية في الأيام الأخيرة لكن المحللين عزوا ذلك إلى إقبال المستثمرين على البيع لجني الإرباح أكثر منه إلى عوامل أساسية تخص العرض والطلب. و تشير التوقعات المبدئية لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية والأمم المتحدة في فبراير إلى أن من المحتمل على مدى العقد القادم أن يرتفع سعر الذرة بنسبة 27 في المائة وان ترتفع أسعار البذور الزيتية مثل فول الصويا بنسبة 23 في المائة والأرز بنسبة تسعة في المائة. وبدأ بالفعل ظهور موجات الاستياء. فقد شهدت الكاميرون وبوركينا فاسو احتجاجات عنيفة في فبراير. وتظاهر محتجون في اندونيسيا مؤخرا وتحدثت وسائل الإعلام عن سقوط وفيات بسبب الجوع. وفي الفلبين تلقت مطاعم الوجبات السريعة مطالب بتقليل حجم وجبات الأرز لمواجهة الزيادة في الأسعار. وفي العام الماضي تساءل البنك المركزي الاسترالي -حيث تركز الاهتمام على جفاف مستمر منذ عامين- ما إذا كان ارتفاع أسعار السلع قد يكون من الارتفاعات النادرة الحدوث في تاريخ العالم مثل تلك التي حدثت في منتصف الثلاثينات وفي السبعينات من القرن الماضي. وأشار البنك إلى أن الأسعار الحقيقية للسلع ظلت مستقرة أو حتى انخفضت خلال مرحلة التصنيع السريع في الولايات المتحدة وألمانيا في أوائل القرن العشرين لكن التصنيع في الصين التي يسكنها 1.3 مليار نسمة يحدث على نطاق مختلف تماما. وأضاف البنك «عدد سكان الصين أكبر نسبيا بدرجة كبيرة منه في الدول التي دخلت مراحل التصنيع في أوقات مبكرة ويزيد على مثلي عدد سكان مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى مجتمعة.» ويزيد صعود الطبقة المتوسطة في الصين بدرجة كبيرة الطلب ليس فقط على السلع الأساسية مثل الذرة وفول الصويا والقمح بل أيضا على اللحوم والألبان وغيرها من المواد الغذائية الغنية بالبروتين. والصيني الذي بدأ صعوده السريع في 2001 كان يأكل 20 كيلوجراما من اللحم سنويا في المتوسط في عام 1985. وهو الآن يأكل 50 كيلو جراما من اللحم سنويا. وكل كيلو من لحوم الأبقار يحتاج في إنتاجه إلى سبعة كيلوجرامات من الحبوب وهو ما يعني أن الأراضي التي يمكن استخدامها لزراعة المواد الغذائية للبشر يتم تحويلها لزراعة الأعلاف. ومع سعي الغرب لمواجهة مخاطر ظاهرة الاحتباس الحراري بالاتجاه إلى إنتاج وقود عضوي غير ملوث للبيئة تفاقمت أزمة الغذاء العالمية. ويقدر أن واحدا من كل أربعة أجولة من الذرة من إنتاج هذا العام في الولايات المتحدة يتم توجيهه لإنتاج الوقود الإيثانول. وقالت جانيت لارسن مديرة الأبحاث في معهد سياسات الأرض وهو جماعة مدافعة عن البيئة مقرها واشنطن إن «تحويل الغذاء إلى وقود للسيارات خطأ جسيم على عدة جبهات.»، وأضافت «أولا إننا نشهد بالفعل ارتفاعا في أسعار الغذاء في المتاجر الأمريكية. وثانيا والأخطر على الأرجح من منظور العالمي إننا نشهد ارتفاع أسعار المواد الغذائية في الدول النامية حيث ارتفعت الأسعار إلى الحد الذي دفع الناس إلى الاحتجاج والقيام بأعمال شغب في الشوارع.» وارتفعت كذلك أسعار زيت النخيل إلى مستويات قياسية بسبب الطلب عليه لإنتاج الوقود العضوي مما تسبب في ضرر كبير لمحدودي الدخل في اندونيسيا وماليزيا حيث يعتبر من المواد الغذائية الرئيسية. لكن على الرغم من الانتقادات المتصاعدة للوقود العضوي فإن صناعة الايثانول الأمريكية التي تتغذى على الذرة تتمتع بتأييد سياسي واسع النطاق لأنها تعزز أوضاع المزارعين الذين كانوا يعانون على مدى سنوات من انخفاض الأسعار وهذا التأييد من المتوقع أن يستمر. وتنبأ جون بروتون سفير الاتحاد الأوربي لدى الولايات المتحدة بأن يواجه العالم ما بين عشر سنوات و15 سنة من الارتفاعات الحادة في تكاليف الغذاء وستكون إفريقيا الفقيرة ومنطقة جنوب شرق أسيا هي الأكثر تضررا. وتقوم جوزيت شيران مديرة برنامج الأغذية العالمي التابع للامم المتحدة بجولة عالمية لجمع التبرعات لسد عجز قدره 500 مليون دولار نتج عن ارتفاع الأسعار. وشهد أكبر برنامج إغاثة أمريكي وهو الغذاء مقابل السلام ارتفاع أسعار السلع بنسبة 40 بالمائة وقد يحتاج إلى تقليص تبرعاته للمحتاجين. ويقول أنصار الأسواق الحرة إن المساعدات والعديد من الخيارات السياسية التي يمكن للحكومات الاختيار من بينها لمساعدة الأسواق التي يهيمن عليها الجوع قد تسبب أضرارا لقطاعات أخرى من الاقتصاد. ويقول بروتون الذي تولى منصب رئيس وزراء ايرلندا في الفترة من 1994 إلى 1997 «كنت اعمل في حكومة تطرح دعما غذائيا في ايرلندا وواجهنا مهمة مكروهة وهي رفع الدعم.» ويثق آخرون في أن استخدام أسمدة أفضل وزيادة الإنتاجية بطرق بعضها يعتمد على الهندسة الزراعية سيجعل زيادات الإنتاج تواكب زيادات الطلب. وقال بورس بابكوك الاقتصادي في جامعة ايوا إن ارتفاع الأسعار يعتبر مؤشرا للمزارعين على أنهم يحتاجون لزيادة الإنتاج. وقال «هذه بالتأكيد هي أزهى عصور المزارعين... سنشهد زيادات كبيرة في الإنتاج لأن المزارعين لم يشهدوا من قبل مثل هذا الحافز الكبير على زيادة الإنتاج.» لكن آخرين أشاروا إلى أن ارتفاع أسعار البذور والأسمدة يجعلها بعيدة عن متناول المزارعين في الدول الفقيرة. وفي بداية القرن التاسع عشر قال الاقتصادي البريطاني توماس مالتس إن عدد السكان لديه القدرة على النمو بمعدل أسرع من إمدادات الغذاء وهو توقع أثبتت كفاءة القطاع الزراعي خطأه لكن في القرن الحادي والعشرين بدأ البعض يعيدون النظر في تنبؤاته..