الاحتفاء بحسين السيد احتفاء بالثقافة
في هذا الزمن الصعب وعلى مدى نصف قرن من الإبداع والعطاء لم أجد أي تكريم فاجأتني اللفتة الكريمة من الكرام رواد منتدى الطيب وعلى رأسهم الأستاذ أحمد علي الطيب عميد المنتدى ورفاقه الذين كان لكلماتهم أثر عظيم في نفسي وتلك اللفتة الرائعة من الابن والصديق عبدالله قيران مدير أمن عدن الذي كان لكلمته وقع مؤثر في نفسي ونفوس الحاضرين كان التكريم لحظة من الزمن فيها من الدفء ما جعلني أحس أنني ولدت من جديد فهذا المنتدى هو الذي كرم العديد من الأدباء والفنانين ممن غابوا عن الدنيا ومن هم مازالوا أحياء ولا أنسى الأستاذ والأديب والناقد الفني زميل رحلة الحرف عبدالقادر الخضر الذي عملت معه في الصحافة الفنية منذ الستينات فكان خير مقدم إذ أعطاني أكثر مما أستحق، فهو أيضاً أستاذ ويستحق التكريم.وتجدر الإشارة الى الصديق العزيز سعيد عولقي الذي كان له الفضل في أن أكتب القصة. أن عمري الذي بلغ الخامسة والستين اختزله منتدى الطيب لحظات من السعادة التي كم أسعدتني وأفرحتني فما أجمل أن أجد نفسي وسط مجموعة نادرة من المثقفين الذي كنت أرى في عيونهم ما يعكس محبة ومودة لا مثيل لها وذلك الشعاع الدافئ الذي غمرني بشيء لا تستطيع أن تصفه إذ كيف تصف حب أولئك العشاق أمثال عثمان باعباد وعبدالله المجاهد والأستاذ التربوي فؤاد علي سالم وكذا المهندس جلال وغيرهم ربما لهداياهم وباقات زهورهم وقع في نفسي إلا أن كلماتهم وحنانهم كان له الأثر الأجمل والأعظم .. إني أحبهم كيف لا وهم يحبون المبدعين ويكرمونهم بأريحية نادرة في مدينة أحبت ساكنيها على مدى ثلاثة آلاف عام إلا وزارة الثقافة التي خدمت فيها على مدى خمسة وثلاثين عاماً وها هي أحالتني للتقاعد من العام الماضي وحتى اللحظة وملف الإحالة لم يصل إلى قسم المعاشات بوزارة العمل ولا يزالون يقطعون من راتبي الضرائب ولم يتبق منه سوى ألف وثمانين رياللاً .. إننا في بلد يحيل المبدعين إلى التقاعد وهم في قمة عطائهم ، قد تقولون إن الرأسمالية لا توظف الفنانين بل تفتح لهم السوق والسوق هي التي تقرر، فهل لدينا سوق للفن والآن هلا سمحتم لي أن أعرفكم بنفسي:أنا من مواليد 15/5/1941م في مدينة عطبرة بالسودان أكملت الثانوية في مدينة بورت سودان .. أمضيت خمس عشرة سنة من عمري شاباً عابثاً وفي عام 1958م عُدت إلى وطني الأم وسأختصر المراحل في نقاط.عملت في بداية حياتي نجاراً .. ثم كهربائياً وكان لي شرف افتتاح أول محطة كهربائية عام 1958م في مدينة رداع براتب ريالين ماريا ترسيا في الشهر وكانت تكفيني. ثم عملت في كهرباء مدينة لودر عام 1961م وكانت لي اهتمامات بالناحية الأدبية وبالذات الروايات والقصص.عملت مراسلاً لعدد من الصحف والمجلات المحلية بمدينة عدن حتى عام 1966م شاركت في العديد من الأعمال المسرحية والتلفزيونية التي كانت تبث على الهواء ثم انتقلت إلى مدينة البيضاء حيث سكن والدي ومن هناك انتقلت الى صنعاء وساعدني الزميل والصديق محمد فارع الشيباني الذي كان حينها مدير مكتب يحيى بهران وزير الإعلام فاستخرج لي ترخيصاً لإصدار مجلة أدبية فنية اجتماعية أسميتها الحياة الجديدة وحينها لم تكن هناك مطابع فاتجهت الى تعز وقابلت الاستاذ القدير محمد غالب أنعم وزير التربية والتعليم الذي كان حينها يحقق أحد أهم الكتب اليمنية (ابن الأمير)فعرضت عليه أن ينشئ مطبعة ويساعدني في تحقيق طموحه لإصدار المجلة فوافق وتم له ذلك وأسماها (دار القلم) وكانت تعمل بالصف اليدوي وفي عام 1968م أصدرت العدد الأول ولم يرق ذلك لمكتب الإعلام فتوقفت وبعد بضعة أشهر أصدرت العدد الثاني إبان حصار صنعاء الذي كرسناه للمقاومة وبعد صدور العدد الثالث صدر أمر من مكتب الإعلام بإغلاق المجلة ربما لكونها مجلة تقدمية وصدر أمر رئاسي من قبل حسن العمري بمحاكمتي فما كان من الأستاذ والمناضل القدير محمد عبده نعمان إلا أن هربني الى عدن بمعاونة أفراد من الصاعقة والمظلات ويمكن عرض غلافها إذا أراد (الخضر) للتأكيد، أما التفاصيل فالحيّز لا يسمح بذلك .. وفي عدن عملت محرراً بصحيفة صوت العمال بجوار المناضل عبدالغفور البراق ثم رقيت لأصبح مدير التحرير ورئيس مجلس إدارة المؤسسة في الفترة من 1970م حتى 1978م .. انتقلت بعد ذلك الى وزارة الثقافة والإعلام كمخرج مسرحي وتدرجت حتى تبوأت منصب مدير عام الفنون حيث عملت على وضع خطة عمل لمهرجانات فنية وعلى مدى سبع سنوات أنجزت سبعة مهرجانات الرقص الشعبي والأغنية... والأعراس اليمنية وأثناء ذلك قمت بإخراج عدد من المسرحيات أهمها صنعاء مدينة مفتوحة وعودة الانتصار انجيلا ديفيد ومسرحية نداء الأرض التي عرضت يوم تشغيل التلفزيون الملون لأول مرة في عدن بتاريخ 8 مارس 1981م وهو يوم افتتاح عام الثقافة برعاية الرئيس السابق علي ناصر محمد والأستاذ راشد محمد ثابت وزير الإعلام حينها، كما أخرجت مجموعة من الأفلام الوثائقية (طفولة واعدة) (واليوم جميل وغداً أجمل) بالتعاون مع سينما كوريا الشمالية والأخير كان أحد الأفلام التي جلبت المشاكل لمؤسسة السينما بعد أحداث يناير وكان ضحيتها الأستاذ عبدالرحمن الكعي الذي كان حينها مديراً عاماً للسينما.بعد ذلك انقضت فترة طويلة من البطالة بناء على توجيهات وزير الثقافة والإعلام محمد أحمد جرهوم أو كما يقولون اليوم (خليك في البيت) وفي عام 1997م طلب مني الأستاذ الأديب والناقد فيصل صوفي أن أتولى إدارة معهد الفنون الجميلة الذي كان حينها مدمراً فعملت جاهداً على إعادة تأهيله بمساعدة الأستاذ القدير يحيى العرشي وزير الثقافة إلى أن جاء عبدالوهاب الروحاني وزيراً للثقافة فعمل على فصلي دون توضيح الأسباب لهذا أرجو المعذرة اكتفائي بالحديث عن تلك المراحل وأخيراً عدت لأمارس كتابة القصة القصيرة والرواية ونشرتها في مجلة الحكمة التابعة لاتحاد الأدباء الذي توليت رئاسة فرعه بعدن مع العام الأول للوحدة المباركة حتى عام 1993م ولأن الحيز محدود فيمكن لمن يرغب في قراءة كتاباتي النقدية أن يطالع صحيفة (14 أكتوبر) التي أعتز وأفخر بأنها سمحت لموهبتي النقدية أن تأخذ مكانها بين النقاد تلك كما قلت لمحات سريعة من محطات حياتي أما من أراد أن يتعرف على حياتي الشخصية فسيجدها في رواية البروفسور حبيب السروري (طائر الخراب).وربما يأتي يوم إذا طال بي العمر إن شاء الله أن أكتب سيرة حياتي كاملة بشفافية والزمن الإنساني هو كما يقول الكاتب الأمريكي (متشو كاكو) إن أجسادنا تحارب الأكسدة فإلى أي مدى ؟! هذا متروك للزمن الافتراضي الذي اخترعناه لنقيس به أعمارنا القصيرة.إن عزائي في عدم تكريمي على مدى نصف قرن سأختزله لك في هذه الأبيات العظيمة للشاعر الروسي (بوشكين) نحن لا نملك في العمر الزائل إلا سؤالاً واحداً لم وفرة الأحلام هنا؟مادام من غير المقدر للأحلام أن تتحقق؟إننا ونحن نصغي لصوت الأمل يغني لنالا نسمع صوت الكارثة القادمة لنا!فالحياة على الأرض حفيدة التعاسةنحن الآن لسنا أمام شعور متوهم .. نحن أمام عويل روح تعاني هزة فظيعة أمام صوت صادر عن قلب ممزق مضرج بالدم . هكذا حتى جاء منتدى الطيب ليخفف من معاناتي الطويلة ويخرجني من غرفتي الكئيبة ليرشني بضوء سرقوه من سناء القمر اليمني الذي سبق لهم أن (رشوا) به العديد من المبدعين المنسيين. طوبى لكم ولأمثالكم فهناك من هم أعظم مني وأرقى مني إبداعاً ينتظرونكم وسأكون معكم لننفض عنهم الغبار ونحتفي بهم كصناع حياة تسعد الآخرين فأحبهم إلى قلبي الفنان الكبير محمد سعد عبدالله والشاعر عبدالله سلام ناجي الذي كرم نفسه في هذه الأبيات:شفني لأن العواصف ركيكة ماتقدرش تحجب عن الكون صوتيسهل (ينتعوا) من فؤادي الحياةبس (عُكير) يطفئوا نار صوتي بموتيأخيراما أعظم أن يكون لك وطن كبير تحبه حتى وإن قسى عليك وطن تختلف فيه تتعدد زوايا رؤانا .. أحلامنا .. أمانينا .. وطن شرطه الأول والأخير المحبة كما يقول (نيتشه) في هكذا تكلم زرادشت .. (المحبة وحدها هي السبيل المؤدي إلى إدراك الحق والقوة والجمال) إن رياح التغيير النقدي لا يوقفها الفساد .. ولا الاستحواذ بالقوة على مقدرات هذا الشعب لأن العقول النيرة التي ترى المستقبل والمتفائلة هي من نعوّل عليه فلترتفع أصواتهم. قالها الرئيس علي عبدالله صالح بما معناه (إنني أقبل النقد الذي يأتي من الشرفاء أما من ينتقدون وهم فاسدون فلا مكان لهم في هذا الوطن.إن الشعوب تتحد لتكون قوية وهي سمة هذا العصر فالأجدر بنا أن نحافظ على وحدتنا وفي ذات الوقت نعمل على إكسابها محتوى ديمقراطياً. إنها خيار البشرية الساعية الى التقدم إنها الوسيلة الأنجح وهي وحدها القادرة على إلغاء فكرة القوة والعنف وما يشهده العالم خير دليل على ذلك فهلا سعينا لوقف نزيف دم الإنسان على الأرض فقد سبق لنا أن جربنا الحروب ولانزال نعاني آثارها البشعة فتحية لمنتدى الطيب (الطيب) الذي يزرع المحبة في قلوب مرتاديه ولْتحذُ حذوه كافة منتديات عدن خاصة واليمن عامة ، أخيراً أتمنى من الأخ الرئيس أن يعدل عن قراره عدم الترشح للرئاسة خصوصاً أنه يقبل المنافسة والتداول السلمي للسلطة وأن تكون الانتخابات نزيهة إذ أن لا أمن ولا معيشة ولا حرية في ظل الفوضى أياً كان مصدرها. إن شرط تحقيق ما يسبق هو وبدرجة رئيسة الأمن فلا معيشة ولا حرية دون أمن ... إن زمن بناء الدولة الحديثة آتٍ وإن طال قليلاً .. هذه رؤيتي لكنني أحترم آراء الآخرين فنحن في سفينة واحدة وسط أمواج مضطربة وعلينا أن نوصلها إلى بر الأمان.