مع الأحداث
يطرح مرشح الحزب «الجمهوري» للرئاسة الأميركية جون ماكين منذ عام على الأقل فكرة إنشاء «رابطة الديمقراطيات»، لتجمع الدول الديمقراطية، ويقوم باستمرار بتطوير هذه الفكرة ونشر مقالات والإدلاء بتصريحات حولها، ويعد أن ينجز قمة للدول الديمقراطية خلال عام واحد من توليه الرئاسة، ويشير الى الدول الأوروبية باعتبارها الحليف الديمقراطي للولايات المتحدة، وتتضمن الفكرة أن تبني هذه الرابطة قدرات تدخل عسكري مشتركة، وتطوير قدرات عمل مدنية مشتركة على الساحة الدولية، بهدف التدخل الإنساني، في دول تعاني مشكلات، مثل الإيدز في إفريقيا، ودارفور في السودان، والمساعدات الإنسانية في بورما، ويضيف لها مشكلة إيران، وستتحرك هذه الرابطة بشكل أساسي عندما تفشل الأمم المتحدة، في التحرك، بسبب دول مثل الصين وروسيا. ولا ينفرد ماكين بهذه النظرية، فمن ضمن من تبناها المترشح السابق لحيازة بطاقة الحزب «الجمهوري» لانتخابات الرئاسة الأميركية رودولف جولياني، وروبرت كاغان أحد منظري «المحافظين الجدد»، ومستشار ماكين. وفي معرض تسويق الفكرة يشير معسكر ماكين، إلى أن الفكرة نشأت في أوساط الحزب «الديمقراطي»، ويشيرون إلى أن مادلين أولبرايت، وزيرة خارجية الرئيس السابق بيل كلينتون، أوجدت عام 2000، ما يعرف باسم «مجتمع الديمقراطيات»، ولكنهم ينتقدون ضمها عدداً كبيراً من الدول غير الديمقراطية. ويشيرون إلى أن باحثين في جامعة برينستون اقترحوا فكرة شبيهة، هي فكرة «حفلة الديمقراطية»، وبعض هؤلاء مرشحون للعب دور في الإدارة الأميركية إذا فاز المرشح «الديمقراطي» باراك أوباما، وممن أيد فكرة «الحفلة الديمقراطية»، مَن يعمل الآن مستشاراً لدى أوباما من مثل آيفو دالدر، وأنتوني ليك. وواقع الأمر أن فكرة الديمقراطيين عن «مجتمع» أو «حفلة» الديمقراطيات أقرب إلى الدعوة للتشاور ونشر الديمقراطية بطريقة الحوار. أما فكرة ماكين ومساعديه، فهي خطة إنقاذ لأطروحات «المحافظين الجدد»، ولعل هذا ما يوضح تبني أكثر من مرشح «جمهوري» لها. وفكرة الربط بين الديمقراطية والحرب والسلام، فكرة تقليدية في العلاقات الدولية، تم توظيفها من قبل اليمين الأميركي والإسرائيلي في السنوات الأخيرة. فقد كان رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق، بنيامين نتانياهو، سباقاً، أواسط التسعينيات، في كتابه الذي ترجم إلى العربية بأكثر من عنوان، أحدها «مكان بين الأمم»، و»مكان تحت الشمس»، بالإشارة إلى أهمية رسم العلاقات الدولية على أساس ديمقراطية الدول، وكان هدف نتانياهو هو الهروب من عملية السلام، بالقول إن الحل لمشكلة الصراع العربي-الإسرائيلي، هي تحول الدول العربية إلى دول ديمقراطية، وهذا سيأتي بالسلام لأن الديمقراطيات لا تتقاتل. وأشاد الرئيس الأميركي الحالي، جورج بوش، قبل أقل من أربع سنوات بكتاب الوزير الإسرائيلي السابق ناتان شارنسكي، حول ذات الموضوع، أي: السلام عبر الديمقراطية. وكانت إحدى الأفكار الأساسية لدى «المحافظين الجدد»، التي تمت محاولة تطبيقها في عهد بوش الراهن، فكرة «الحرب لنشر الديمقراطية», بحيث تحولت قاعدة «الدول الديمقراطية لا تحارب بعضها بعضاً» إلى ذريعة لتبرير الحرب. ولكن هذا المبدأ فشل في العراق، كما أدت الانتخابات في أكثر من دولة شرق أوسطية إلى صعود قوى مناهضة للولايات المتحدة، وبالتالي تم التراجع عن الدعوة للديمقراطية. إن فكرة ماكين ومستشاريه محاولة لإنقاذ أفكار «المحافظين الجدد» حول الديمقراطية وتغيير الأنظمة، وتهميش الأمم المتحدة، مع إدخال تعديلات عليها. على أن هذا الربط بين الديمقراطية وقضايا مثل مكافحة الإيدز، وبورما، ودارفور لا يبدو مقنعاً، ويبدو غطاء للتدخل في مناطق وقضايا أخرى. إذ أنه يمكن في كثير من الحالات التعاون مع دول غير ديمقراطية في هذه القضايا. كما أن فكرة أن القيم الديمقراطية المشتركة ستؤدي الى تحرك مشترك سياسياً مستبعَدة، وفي حالة حدث التفاهم مع أوروبا ودول أخرى، كما في حالة كوسوفو، يمكن أن يحدث التحرك المشترك، بينما لن يحدث ذلك إذا لم يتم التفاهم سياسياً، كما حدث في حالة العراق مثلاً. والحال أن مثل هذه الأفكار ينبئ أننا سنعيش مجدداً، فيما لو فاز ماكين، عصر السياسة المغطاة بالأيديولوجيا، وسنعيش نظريات جديدة من تقسيم العالم على أساس القيم الثقافية، ولكن بدل الدعوات لنشر الديمقراطية، ستكون هناك تبريرات للتدخل باسم الديمقراطية، وباستخدام «الحق الديمقراطي» في التدخل.[c1]* عن/ صحيفة (الاتحاد) الإماراتية[/c]