د/ زينب حزام هناك من يقول أن السينما في اليمن لم تكن موجودة إلا في فترة الاحتلال البريطاني بعدن وقد تم افتتاح العديد من دور السينما في عدن من أجل توفير الرفاهية أبناءها بريطانيا المقيمين في عدن ثم توسعت هذه الدور وشملت أبناءها في الأربعينات من القرن الماضي وانتشرت السينما في اليمن وأزداد اهتمام أبناء ها بالأفلام السينمائية بعد انتشار الأفلام العربية والهندية والأمريكية وبعد طرد المستعمر منها والإطاحة بالإمامة في صنعاء ثم إنشاء الهيئة العامة للسينما والمسرح في عدن وصنعاء وتم إنتاج العديد من الأفلام الوثائقية التي تبني المناطق السياحية في اليمن وتاريخ الحضارة اليمنية إضافة إلى إنتاج عدد لا بأس بها من الأفلام الاجتماعية والسياسية ولكن هذه الأفلام السينمائية أخذت شكل الظاهرة التي لم تقترب من السينما المعاصرة التي نشاهدها الآن وذلك ما يؤكد أن أي شعب من الشعوب أو إي أمة من الأمم كأن لها وضع سينمائي أو مسرحي فيها متجذر من أعماقها لكن بمفهوم مغاير لما نعرفه الآن وكذلك كان وضع السينما في اليمن فإنها تعبر عن هموم الشعب اليمني والفنان اليمني الذي يقدم إبداعه الفني إلى الجمهور من خلال أداء صوتي وحركي للشخصية التي يتقمصها والسينما ليست شكلاً من أشكال الرفاهية كما يظن البعض بل هي أساس حضارة الأمة وتهدف إلى نشر الوعي الصحي والاجتماعي والتعليمي لأنها تدخل في نسيج الإنسان وفي تكوين نفسية . فإذا كان الإنسان يتكون من جسد وروح وعقل بما يتفرع من تلك المفردات التكوينية من تفاصيل عديدة فإن السينما هي أحد تلك التفاصيل التي تندرج تحت مسمى الإبداع الإنساني في شتى الفنون -سمة يتمتع بها المرهون فمن الناس من يبرز في الفن السينمائي والغناء والرقص أو التصوير السينمائي كل حسب ميوله الفني ومن خلال هذه المواهب الفنية تصنع الشخصية الفنية السينمائية وتعمل الدولة اليمنية على تطوير الموهبة الفنية بصقلها بالعلوم الثقافية والأدبية والفنية من أجل تطوير ذلك المبدع وتشجيعه على الاستمرار في عطاءاته المتميزة. إنشاء السينما اليمنية المعاصرة ولما كان اقتصار البناء على السينما الوثائقية عملت الدولة اليمنية على تشجيع بناء السينما المعاصرة وأخذت على عاتقها مهمة إتاحة الفرصة لكل الموهوبين في اليمن في إقتحام هذا الميدان الإبداعي الذي يلعب دوراً هاماً في منظومة الثقافة بشكل عام ويساعد على المضي قدماً نحو اللحاق بالدول العربية المتقدمة في المجال السينمائي وقد تم إرسال العديد من البعثات التعليمية إلى مصر وبعض الدول الصديقة لتأهيل الكادر اليمني في مجال الفن السينمائي.
مشهد من الفلم اليمني ( الرهان الخاسر )
وقد تتأخر الفنون بشكل عام أو تتقدم نتيجة العوامل الاجتماعية التي قد تساعد على ظهور هذا الفن أو تأخره ولكن يظل المسرح والسينما ظاهرة حضارية مجتمعة وهي ظروف البيئة إلى أن تأتي المحركات التي تفرضها على المجتمع كأداة ثقافية تنويرية تعليمية وحتمية من خلال مبدعين يملكون الخبرة والدراية والعلم ليبحثوا في كوامن المجتمع عن تلك الجوهرة التي يزيلون ما عليها من عائق للمد الفني الإبداعي والسينما في اليمن رغم تأخر ظهورها خرجت إلى النور بفضل المبدعين اليمنيين الذين ساهموا في بناء صرح فني للمسرح في اليمن . ومهما كانت معاناة السينما اليمنية وانتشار السينما الوثائقية من أجل الترويج السياحي في اليمن إلا أننا ندعو إلى ضرورة تنشيط العمل السينمائي لأن دار السينما هي المكان الوحيد الذي لا دور له إلا توعية الناس اجتماعياً وسياسياً وثقافياً ونحن في بلادنا نفتقر إلى النصوص السينمائية رغم إن العلاقة بين السينما والأدب هي إحدى العلاقات المثيرة للدهشة فلا يمكن تنفيذ أي فيلم دون أن يكون هناك نص مكتوب وراءه ومع ذلك فإن دور المؤلف في الفيلم هامشي إلى حد مفزع فالفيلم ينسب دائماً إلى مخرجة ولا يسعى الناس إلا اعتماداً على شهرة أبطاله بل وتحولت السينما الآن بفعل دخول التقنيات الحديثة إلى ما تتركه في الذاكرة الحيل الباهرة التي تقوم بها هذه التقنيات لقد لعبت السينما دوراً مهماً في حياة الأنساب المعاصرة ونلاحظ أنها في بعض الدول المتقدمة أصبحت في أعلى مرحلة من التقدم التكنولوجي والنضج الفكري والإنتاجي في أمريكا خاصة والدول الأوروبية وأخذت السينما تلعب دوراً خطيراً في بعض الأمور السياسية وانتشار الجريمة ونحن هنا ندعو إلى إنشاء سينما يمنية تتميز بالفكر الإنساني والوعي إن مشكلة الارتقاء بالأداء الإبداعي للإنتاج السينمائي في بلادنا سواء ضمن محدوديته الراهنة من حيث عدد الأفلام القليلة التي قدمت في السنوات الأخيرة أو في ظل أتساع مساهمة الرأسمال الوطني في إنشاء دور العرض وإقامة شركة يمنية للأنتاج السينمائي ليس منفصلاً عن مسألة الأداء والارتقاء بالسينما اليمنية بكل ما تتطلبة من جهد فكري وثقافي واقتصادي من مثقفي اليمن ومؤسساته الأهلية والحكومية . وربما يأتي في مقدمة تلك الجهود المطلوبة لدفع عجلة النهوض من حقل الأداء السينمائي اليمني أن تمارس مؤسسات العمل الثقافي دوراً أكثر جدية في الكف عن الأخذ بالمفهوم السائد عن السينما بوصفها مجرد وسيلة للتسلية فلو ظل هذا الفن العظيم الساحر للجماهير واسع الأثر يقابل على المستوى المجتمعي العام بهذا المنظر والاستخفاف بها فسوف ينعكس هذا على آليات ومنطلقات الأداء الإبداعي والإنتاجي السينمائي في مختلف أنحاء اليمن . وما تجدر الإشارة إليه في هذا الموضوع ندرة الكتابات النقدية حول السينما وهناك دراسات محدودة حول هذا الموضوع خاصة وأن هناك نظرية محدودة حول مفهوم الإبداع السينمائي وتطويقها داخل إطار الترفيه المحض والتسلية البحتة. مجموعة الخواطر والملاحظات التي قدمتها هنا هي دعوة إلى ذوي الاهتمام بالثقافة والفنون اليمنية وخاصة الفن السينمائي الجميل والخطير في نفس الوقت وفي خرق آفاق هذا الجانب الأشمل تأثيراً من جوانب التأزم الراهن للأداء السينمائي للوصول إلى مرتبة تليق بالسينما اليمنية في مسيرة عملنا الثقافي والإعلامي حتى تستطيع السينما اليمنية أن تشق طريقها في عالم التقدم السينمائي الدولي . ولا يبقى هنا إلا تضافر قوي الفنانين الإبداعية مع المسئولين في تقوية البناء السينمائي الذي هو من دعائم الأمم المحتضرة نحو آفاق متميزة بالعطاء الإبداعي الإنساني على مدى الزمان.